مواضيع

تعريف العدوان

أتحدث أولاً في تعريف العدوان الذي يداهم الفرد، لنعقبه بعد ذلك، في النقطة الثانية، بتعريف الدفاع الذي يقوم به الدافع لدرء العدوان.

وفى الحقيقة نتحدث في هذه النقطة وتلك عن تحرير وتحديد موضوع الأحكام التكليفية والوضعية المترتبة عليهما.

فإنّ مشروعية الدفاع وجوازه، أو وجوب الدفاع تجاه العدوان الذي يداهم الفرد، يتوقف على تحديد وتحرير كل من (العدوان) و(الدفاع)، وهذا هو جانب الحكم التكليفي في هذه المسألة.

كما أن ارتفاع مسؤولية الدافع المقاوم للعدوان تجاه المدفوع، والحكم بإهدار دم المدفوع (المعتدي)، وكذلك ارتفاع الضمان والمسؤولية فيما يلحقه من نقص في أعضائه، وارتفاع الضمان في التخريب والإتلاف الذي يصيب ماله، يتوقف على تحديد (العدوان) و(الدفاع)، وهكذا ثبوت الضمان والقصاص والدية على عهدة المعتدي تجاه أي ضرر أو نقص أو دم يصيب المقاوِم، وهذا هو جانب الحكم الوضعي في هذه المسألة.

وإليك الآن تعريف العدوان:

إن عنوان (العدوان) لم يرد في تعريف الفقهاء، وإنّما ورد التعبير عنه في كلماتهم بـ (الصيال) غالباً… وإنما عبرنا عنه بكلمة (العدوان)؛ لأنّ موضوع هذه الرسالة هي المقاومة والدفاع في مقابل العدوان… ولذلك؛ لسنا بحاجة إلى تحديد العنوان بعدم المشروعية، كما يصنع الفقهاء، فإن العدوان لا يكون مشروعاً بالبداهة.

وأما في كلمات الفقهاء، فقد ورد في تحديد الموضوع عنوان (عدم المشروعية)؛ لأنّ الصيال المشروع الذي يتوجه إلى الفرد لا يكون موضوعاً لجواز الدفاع والمقاومة؛ كما لو صال المعلم على التلميذ لتأدبيه، أو صال القاضي على المجرم لإجراء الحد أو التعزير عليه، فإنه من الصيال المشروع الذي لا يسوغ لمن يقع عليه أن يقاومه ويدافع عنه.

كما لا يختلف الحكم، بمشروعية المقاومة، باختلاف حجم العدوان الذي يحصل للفرد من قليل أو كثير؛ وذلك لإطلاق الأدلة التي تسوّغ المقاومة تجاه العدوان على الإنسان في دمه أو ماله أو عرضه، كقوله (ع): (إن الله تبارك وتعالى ليمقت الرجل يدخل عليه في بيته فلا يقاتل)[1]، إلا أن يكون العدوان طفيفاً بحيث يستقبح العقلاء أن يعرّض الدافع نفسه أو نفس المدفوع للخطر بإزائه، وذلك لعدم شمول الإطلاق لمثله.

ولا يختلف حال العدوان أن يكون المعتدى رجلاً أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، حراً أو عبداً، وكل ذلك مشمول لإطلاقات الأدلة التي تجوّز للإنسان الدفاع تجاه العدوان.

كما لا يختلف الحال في العدوان أن يكون بالإيجاب؛ كالسرقة والضرب والفتك، أو العدوان على العرض (العدوان الجنسي)، أو يكون العدوان بالسلب، كما لو منع من الطعام والشراب أو الحرية، فله أن يكسر باب السجن ليخرج منه، وإن لم يتمكن يقاوم السجّان لاستخلاص نفسه من السجن إذا أمكنه، لو كان السجن عملاً عدوانياً بالنسبة إليه، فإن كل ذلك من مصاديق العدوان التي تشملها مطلقات الدفاع والمقاومة؛ كما سترى إن شاء الله.

ولابد في العدوان أن يكون حالاً أو ماثلاً (جاهزاً للتنفيذ)، فلو لم يكن هذا ولا ذاك، فلا يجوز المقاومة والدفاع؛ لأنّ الغاية من تشريع الدفاع والمقاومة دفع العدوان، فلا تجوز المقاومة إِلّا بحلول العدوان. وأما في العدوان الآجل، فلا يجوز البدار بالمقاومة والدفاع لانتفاء الموضوع، إلا إذا كان ذلك بحكم الحاكم، درءاً للخطر عن المسلمين.

وفي حكم العدوان الحالّ، العدوان الماثل (الجاهز) للتنفيذ؛ كمن يريد أن يخرج سيفه من القِراب استعداداً للضرب، أو يحشو سلاحه بالعتاد، أو يسحب الأقسام استعداداً للرمي، فإنه لابد من المبادرة بضربه؛ لأنَّ العدوان الماثل بحكم العدوان الحالّ في نظر العرف والعقلاء؛ بخلاف العدوان الآجل، ولابد له من المبادرة بضربه؛ لأنّ الدفاع عن نفسه يتوقف على المبادرة بضربه ورميه عند ذلك.

ومن شروط (العدوان) أن يكون أمراً محققاً معلوماً عند الدافع، وإلَا لو كان أمراً وهمياً، لا يجوز له أن يبادره بالرمي والضرب والدفاع، وبحكم العلم أن يقوى على ظنه قصد السوء والعدوان من الطرف الآخر، إذا كان الظن بالغاً مبلغاً يلحقه العرف والعقلاء بالعلم بالعدوان، ويرتبون عليه آثار العلم، عندئذ يسوغ له الدفاع عن نفسه بالمبادرة برميه وضربه، فإذا ثبت بعد ذلك خلافه، وعرف أنه قد أخطأ في ظنه، يثبت عليه الضمان والدية من ناحية الحكم الوضعي وإن كان يسوغ له الدفاع في حينه عن نفسه من الناحية التكليفية بمقتضى عمله.

ثم لا شك أن الموضوع للحكم الوضعي وهو (انتفاء الضمان والديّة) هو واقع العدوان، فلو تيقن بالعدوان، فبادره بالضرب والرمي، وتبين له بعد ذلك انتفاء قصد العدوان من الطرف المقابل، وجب عليه الضمان ودية الخطأ كما قلنا.

كما أن الأمر بالعكس أيضاً؛ فلو كان جاهلاً بنية الطرف الآخر للعدوان، فرماه وضربه متجرئاً، ثم تبين له أن الطرف الآخر كان ماثلاً في حينه للعدوان عليه، لم يثبت عليه ضمان ولا دية وإن كان متجرئاً في فعله على الله تعالى، وذلك لأنَّ موضوع انتفاء الضمان والدية هو واقع العدوان، وإن كان العلم به هو الطريق إلى الموضوع لا محالة.


[1].  الفيض الكاشاني، كتاب الوافي، الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع، ج15، ص188، ح6.

المصدر
كتاب فصول المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى