مواضيع

كلمات الفقهاء

وقبل أن نبدأ بشرح هذه المسألة نذكر طرفاً من كلمات الفقهاء في المسألة تمهيداً لذلك:

1. في فقه أهل البيت (عليهم السلام)

يقول العلامة الحلي (رحمه الله) في موسوعته الفقهية (منتهى المطلب):

إذا قصد رجل رجلاً يريد نفسه أو ماله أو حرمه، فله أن يقاتله دفعاً عن نفسه بأقل ما يمكنه دفعه به بلا خلاف وإن أدى ذلك على نفسه لقوله (ع): (من قتل دون ماله فهو شهيد).

ولو قُتل اللص، لم يجب على القاتل قَود ولا دية ولا كفارة.

إذا ثبت هذا؛ فهل يجب عليه أن يدفع عن نفسه؟ قال الشيخ (رحمه الله): الأقوى الوجوب. وللشافعي قولان.

لنا قوله تعالى: <وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ>[1]، وقوله تعالى: <وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ>[2]، ولأنه قادر على حفظ نفسه بفعله فيلزمه، كما يجب عليه تناول الطعام والشراب.

احتج الشافعي: بِأَن عثمان بن عفان استسلم للقتل مع القدرة على الدفع؛ لأنّه كان في داره أربعمائة مملوك، فقال: من ألقى سلاحه فهو حر، فلم يقاتل أحد، فقُتل.

والأوّل أصح عندنا؛ لأنّ القتل قاضٍ بوجوب دفع الضرر عن النفس، وفعل عثمان لو سُلّم، لم يكن حجة، إذا ثبت أنه يجب عليه أن يدافع عن نفسه، وإنه لا يجب عليه أن يدافع عن ماله؛ بل يجوز له الاستسلام فيه، ولا أعلم فيه خلافاً.

أما المرأة، فإنّه يجب عليها أن تدافع عمن أراد فرجها، ولو قُتل لم يكن له ديّة؛ لأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز تركه وإباحته، فدفع المرأة عن نفسها، وصيانتها عن الفاحشة التي لا تباح بحالٍ، أَوْلى. وإنما وجب عليها ذلك؛ لأنّ التمكين منها محرم، وفي ترك الدفع نوع من التمكين.

إذا ثبت هذا؛ فلو أمكنه التخلص بالهرب، وجب عليه؛ لأنه مأمور بالدفع عن نفسه، وفي الهرب يحصل ذلك بأسهل طريق.

وللشافعي قول آخر: أنه لا يلزمه؛ لأن إقامته في مكانه مباح له، فلا يلزمه أن ينصرف عنه لأجل غيره.

والجواب أنّ في الانصراف حفظ النفس، فوجب. وكذا المضطر إلى أكل الطعام النجس كالميتة، أو شراب نجس، فإنه يجب عليه تناوله لحفظ الرمق.

وللشافعي وجهان: هذا أحدهما. والثاني: لا يلزمه.

وهو غلط؛ لأنّ النجاسة حكم شرعي، وقد عُفِي عنه، فلا يتلف نفسه لذلك[3].

ويقول الشيخ محمّد حسن النجفي في موسوعته الفقهية القيّمة (جواهر الكلام):

لا خلاف ولا إشكال في أنه للإنسان أن يدفع المحارب أو اللص أو غيرهما عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع؛ للأصل، والإجماع بقسميه، وما تقدم من النصوص في المحارب؛ بل وعن غيره؛ للأصل، وعموم الإعانة على البر، وغير ذلك.

قال أمير المؤمنين (ع) في خبر الأصبغ: (يضحك الله تعالى إلى رجل في كتيبة، يعرض لهم سبع أو لص، فحماهم حتى يجوزوا)[4]، وفي خبر السكوني عَنْ‌ جَعْفَرٍ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ عَنْ‌ آبَائِهِ‌، قَالَ‌: (قَالَ‌ رَسُولُ‌ اللَّهِ‌ (ص): مَنْ‌ سَمِعَ‌ رَجُلاً يُنَادِي يَا لَلْمُسْلِمِينَ‌! فَلَمْ‌ يُجِبْهُ،‌ فَلَيْسَ‌ بِمُسْلِمٍ)‌[5]، وقال الصادق (ع) في الصحيح: (قَالَ‌ رَسُولُ‌ اللَّهِ‌ (ص): عَوْنُكَ‌ الضَّعِيفَ‌ مِنْ‌ أَفْضَلِ‌ الصَّدَقَةِ‌)[6]. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك؛ حتى فحوى قول أمير المؤمنين (ع) قال رسول الله (ص): (قَالَ‌ رَسُولُ‌ (ص): مَنْ‌ رَدَّ عَنْ‌ قَوْمٍ‌ مِنَ‌ اَلْمُسْلِمِينَ‌ عَادِيَةَ‌ مَاءٍ‌ أَوْ نَارٍ، وَجَبَتْ‌ لَهُ‌ اَلْجَنَّةُ‌)[7]. فلا إشكال حينئذ في جواز الدفاع مطلقاً؛ بل في كشف اللثام: «ولو قدر عل الدفع عن غيره فالأقوى كما في التحرير الوجوب مع أمن الضرر وإن كان لا يخلو من نظر».

نعم؛ قالوا من غير خلاف يعرف فيه بينهم: يجب اعتماد الأسهل، فلو اندفع الخصم بالتنبيه…، فإن لم تكف، فبالسلاح، إلى غير ذلك من أفراد الترقي من الأسهل إلى الصعب ثم إلى الأصعب، ولكن قد ذكرنا سابقاً أن مقتضى إطلاق النصوص عدم الترتيب المزبور، خصوصاً في المُحارب، واللص المحارب، والمطلع على عيال غيره؛ بل مطلق الدفاع، فإن لم يكن إجماعاً أمكن المناقشة فيه؛ بل لعلّ السيرة على خلافه.

وعلى كل حال؛ فيذهب دم المدفوع هدراً؛ جرحاً كان أو قتلاً؛ فضلاً عن ماله، إذا لم يندفع إلا بذلك، بلا خلاف أجده فيه نصّاً وفتوى؛ بل الإجماع بقسميه عليه. ويستوي في ذلك الحر والعبد، والمسلم والكافر، والليل والنهار، بمثقل أو محدد، خلافاً لأبي حنيفة؛ فضمنه مع القتل بمثقل إن قتله نهاراً.

ولو قُتل الدافع ولو دون ماله، كان كالشهيد في الأجر كما سمعتَه في النصوص السابقة، وقال الصادق (ع) في خبر عبد الله بن سنان: (مَنْ‌ قُتِلَ‌ دُونَ‌ مَظْلِمَةٍ، فَهُوَ شَهِيدٌ)[8]، ونحوه قول الباقر (ع) في خبر أبي مريم قال: (يَا أَبَا مَرْيَمَ!‌ هَلْ‌ تَدْرِي مَا دُونَ‌ مَظْلِمَتِهِ‌؟ قُلْتُ‌: جُعِلْتُ‌ فِدَاكَ‌ الرَّجُلُ‌ يُقْتَلُ‌ دُونَ‌ أَهْلِهِ‌ وَدُونَ‌ مَالِهِ‌ وَأَشْبَاهِ‌ ذَلِكَ‌. فَقَالَ:‌ يَا أَبَا مَرْيَمَ‌! إِنَّ‌ مِنَ‌ الْفِقْهِ‌ عِرْفَانَ‌ الْحَقِّ‌)[9]، والظاهر أنه أقره على ما فسّره به.

نعم؛ قيّده غير واحد في المال بما إذا ظن السلامة، وإطلاق النصوص ينافيه؛ بل في مرسل البرقي عن الرضا (ع): (عَنِ‌ الرَّجُلِ‌ يَكُونُ‌ فِي السَّفَرِ وَمَعَهُ‌ جَارِيَةٌ‌ لَهُ،‌ فَيَجِيءُ‌ قَوْمٌ‌ يُرِيدُونَ‌ أَخْذَ جَارِيَتِهِ‌، أَ يَمْنَعُ‌ جَارِيَتَهُ‌ مِنْ‌ أَنْ‌ تُؤْخَذَ وَإِنْ‌ خَافَ‌ عَلَى نَفْسِهِ‌ الْقَتْلَ؟‌ قَالَ‌: نَعَمْ‌. قُلْتُ‌: وَكَذَلِكَ‌ إِذَا كَانَتْ‌ مَعَهُ‌ امْرَأَةٌ؟‌ قَالَ:‌ نَعَمْ‌. قُلْتُ:‌ وَكَذَلِكَ‌ الْأُمُّ‌ وَالْبِنْتُ‌ وَابْنَةُ‌ الْعَمِّ‌ وَالْقَرَابَةُ‌ يَمْنَعُهُنَّ‌ وَإِنْ‌ خَافَ‌ عَلَى نَفْسِهِ‌ الْقَتْلَ‌؟ قَالَ:‌ نَعَمْ‌. قُلْتُ:‌ وَكَذَلِكَ‌ الْمَالُ‌ يُرِيدُونَ‌ أَخْذَهُ‌ فِي سَفَرٍ فَيَمْنَعُهُ‌ وَإِنْ‌ خَافَ‌ الْقَتْلَ؟‌ قَالَ‌: نَعَمْ‌)[10].

وعلى كل حال؛ فلا إشكال في أنه يضمنه المدفوع (أي يضمن المدفوع الدافع المقاوم في نفسه وماله) نفساً وطرفاً ومالاً؛ للعمومات. نعم؛ قد تقدم سابقاً الفرق بين النفس والمال بالنسبة إلى وجوب الدفاع وعدمه، فيجب في الأوّل مع انحصار الأمر فيه، ولا يجوز الاستسلام؛ بخلاف المال الذي لا يتوقف حفظ النفس عليه بلا خلاف أجده فيه؛ بل الإجماع بقسميه عليه؛ للنصوص السابقة؛ بل لو علم تلف النفس حرم عليه ذلك؛ لأهمية حفظ النفس وإن كان قد يتوهم من إطلاق النصوص جوازه أيضاً.

… وأما العِرض، فإن له المدافعة عنه وإن خاف القتل، ضرورة كونه أهم من المال.

إنّما الكلام في وجوبها ما لم يعلم القتل. يحتمل ذلك؛ لقول الصادق (ع) في الحسن أو الصحيح، قال أمير المؤمنين (ع): (إن الله ليمقت الرجل يدخل عليه اللص في بيته فلا يحارب)[11]، ونحوه خبر السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهم السلام)[12]. وخروج المال بالتصريح بالرخصة فيما سمعته في النصوص لا يقتضي إلحاق غيره به؛ بل قد يشعر الاقتصار فيها على المال بعدم ذلك في غيره من النفس والعرض، مضافاً إلى وجوب دفع الأعظم ضرراً بالأقل، ولا ريب في أهمية العرض من النفس عند ذوي النفوس الأبية. نعم؛ لو علم القتل، وأنه لا يدفع عنه شيء، احتمل القول حينئذ بالحرمة حفظاً للنفس مع احتمال المدافعة عنه جوازاً ووجوباً كالنفس.

أما المدافعة عن النفس، فالظاهر وجوبها بما يتمكن وإن علم عدم الدفع عنها، إلا أن الساعة والساعتين؛ بل الأقل منهما تكفي في ذلك.

ولعله بملاحظة ما ذكرناه هنا وما تقدم في اللص المحارب، يظهر لك الحكم في جميع صور المسألة المتصورة في المقام المتعلقة بالنفس والعرض والمال؛ من حيث العلم بالقتل والجرح، له أو للمدفوع، والظن أو الاحتمال، وحصول الدفع وعدمه، وغير ذلك بعد ضبط الميزان، وهو أنه يجب حفظ النفس والعرض، والإذن في الاستسلام قد جاء في المال، والله العالم[13].

2. في الفقه الحنبلي

ويقول الشنقيطي ومحمّد بن محمّد بن المختار في شرح (زاد المستقنع) في الفقه الحنبلي:

قد يهجم على الإنسان من يعتدي عليه في نفسه أو ماله أو عرضه، وقد يكون هذا الهاجم آدمياً أو غير آدمي. وحينئذ قد يتمكن الإنسان ن من دفعه ورده عن حرمته، وقد لا يتمكن. وهذا ما يعرف بمسائل الصيال[14].

فهل يجوز للشخص، إذا اعتدى عليه غيره وأراد قتله أو أخذ ماله أو الاعتداء على حرمة من حرماته ونحو ذلك، هل من حقه أن يدافع؟ وهل هذا الدفاع واجب؟ وهل الأفضل أن يدافع أم لا، إذا لم يكن واجباً؟

وكذا إذا قلنا بمشروعية الدفع، فالدفع له مراتب وأحوال، فهل يجوز له أن يدفع بالأقوى مع إمكان الدفع بالأخف؟

… وأعلى هذه الأشياء وأعظمها حرمة النفس، ثم يلي ذلك العرض، ثم يلي ذلك المال، فإن الشرع شدد في أحكام الصائل في النفس والعرض والمال، ولم يقع خلاف في النفس والعرض، ولكن وقع الخلاف في المال. ولذلك تجد العلماء لما قالوا بوجوب دفع الصائل لم يختلفوا في دفعه إذا كان لأجل النفس أو العرض؛

ولكن الخلاف في المال، هل يجب أم لا يجب؟ على تفصيل عندهم رحمهم الله.

… للشخص الذي يصال عليه دفع هذا الصائل بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به. ومشروعية الدفع ثبتت بها الأدلة الشرعية.

وأجمع العلماء على العكس؛ أي أنه لا يجوز للصائل أن يصول على دماء الناس ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم. قال النبي (ص): (إِنْ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد).

فحرم الاعتداء على هذه الأمور، وشرّع للمسلم أن يدفع؛ ولذلك قال تعالى: <وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ>[15]، وإذا سكت الإنسان عن هذا الصائل، فمعناه أنه يسلم نفسه للهلاك، والله تعالى يقول: <وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا>[16]…، فإذا سكت عن هذا الصائل فإنه سيقتله.

كذلك السنة أكدت هذا، ومن هنا قال رجل: (يا رسول الله، أرأيت إن جاء يريد أخذ مالي، قال: لا تعطه، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني، قال: أنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار).

وفي الحديث الصحيح: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد).

… ولكن هل هذا على سبيل الفرض أو على سبيل التخيير؛ أعني التوسعة؟ يرى المصنف رحمه الله، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أن الدفع واجب، وأن الإنسان، إذا هجم عليه من أجل أن يسفك دمه أو ينتهك عرضه أو يؤخذ ماله بغير حق، أنه يجب عليه أن يدفع إلا في زمان الفتنة[17].

3. في الفقه الشافعي

ويقول النووي من فقهاء الشافعية في روضة الطالبين:

(أما المصول عليه، فيجوز الدفع عن النفس، والطرف ومنفعته، والبضع ومقدماته، وعن المال وإن قلّ، إذا كانت المذكورات معصومة، ويجوز لغير المصول عليه الدفع، وله دفع مسلم صال على ذمي، وأب صال على ابنه، وسيد صال على عبده؛ لأنهم معصومون مظلومون.

وحكى الإمام قولاً قديماً أنه لا يجوز الدفع عن المال إذا لم يحصل الدفع إلا بقتل أو قطع طرف، والمشهور الأوّل، وبه قطع الجماهير.

وفي الحديث الصحيح «من قتل دون ماله فهو شهيد»، فله الدفع في كل هذه الصور. وإن أتى الدفع على الصائل، فلا ضمان فيه، ولو وجده ينال من جاريته ما دون الفرج، فله دفعه وإن أتى على نفسه، وللأجنبي دفعه كذلك حسبة، ويجوز أن يكون المدفوع عنه ملك القاصد. فمن رأى إنساناً يتلف مال نفسه؛ بأن يحرق كدسه، ويغرق متاعه، جاز له دفعه، وإن كان حيواناً، بأن رآه يشدخ رأس حماره، وجب على الأجنبي دفعه على الأصح، وبه قطع البغوي لحرمة الحيوان.

أما كيفية الدفع، فيجب على المصول عليه رعاية التدريج والدفع بالأهون فالأهون، فإن أمكنه الدفع بالكلام، أو الصياح، أو الاستغاثة بالناس، لم يكن له الضرب، وكذا لو اندفع شرّه؛ بأن وقع في ماء أو نار، أو انكسرت رجله لم يضربه، وكذا لو حال بينهما جدار أو خندق أو نهر عظيم، فإن حال نهر صغير وغلب على ظنه أنه يعبر النهر عليه، قال ابن الصباغ: فله رميه، ومنعه العبور.

أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب، فله الضرب، ويراعى فيه الترتيب…، وإذا أمكن بدرجة، فدفعه بما فوقها ضَمِن، وكذا لو هرب فتبعه وضربه ضمن…

ولو قدر المصول عليه على الهرب، أو التحصن بموضع حصين، أو على الالتجاء الى فئة، هل يلزمه ذلك أم له أن يثبت ويقاتل؟ فيه اختلاف نص، وللأصحاب طريقان، أصحهما: على قولين؛ أظهرهما: يجب الهرب؛ لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون)[18].

4. الفقه المالكي

وقال في فتح الجليل شرح مختصر خليل (من الفقه المالكي):

((لَا) يَجُوزُ (جُرْحٌ) مِنْ الْمَصُولِ عَلَيْهِ لِلصَّائِلِ (إنْ قَدَرَ) الْمَصُولُ عَلَيْهِ (عَلَى الْهَرَبِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ مِنْ الصَّائِلِ (بِلَا مَضَرَّةٍ) تَلْحَقُهُ، فَيَجِبُ هَرَبُهُ مِنْهُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَوْ قَدَرَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ الصَّائِلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهُ بِجَرْحِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَلَهُ دَفْعُهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ كَقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ: إذَا تَعَارَضَ ضَرَرٌ، ارْتَكَبَ أَخَفَّهُمَا)[19].

والآن؛ بعد أن تناولنا طرفاً من كلمات الفقهاء؟رحهم؟ من مذاهب فقهية مختلفة، نبدأ باستعراض المسألة من خلال ثلاث نقاط:

‎تحديد معنى (العدوان).

تحديد معنى (الدفاع الشرعي).

‏وهما بمثابة الموضوع للحكم الشرعي التكليفي بجواز أو وجوب الدفاع، على اختلاف الموارد، واختلاف الأقوال في المسألة، وهو الحكم التكليفي في المسألة، وارتفاع الضمان والقصاص والدية عن عهدة الدافع، إذا أصاب المعتديَ بضرر، وثبوت الضمان على المعتدي، إذا أصاب الدافعَ بضرر في نفسه أو ماله وهو الحكم الشرعي الوضعي في المسألة.

الأحكام التكليفية والوضعية المترتبة على العدوان (الصيال)؛ مثل مشروعية الدفاع ووجوبه، وحرمة الصيال، وعدم ثبوت الضمان على عهدة الدافع (المقاوم) تجاه ما يصيب الصائل (المعتدى)؛ من جرح وقتل، أو ما يصيب أمواله من تلف خلال المقاومة والدفاع، وثبوت الضمان على عهدة الصائل (المعتدي) إذا أضرّ بالدافع أو بأمواله، وإليك التفصيل:


  • [1].  البقرة: 195.
  • [2].  النساء: 29
  • [3].  حسن بن يوسف الحلي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب، ج15، ص226 – 228.
  • [4].  الفيض الكاشاني، كتاب الوافي، الباب 27 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع، ج15، ص196، ح3.
  • [5].  الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 59 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص141، ح1.
  • [6].  المصدر نفسه، ح2.
  • [7].  المصدر نفسه، الباب 60 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص142، ح1.
  • [8].  المصدر نفسه، الباب 46 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص121، ح8. لكن الوارد في المصدر وغيره بلفظ (مَظْلِمَتِه) بدلا من (مَظْلِمَةٍ).
  • [9].  المصدر نفسه، ح10.
  • [10]. المصدر نفسه، ص122، ح12.
  • [11]. الفيض الكاشاني، كتاب الوافي، الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع، ج15، ص188، ح6.
  • [12]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 46 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص119، ح2. نصّ الرواية: عَنْ‌ جَعْفَرٍ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ‌ قَالَ‌: (إِنَّ‌ اللَّهَ‌ لَيَمْقُتُ‌ الْعَبْدَ يُدْخَلُ‌ عَلَيْهِ‌ فِي بَيْتِهِ،‌ فَلاَ يُقَاتِلُ‌).
  • [13]. محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج41، ص650 – 656.
  • [14]. الصيال بمعنى الوثوب في اللغة. وفى هذا الباب يطلق الفقهاء الصيال على كل عمل يهجم فيه أحد على الآخر بالضرب أو القتل أو السلب أو العدوان على العرض والشرف وأمثال ذلك.
  • [15]. البقرة: 195.
  • [16]. النساء: 29.
  • [17]. محمد الشنقيطي، شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع، باب أحكام الصيال، ج392، ص1 – 6.
  • تنبيه حول الكتاب: الكتاب (شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع) هو في الأصل عبارة عن دروس صوتية للشنقيطي يصل عددها إلى (417) درسا، قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية (http://www.islamweb.net) ومرقمة آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس، وبالتالي يصل عدد أجزاء هذا الكتاب إلى (417) جزءا، ولم يُصحح ويُطبع منه إلا (كتاب الطهارة) فقط. (من المحقق)
  • [18]. محي الدين النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج10، ص186 – 187.
  • [19]. محمد المالكي، منح الجليل شرح مختصر خليل، ج9، ص368 – 369.
المصدر
كتاب فصول المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى