مواضيع

فقه المعايشة للظالم

هذا الذي ذكرناه، من تعاليم هذا الدين، وواضحات معارفه وأحكامه، وقد خرج أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص برأي آخر في هذا المجال. وهو الإذعان للظالم وقبول ولايته وسلطانه، مادام يحكم بالسيف والقوّة، وتحريم الخروج عليه، وقد أعجب هذا الرأي حكام بني أمية وتبنّوه، كما تبناه على امتداد التاريخ السلاطين الذين كانوا يستريحون إلى هذا الرأي؛ للقضاء على انتفاضات المعترضين وثوراتهم.

وبناءً على هذا الرأي؛ تجب مطاوعة الحكام الظلمة والانقياد لهم ومتابعتهم، مهما بلغ ظلمهم وإفسادهم في الأرض، ومهما كان عبثهم بالإسلام وانتهاكهم لحدود الله وحرماته، ومهما كان إسرافهم وتبذيرهم في بيت المال؛ حتّى إن أعلنوا الشرب والسكر وسائر المنكرات إعلاناً، وقتلوا النفوس البريئة، وقتلوا الصالحين، وما لم يظهروا كفراً بواحاً، وما لم يأمروا بالمعصية، يجب طاعتهم والانقياد لهم، ويحرم الخروج عليهم.

 ومن هؤلاء يزيد بن معاوية، والحجاج بن يوسف، ووليد بن يزيد؛ الذي كان يكرع الخمر كرعاً. وبناءً على هذه الفتوى؛ يحرم الخروج على يزيد بن معاوية، وتحرم مخالفته في غير معصية الله… الخ.

هذا هو الرأي الآخر، وقد ظهر وبرز هذا الرأي في العصر الأموي، وامتد إلى العصر العباسي، ونظّر لهذا الرأي علماء وفقهاء معروفون من أهل السنّة والجماعة، ودعوا إليه، وادّعوا أن خلافه بدعة في الإسلام، وامتد وتعمّق هذا الرأي حتّى كاد أن يكون هو الرأي الفقهي الرسمي في العصر الأموي والعصر العباسي.

ونحن نذكر نماذج من كلمات هؤلاء الفقهاء والمحدّثين في وجوب طاعة هؤلاء الحكام، ما لم يعلنوا الكفر البواح، وما لم يأمروا بالمعصية، وتحريم الخروج عليهم، واعتبار الخروج عليهم من البدعة التي حرمها الله.

1. آراء فقهاء ومحدثي أهل السنة

رأي عبد الله بن عمر

روى مسلم عن زيد بن محمد عن نافع، قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، حين كان من أمر (الحرّة) ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال (عبد الله بن مطيع): اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إنّي لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثاً. سمعت رسول الله (ص) يقول: (مَن خلع يداً من طاعة لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة لا حجة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[1].

رأي عبد الله بن عمرو بن العاص

وإلى هذا الرأي يذهب عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان يعرف به، ويدعو إليه[2].

ولست أعلم إن كانت هذه الرواية لهما، أو مما وُضع على لسانهما، وإنما أعلم أن هذه الرواية لا يمكن أن تكون من حديث رسول الله (ص).

رأي الحسن البصري

ويُعرف هذا الرأي عن الحسن البصري أيضا، ونُقل عنه في الأمراء: (هم يلون من أمورنا خمسا: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. والله ما يستقيم الدين إلاّ بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح بهم أكثر مما يفسدون)[3].

رأي سفيان الثوري

وكان سفيان الثوري يصر على هذا الرأي، ويراه من أعمدة الإيمان. يقول لشعيب أحد تلامذته: (يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتّى ترى الصلاة خلف كل برّ وفاجر، والجهاد إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل)[4].

رأي علي بن المديني

يقول: (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً إِلَّا وَعَلَيْهِ إِمَامٌ؛ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، فَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْغَزْوُ مَعَ الْأُمَرَاءِ مَاضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، لَا يُتْرَكُ. وَقِسْمَةُ الْفَيْءِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ لِلْأَئِمَّةِ مَاضِيَةٌ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُنَازِعَهُمْ، وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ قَدْ بَرِئَ مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا.

وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مَنْ وَلَّاهُ جَائِزَةٌ قَائِمَةٌ رَكْعَتَانِ، مَنْ أَعَادَهَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ تَارِكٌ لِلْإِيمَانِ مُخَالِفٌ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَرَ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ لَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ بِرِضًا كَانَتْ أَوْ بِغَلَبَةٍ، فَهُوَ شَاقٌّ هَذَا الْخَارِجُ عَلَيْهِ الْعَصَا، وَخَالَفَ الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَلَيْهِ، مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ. وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلَا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ عَمِلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ)[5].

رأي اللالكائي والبخاري

وعقد الشيخ اللالكائي فصلاً في كتابه (السنّة)[6] ذكر فيه جملة من عقائد أهل السنّة (ومنها اعتقادهم وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور أبراراً كانوا أم فجّاراً)[7]، ثم ذكر اللالكائي قول البخاري قال: (لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم، أهل الحجاز من مكّة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات وأدركتهم، وهم متوافدون منذ أكثر من ست وأربعين سنة كلّهم يعتقدون هذه العقيدة)[8].

رأي النووي في شرحه على (صحيح مسلم)

يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم:

(وأمّا الخروج عليهم ـ يعني الخلفاء ـ وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وأجمع أهل السنّة أنّه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل فغلط من قائله مخالف للإجماع)[9].

رأي ابن حجر في شرحه على (صحيح البخاري)

ينقل ابن حجر في (فتح الباري) في شرح صحيح البخاري عن ابن بطال:

(وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّبِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ… وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ!!)[10].

رأي أبي بكر الإسماعيلي

يقول الشيخ أبو بكر الإسماعيلي المتوفى سنة 371 هـ في كتابه (اعتقاد أهل الحديث): (ويرون الصلاة والجمعة وغيرها خلف كل إمام مسلم برّاً كان أو فاجراً، فإنَّ الله عزّ وجلّ فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً، مع علمه تعالى بأنَّ القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتاً دون وقت ويرون جهاد الكفار معهم، وإن كانوا جورَة)[11].

رأي الطحاوي وشرّاح العقيدة الطحاوية

يقول الشيخ الطحاوي في عقيدته: (ولا نرى الخروج على أئمّتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزّوجلّ فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة)[12].

ويقول صالح آل الشيخ في شرحه لهذه العبارة:

(قال الطحاوي رحمه الله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا)

هذه الجملة يذكر فيها العقيدة التي أجمع عليها أئمة السلف الصالح، ودونوها في عقائدهم، وجعلوا مَن خالفها مخالفا للسنة وللجماعة بأنا (لا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا)؛ يعني الخروج بالسيف بالبغي عليهم أو بتشتيت الاجتماع وتفريق الكلمة، أو باعتقاد الخروج، أو باعتقاد جوازه أو ذهاب مذهب من أجازه – كما سيأتي –

فقوله: (ولا نرى الخروج)، (ولا نرى) يعني: أهل السنة والجماعة المتّبعين للأثر ولهدي السلف ولما كان عليه الصحابة ولما دلت عليه الأدلة، هؤلاء لا يرون الخروج على الأئمة وولاة الأمر حتى ولو كان عندهم جور وطغيان وظلم، فإنه يجب أن يطاعوا؛ لأن طاعتهم فريضة)[13].

ثم يقول:

(الخروج على ولاة الأمور وعلى من انعقدت له بيعة هو مذهب طوائف من المنتسبين إلى القبلة، منهم الخوارج والمعتزلة، وبعض شواذ قليلين من التابعين وتبع التابعين، وبعض الفقهاء المتأخرين ممن تأثروا بمذهب المعتزلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والذي عليه الصحابة جميعا وعامة التابعين، وهكذا أئمة الإسلام من أن الخروج على ولي الأمر محرّم وكبيرة من الكبائر، ومن خرج على ولي الأمر فليس من الله في شيء.

والأدلة على هذا الأصل من الكتاب والسنة متعددة، احتج بها الأئمة، ورأوا أن من خالفها ممن تأول من السلف أنهم خالفوا فيه الدليل الواضح البيّن المتواتر تواترا معنويا… فإذًا؛ أهل السنة والجماعة لما رأوا ما أحدثته اجتهادات بعض الناس ممن اتُّبعوا، فخرجوا على ولاة الأمر من بني أمية، أو خرجوا على ولي الأمر، على بعض ولاة الأمر من بني العباس، أو قبل ذلك ممن خرجوا على علي رضي الله عنه؛ بل قبل ذلك على عثمان وإن لم يكونوا من المنتسبين للسنة في الجملة، ذكروا هذا في عقائدهم ودونوه، وجعلوا أن الخروج بدعة لمخالفته للأدلة.

وتلخيص ذلك أن اجتهاد من اجتهد في مسألة الخروج على ولي الأمر المسلم كان اجتهادا في مقابلة الأدلة الكثيرة المتواترة تواترا معنويا من أن ولي الأمر والأمير تجب طاعته وتحرم مخالفته إلا إذا أمر بمعصية، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الخالق.

ومن أهل العلم قال توسعا في اللفظ (الخروج على الولاة كان مذهبا لبعض السلف قديم، ثم لما رؤي أنه ما أتى للأمة إلا بالشر والفساد، فأجمعت أئمة الإسلام على تحريمه وعلى الأنكار على من فعله)، كما قال الحافظ اين حجر.

وهذا فيه توسّع؛ لأنه لا يقال في مثل هذا الأمر أنه مذهب لبعض السلف، وإنما يقال إن بعض السلف اجتهدوا فيهذه المسائل من التابعين، كما أنه يوجد من التابعين من ذهب إلى القَدَر والقول المنافي للسنة في القَدَر، ومن ذهب إلى الإرجاء، ومن ذهب إلى إثبات أشياء لم تثبت في النصوص، فكذلك في مسألة طاعة ولاة الأمور، فربما وُجد منهم الشيء الذي الدليل بخلافه، والعبرة بما دلت عليه الأدلة لا باجتهاد من اجتهد وأخطأ في ذلك)[14].

يقول عبد العزيز الراجحي إمام جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في شرحه على العقيدة الطحاوية في الفقرة المتقدمة من كتاب العقيدة للطحاوي:

(فمثلا يترتب على الخروج على ولاة الأمور مفاسد، من هذه المفاسد أنه تحصل الفوضى والفرقة والاختلاف والتناحر والتطاعن والتطاحن، وإراقة الدماء وانقسام الناس واختلاف قلوبهم وفشل المسلمين، وذهاب ريح الدولة، ويتربص بهم الأعداء الدوائر، ويتدخل الأعداء، وتحصل الفوضى واختلال الأمن، وإراقة الدماء، واختلال الحياة جميعا واختلال المعيشة، اختلال الحياة السياسية، اختلال الحياة الاقتصادية، اختلال الحياة التجارية، اختلال التعليم، اختلال، الأمن تحصل الفوضى، وتأتي فتن تأتي على الأخضر واليابس، أمور عظيمة، هذه مفسدة عظيمة، أي هذه المفسدة، هي كون ولي الأمر فعل مفسدة، ظلم بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو ما وزع بعض المال، أو حصل منه فسق هذه مفسدة صغيرة نتحملها، يتحملها المسلم في أي مكان، وفي أي زمان، لكن الخروج عليه هذه مفاسد يترتب عليها فتن تأتي على الأخضر واليابس، فتن ما تنتهي.

فالقاعدة قواعد الشريعة أتت بدرء المفاسد وجلب المصالح، وأتت بدرء المفاسد الكبرى وارتكاب المفاسد الصغرى، فكون الولي ولي الأمر حصل منه جور، أو ظلم، أو فسق، هذه مفسدة صغرى لكن الخروج عليه يترتب على هذا مفاسد لا أول لها ولا آخر. واضح هذا. وكذلك ـ أيضا ـ من الحكم أن ولاة الأمور إذا حصل منهم جور، فهذا نصبر عليهم، والصبر عليهم، فيه حقن لدماء المسلمين، ثم ـ أيضا ـ فيه تكفير للسيئات؛ لأن تسليط ولاة الأمور على الناس بسبب ظلم الناس، وبسبب فساد أعمالهم، وكما تكونوا يولى عليكم، فإذا أراد الناس أن يدفع عنهم فساد ولاة الأمور، وأن يصلح الله لهم ولاة الأمور، فليصلحوا أحوالهم.

ارجع إلى نفسك، أصلح نفسك، تب إلى ربك، ولاة الأمور ما سُلطوا عليك إلا بسبب معاصيك، كما قال ـ سبحانه وتعالى، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد بالاستغفار والتوبة، وإصلاح العمل كما قال الله تعالى <وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ>[15]، وجور الولاة وظلم الولاة بسبب كسب الرعية، فإذا أراد الرعية أن يصلح الله لهم ولاة الأمور، فليصلحوا أحوالهم؛ وليتوبوا إلى ربهم[16]

وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله، أنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني، جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني، جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، لكن توبوا أعطفهم عليكم.

فهذا المعنى صحيح، وإن كان إسرائيلي[17]، وبعض الأئمة يقولون: له أصل، هذا الأثر. وعلى كل حال، فالخلاصة من هذا: أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور، مهما فعلوا من المعاصي والمنكرات، لكن النصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد، من قبل العلماء، هؤلاء ينصحون ولاة الأمور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم)[18]، لكن هذه المعصية، وهذا الجور لا يوجب الخروج بحال على الأئمة؛ لأن الخروج عليهم؛ لأنه من فعل أهل البدع، من عقيدة أهل البدع، من الروافض والخوارج والمعتزلة، فلا يجوز للمسلم أن يوافق الخوارج في معتقدهم، ولا أن يشابههم في أفعالهم)[19].

رأي محمد بن عبد الوهاب

ويقول محمد بن عبد الوهاب: (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله)[20].

رأي الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف

في رسالة للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف قال: (وبهذه الأحاديث وأمثالها عمل أصحاب رسول الله2 وعرفوا أنَّه من الأصول التي لا يقوم الإسلام إلاّ بها، وشاهدوا من يزيد بن معاوية والحجاج ومن بعدهم ـ خلا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ـ أموراً ظاهرة ليست خفيّة، ونهوا عن الخروج عليهم والطعن فيهم ورأوا أن الخارج عليهم خارج عن دعوة المسلمين إلى طريقة الخوارج)[21].

ثم قال: (ويقول جمع من مشايخ وعلماء آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وآخرون في رسالة خاصة لهم بهذا الأمر: «إذا فهم ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم منازعته، فإن قصّر عن القيام ببعض الواجب، فليس لأحد من الرعية أن ينازعه الأمر من أجل ذلك، إلاّ أن تروا كفراً بواحاً».

وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف: «وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر حتّى قال: (اسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك)، فنحرّم معصيته والاعتراض عليه».

وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: «أولوا الأمر هم العلماء والأمراء، أمراء المسلمين وعلماؤهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله، لأنّ بهذا تستقيم الأحوال ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر وينصف المظلوم، ويردع الظالم، أمّا إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف».

 ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز: «لا يجوز الخروج على الأئمة وإن عصوا، بل يجب السمع والطاعة بالمعروف، ولكن لا نطيعهم في المعصية، ولا ننزعَنَّ يداً عن طاعة».

ثمَّ ساق عدداً من الأحاديث الدالة على ذلك، ثمَّ قال: فالمقصود أنَّ الواجب السمع والطاعة في المعروف لولاة الأمور من الأمراء والعلماء فبهذا تصلح الأحوال، ويأمن الناس، وينصف المظلوم، ويردع الظالم وتأمن السبل ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور، وشق العصا، إلاّ إذا وجد منهم كفر بواح عند الخارجين فيه برهان من الله وهم قادرون على ذلك على وجه لا يترتب عليه ما هو أنكر وأكثر فساداً»)[22].

2. الأدلة التي يتمسك بها أصحاب هذا الرأي ومناقشتها

أ. التمسك بإطلاق الكتاب

يقول أبو بكر الإسماعيلي (371 هـ) في كتابه (اعتقاد أهل الحديث): (فإن الله عزّوجلّ فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً، مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتاً دون وقت، ولا أمراً بالنداء للجمعة دون أمر)[23].

وخلاصة الاستدلال أن الأمر بالطاعة لأولياء الأمور مطلق، كالأمر بالسعي إلى الجمعة، فتجب الطاعة إلا في الأمر بمعصية الله، ويحرم الخروج على الإمام إلا عندما يعلن الإمام الكفر بُواحاً.

ويقول محمد بن عبد الله بن سبيّل إمام المسجد الحرام: (فقد دلّت هذه الآية الكريمة: <أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ> بصريح المنطوق على وجوب طاعة أولي الأمر، ووجوب طاعتهم يستلزم النهي عن عصيانهم)[24].

مناقشة إطلاق الكتاب

والتمسك بإطلاق الآية الكريمة من أغرب ما نعرف من الاحتجاج بالكتاب العزيز، وفيما يلي توضيح لهذه النقطة.

أولاً: إنَّ الله تعالى لم يجعل للفاسق ولاية ولا إمامة على المسلمين، يقول تعالى: <وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ>[25]، ويقول تعالى: <وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ>[26].

وإذا كان الركون إلى الظالم حراماً، فكيف يكون للظالم ولاية وإمامة على المسلمين. فالآية الكريمة (59 من سورة النساء) تأمر بطاعة أولي الأمر، والظالم لا ولاية ولا إمامة له على المسلمين بصريح آية البقرة: 124، وآية هود: 113 المتقدمتين، وهذا مخصص منفصل لإطلاق آية الطاعة إن كان في الآية إطلاق، فتكون آية هود: 113 مخصصة لآية النساء: 59، وتختص الأخيرة بما إذا استقام الحاكم على حدود الله، فإذا انحرف فلا تكون له إمامة ولا ولاية على المسلمين.

وثانياً: إن الأمر بطاعة أولي الأمر لا يُشخّص من هم أولو الأمر، ولابد في تشخيص أولي الأمر من الرجوع إلى أدلته الخاصة بتعريف أولي الأمر.

ولَنِعم ما يقول علماء الأصول في ردّ مثل هذه الاستدلالات غير العلمية: (إنَّ الحكم لا يثبت موضوعه)[27]، وهنا الأمر بطاعة أولي الأمر لا يثبت أنّ المتسلط على الحكم بالبطش له ولاية وإمامة على المسلمين.

وثالثاً: التفريق بين المخالفة والخروج – كما ورد في كلمات مشايخ وعلماء الوهابيّة – فرضيّة غير واقعية، لا يمكن تطبيقها في الواقع الاجتماعي والسياسي.

فقد ورد في آرائهم: إن هؤلاء الحكام، إذا أمروا بالإثم والمعصية، وتمادوا في الغي والطيش، ولم يرتدعوا، لا تجوز طاعتهم في المعصية، لما روي عن رسول الله (ص) أنّه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)[28]، ولكن يحرم الخروج عليهم لما يروونه من الأحاديث، ولما يترتب على ذلك من الفساد وإراقة الدماء.

أقول: إن التفريق بين المخالفة والخروج، والقول بوجوب المخالفة في المعاصي، وحرمة الخروج علاج غير واقعي… فإن هؤلاء الحكام، إذا أمِنوا خروج الناس، وأحسّوا بالأمن من هذه الناحية، وعرفوا أن الناس يتحرجون من الخروج عليهم، أجبروا الناس على طاعتهم في المعاصي، كما حصل ذلك فعلا في بلاد المسلمين في العصور المتأخرة؛ حيث أجبر الحكام الناس على طاعتهم في معصية الله، بعد أن أحكموا قبضتهم في الحكم، وأمنوا خروج الناس عليهم. وقد حصل ذلك بالفعل، واضطر الناس لمطاوعتهم في الحرام، رغماً عليهم، بسبب مزاولة الحكام للعنف والإرهاب… وهذه حقيقة واقعية في كثير من أقطار العالم الإسلامي، ولا مخرج من هذه المعاصي والمنكرات التي يزاولها هؤلاء الحكام إلا بالخروج عليهم وتهديد أمنهم وعرشهم وسلطانهم.

وكما تجب مخالفة الحاكم الظالم في معصية الله، كذلك تحرم طاعته فيما يأمر في غير معصية الله؛ لأنَّ الدخول في حوزة طاعته من الركون إليه، وقد نهانا الله تعالى عن الركون إلى الظالمين.

ومن العجب أن يقول ابن تيمية في (منهاج السنّة): (الكافر والفاسق إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعته ـ ولا يسقط وجوبها ـ لأمر ذلك الفاسق بها، كما أنّه إذا تكلم بحقّ لم يجز تكذيبه، ولا يسقط وجوب إتباع الحقّ لكونه قد قاله الفاسق)[29].

وهو كلام غريب! فإنَّ اتباع الحقّ يختلف عن اتباع الفاسق في الحقّ، وبينهما فرق، ونحن نتّبع الحقّ، ولكن لا نتّبع الفاسق في الحقّ؛ لأنَّ الله تعالى نهانا عن الركون إليه، واتباع الفاسق وطاعته من الركون إليه، ولأن الله أمرنا أن نكفر بالطاغوت ونرفضه، والحاكم الظالم هو مصداق الطاغوت، ولسنا نشك في ذلك، كما لا نشك أنَّ الكفر به بمعنى رفض طاعته. ويريد ابن تيمية أن يساوي بين طاعة الله وطاعة الطاغوت إذا أمر بما يأمر به الله، وبينهما فرق واضح، كما أن رفض طاعة الطاغوت إذا أمر بما يأمر به الله ليس بمعنى معصية الله.

وهذه كلّها (معادلات) و(لا معادلات) واضحة لا تحتاج إلى أكثر من هذا التوضيح.

والخلاصة

أنّ الله تعالى يريد أن لا يكون للطاغوت سلطان ولا سبيل على المؤمنين، وإن حاول الطاغوت أن يجعل هذا السبيل على المؤمنين من خلال القضاء، ودعوة الناس إلى التحاكم إليه، أو من خلال دعوة الناس إلى إقامة الجمعة في حوزة سلطانه، يقول تعالى: <أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً>[30].

وما أروع الوعي الذي نجده في رواية عمر بن حنظلة المعروفة عند الفقهاء بـ (المقبولة): (مَنْ‌ تَحَاكَمَ‌ إِلَيْهِمْ‌ فِي حَقٍّ‌ أَوْ بَاطِلٍ‌ فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ‌ إِلَى الطَّاغُوتِ،‌ وَمَا يُحْكَمُ‌ لَهُ‌ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ‌ كَانَ‌ حَقّاً ثَابِتا لَهُ‌؛ لِأَنَّهُ‌ أَخَذَهُ‌ بِحُكْمِ‌ الطَّاغُوتِ‌ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ‌ أَنْ‌ يُكْفَرَ بِهِ‌، قَالَ‌ اللَّهُ‌ تَعَالَى: <يُرِيدُونَ‌ أَنْ‌ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ‌ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ‌ يَكْفُرُوا بِه>)[31].

فإنَّ الله تعالى أمرنا أن نكفر بالطاغوت وأن نرفضه، حتّى لو حكم بالحق، فإنَّ قبول حكم الطاغوت حتّى في الحقّ، يُدخِل المؤمنين في حوزة سلطان الطاغوت، ويُحكم قبضته عليهم، ويجعل له سبيلاً عليهم… وهذا كلّه مما نهانا الله تعالى عنه، وأمرنا برفضه.

والله تعالى نهانا عن طاعة المسرفين، والمفسدين، والغافلين، وأصحاب الأهواء، والآثمين على الإطلاق في المعصية والطاعة.

يقول تعالى: <وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ 151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأْرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ>[32].

ويقول تعالى: <وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً>[33].

ويقول تعالى: <فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أوْ كَفُوراً>[34].

وليس من الصحيح أن نقول: إنَّ الله تعالى أمرنا بمقاطعة الظالمين والمسرفين في الظلم والإسراف فقط، فإنَّ النهي عن طاعتهم نهي مطلق، ولا دليل على تقييد هذا الإطلاق بخصوص الإسراف والظلم. فلابدّ من مقاطعتهم في الصلاح والفساد معاً، إذا كانوا ظالمين مفسدين مسرفين.

وليس من عجب أن يأمرنا الله تعالى بمقاطعة الظالمين والمفسدين والمجرمين، حتّى في غير الإفساد والظلم، فإنَّ طاعتهم في ذلك يؤدّي إلى إحكام قبضتهم على المؤمنين واستحكام مواقعهم ودولتهم وسلطانهم، وهذا ما يبغضه الله ولا يرضى به.

ب. التمسك بنصوص الروايات

ويستعرض هؤلاء طائفة من الروايات على ما يذهبون إليه من وجوب الرضوخ والطاعة للحكّام الظلمة والمتسلطين على الحكم بالظلم والإرهاب. وقد جمع صاحب دراسات في ولاية الفقيه[35] طائفة من هذه الروايات في كتابه، نستعرض بعضها فيما يلي من مصادرها:

روى مسلم في صحيحه بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال: (قلت: يا رسول الله إنّا كنّا بِشرّ، فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشرّ خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شرّ؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع)[36].

وروى فيه أيضاً بسنده، إنّ سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول الله (ص)، فقال: (يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقّهم، ويمنعونا حقّنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثمَّ سأله فأعرض عنه، ثمَّ سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: اسمعوا وأطيعوا، فإنّما عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حُمّلتم)[37].

وفي رواية أخرى: (فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله (ص): اسمعوا وأطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم)[38].

وفيه أيضاً عن عبادة بن الصامت، قال: (دعانا رسول الله (ص) فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)[39]. قال النووي في شرحه: (في معظم النسخ بواحاً بالواو، وفي بعضها براحاً، والباء مفتوحة فيهما، ومعناهما كفراً ظاهراً)[40].

وفيه أيضاً عن عوف بن مالك، عن رسول الله (ص) قال: (خيار أئمتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم، ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنـزعوا يداً من طاعة)[41].

وفيه أيضاً عن أمّ سلمة أن رسول الله (ص)، قال: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون. فمَن عرف بَرِئ،

ومَن أنكر سَلِمَ، ولكن مَن رضي وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا؛ ما صلّوا)[42].

قيل: إن المراد بقوله (فمن عرف برِئ) أنَّ من عرف المنكر فله طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته، بأن يغيّره بيده أو بلسانه أو بقلبه. وفي رواية أخرى: (فمَن كره فقد برِئ)[43]. وعليه فالمعنى واضح.

وفيه أيضاً عن ابن عبّاس، عن رسول الله (ص)، قال: (مَن كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنّه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية)[44].

وفيه أيضاً عن نافع، قال: (جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحَرَّة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إنّي لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثاً سمعت رسول الله يقوله. سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) [45].

وفي كتاب الخراج لأبي يوسف القاضي، عن الحسن البصري، قال رسول الله (ص): (لا تسبّوا الولاة، فإنّهم إن أحسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وإنّما هم نقمة ينتقم الله بهم ممن يشاء، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة والغضب، واستقبلوها بالاستكانة والتضرّع)[46].

وفي سنن أبي داود، عن أبي هريرة، قال رسول الله (ص): (الجهاد واجب عليكم مع كلّ أمير برّاً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر)[47].

مناقشة الروايات
الروايات المعارضة

هذه الروايات معارَضة بطائفتين من الروايات أقوى منها دلالة، وأكثر وأصحّ منها رواية، وهما الروايات الآمرة بالأمر بالمعروف والناهية عن المنكر، والآمرة بإزالة المنكر ومقارعته باليد أولاّ، والروايات الناهية عن إعانة الحكام الظلمة ثانياً.

وهما تعارضان الروايات المتقدمة بالصراحة، وإليك هاتين الطائفتين من الروايات:

الطائفة الأولى: وجوب الأمر بالمعروف وإزالة المنكر باليد

وهي طائفة واسعة من الروايات صريحة في أنَّ المرتبة الأولى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي التغيير باليد، والمرتبة الثانية باللسان، والمرتبة الثالثة الإنكار بالقلب، وهو أضعف مراتب الإيمان. والمقصود بـ (التغيير باليد) هو إزالة المنكر باستخدام القوة.

روى الترمذي عن طارق بن شهاب قال: (أوّل مَن قدّم الخطبة قبل الصلاة مروان، فقام رجل فقال لمروان: خالفت السنّة، فقال: يا فلان اترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أمّا هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن رأى منكراً فلينكر بيده، ومَن لم يستطع فبلسانه، ومَن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح[48].

ونجد في هذا الحديث (العد التصاعدي) للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أضعفها الإنكار بالقلب، وأقواها الإنكار وإزالة الظلم باليد، في مقابل الروايات التي تذكر (العد التنازلي) للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (القاعد فيها خير من القائم)، حتّى تصل النوبة إلى المضطجع، وهي أقوى مراتب الإيمان كما يقول هؤلاء، حتّى تستقيم للظالمين أمورهم، وتطمئن قلوبهم، وتنتظم لهم البلاد والناس!!

وروى الترمذي في السنن عن أبي سعيد الخُدري أن النبي (ص) قال: (إنَّ من أعظم الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائر)[49].

وعن النّعمان بن بشير قال: (خرج علينا رسول الله (ص)، ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء، فرفع بصره إلى السماء، ثمَّ خفض حتّى ظننا أنّه حدث في السماء أمر، فقال: ألا إنّها ستكون بعدي أُمراء يظلمون ويكذبون، فمَن صدقهم بكذبهم ومالَأَهم على ظلمهم فليس منّي، ولا أنا منهم، ومَن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يُمالئهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه)[50].

وفي صحيح مسلم بسنده، عن رسول الله (ص): (مَن رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[51].

وفيه أيضاً بسنده، عن جابر بن عبد الله، يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: (لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون عن الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة)[52].

وفيه أيضاً بسنده، عن جابر بن سمرة عن النبي (ص) أنّه قال: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم الساعة)[53].

وفي سنن أبي داود بسنده، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (ص): (إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ)، ثُمَّ قَالَ: <لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ> إِلَى قَوْلِهِ: <فَاسِقُونَ> [المائدة: 81]، ثُمَّ قَالَ: (كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا)[54].

وروى أبو داود بسنده عن قيس، قال: قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: <عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ> [المائدة: 105])، قَالَ: عَنْ خَالِدٍ، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ). وَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ هُشَيْمٍ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ)[55].

وفيه أيضاً بسنده، عن جرير، قال: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ، فَلَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا)[56].

وفي سنن ابن ماجه، عن رسول الله (ص)، قال: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا)[57].

وفي (الدرّ المنثور)، عن رسول الله (ص): (إنَّ رحى الإسلام ستدور؛ فحيث ما دار القرآن فدورا به، يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرّقا. إنّه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم.

قالوا: يا رسول الله، فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونوا كأصحاب عيسى (ع): نُشروا بالمناشير، ورفعوا على الخشب. موت في طاعة خير من حياة في معصية)[58].

وفي (نهج السعادة) مستدرك نهج البلاغة: قال أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) محزوناً يتنفّس فقال: (كيف أنتم وزمان قد أظلكم؟ تعطّل فيه الحدود، ويتّخذ المال فيه دولاً، ويعادى فيه أولياء الله، ويوالى فيه أعداء الله؟ قلنا: يا أمير المؤمنين، فإن أدركنا ذلك الزمان، فكيف نصنع؟ قال: كونوا كأصحاب عيسى (ع): نشروا بالمناشير، وصُلّبوا على الخشب. موت في طاعة الله ـ عزّوجلَّ ـ خير من حياة في معصية الله)[59].

عَنْ‌ جَابِرٍ عَنْ‌ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ فِي حَدِيثٍ‌ قَالَ‌: (فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ‌، وَالْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ،‌ وَصُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ‌، وَلاَ تَخَافُوا فِي اللَّهِ‌ لَوْمَةَ‌ لاَئِمٍ‌، فَإِنِ‌ اتَّعَظُوا وَإِلَى الْحَقِّ‌ رَجَعُوا فَلاَ سَبِيلَ‌ عَلَيْهِمْ‌، إِنَّمَا السَّبِيلُ‌ عَلَى الَّذِينَ‌ يَظْلِمُونَ‌ النّٰاسَ‌ وَيَبْغُونَ‌ فِي الْأَرْضِ‌ بِغَيْرِ الْحَقِّ‌ أُولٰئِكَ‌ لَهُمْ‌ عَذٰابٌ‌ أَلِيمٌ‌، هُنَالِكَ‌ فَجَاهِدُوهُمْ‌ بِأَبْدَانِكُمْ،‌ وَأَبْغِضُوهُمْ‌ بِقُلُوبِكُمْ‌، غَيْرَ طَالِبِينَ‌ سُلْطَاناً، وَلاَ بَاغِينَ‌ مَالاً، وَلاَ مُرِيدِينَ‌ بِالظُّلْمِ‌ ظَفَراً، حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ‌، وَيَمْضُوا عَلَى طَاعَتِهِ‌)[60].

والحديث واضح في أنَّ الله تعالى قد جعل للمؤمنين سبيلاً على الظالمين، حتّى يفيئوا إلى الحقّ، والسبيل هو السلطان والقوّة، ومعنى ذلك أنَّ الله قد أذن لهم بمواجهتهم بالقوّة ـ بعد النصح ـ حتّى يكفوا عن الظلم، ويفيئوا إلى الحقّ.

ويروي الشريف الرضي في (نهج البلاغة) عن الإمام علي (ع): (فَمِنْهُمُ‌ الْمُنْكِرُ لِلْمُنْكَرِ بِيَدِهِ‌ وَلِسَانِهِ‌ وَقَلْبِهِ‌، فَذَلِكَ‌ الْمُسْتَكْمِلُ‌ لِخِصَالِ‌ الْخَيْرِ، وَمِنْهُمُ‌ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ‌ وَقَلْبِهِ‌ وَالتَّارِكُ‌ بِيَدِهِ‌، فَذَلِكَ‌ مُتَمَسِّكٌ‌ بِخَصْلَتَيْنِ‌ مِنْ‌ خِصَالِ‌ الْخَيْرِ وَمُضَيِّعٌ‌ خَصْلَةً‌، وَمِنْهُمُ‌ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ‌ وَالتَّارِكُ‌ بِيَدِهِ‌ وَلِسَانِهِ‌، فَذَلِكَ‌ الَّذِي ضَيَّعَ‌ أَشْرَفَ‌ الْخَصْلَتَيْنِ‌ مِنَ‌ الثَّلاَثِ‌ وَتَمَسَّكَ‌ بِوَاحِدَةٍ‌، وَمِنْهُمْ‌ تَارِكٌ‌ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ‌ وَقَلْبِهِ‌ وَيَدِهِ‌، فَذَلِكَ‌ مَيِّتُ‌ الْأَحْيَاءِ‌، وَمَا أَعْمَالُ‌ الْبِرِّ كُلُّهَا وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ‌ اللَّهِ‌ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ‌ وَالنَّهْيِ‌ عَنْ‌ الْمُنْكَرِ إِلاَّ كَنَفْثَةٍ‌ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ‌، وَإِنَّ‌ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ‌ وَالنَّهْيَ‌ عَنِ‌ الْمُنْكَرِ لاَ يُقَرِّبَانِ‌ مِنْ‌ أَجَلٍ‌ وَلاَ يَنْقُصَانِ‌ مِنْ‌ رِزْقٍ‌، وَأَفْضَلُ‌ مِنْ‌ ذَلِكَ‌ كُلِّهِ‌ كَلِمَةُ‌ عَدْلٍ‌ عِنْدَ إِمَامٍ‌ جَائِر)[61].

وعن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (ع): قال رسول الله (ص): (مَنْ‌ رَأَى مِنْكُمْ‌ مُنْكَراً، فَلْيُنْكِرْ بِيَدِهِ‌ إِنِ‌ اسْتَطَاعَ‌، فَإِنْ‌ لَمْ‌ يَسْتَطِعْ‌ فَبِلِسَانِهِ،‌ فَإِنْ‌ لَمْ‌ يَسْتَطِعْ‌ فَبِقَلْبِهِ‌، فَحَسْبُهُ‌ أَنْ‌ يَعْلَمَ‌ اللَّهُ‌ مِنْ‌ قَلْبِهِ‌ أَنَّهُ‌ لِذَلِكَ‌ كَارِهٌ‌)[62].

المؤتمر الذي أقامه الحسين (ع) في منى:

لما بالغ بنو أمية في تجاوز حدود الله تعالى، وانتهاك حرماته، أقام الحسين (ع) مؤتمرا في (منى) في موسم الحج، حضره جمع غفير من الصحابة وأبناء الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فألقى فيهم السبط الشهيد (ع) كلاماً، ننقل هنا شطراً مما وصل إلينا من هذا الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال (ع): (اِعْتَبِرُوا أَيُّهَا النّاسُ بِما وَعَظَ اللهُ بِهِ أَوْلِياءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنائِهِ عَلَى الأَحْبارِ، إِذْ يَقُولُ: <لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإثْمَ>، وقال: <لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ> إلى قوله: <لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ>، وإِنَّما عابَ اللهُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كانُوا يَرَوْنَ مِن َ الظَّلَمَةِ الَّذينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِم الْمُنْكَرَ وَالْفَسادَ، فَلا ينَهَونَهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَغْبَةً فِيما كانُوا يَنالُونَ مِنْهُمْ، وَرَهْبَةً مِمّا يَحْذَرُونَ، واللهُ يقولُ: <فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ>، وَقالَ: <وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ>، فَبَدَأَ اللهُ بِالأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ فَريضَةً مِنْهُ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّها إِذَا اُدِّيَتْ وَاُقيمَتْ اِسْتَقامَتْ الفَرائِضُ كُلُّها هَيِّنُها وَصَعْبُها؛ وَذلِكَ أّنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوف وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ دُعاءٌ إلى الإسْلامِ مَعَ رَدِّ الْمَظالِمِ وَمُخالَفَةِ الظّالِمِ، وقِسْمَةِ الْفَيء وَالْغَنائِمِ وَأَخْذِ الصَّدَقاتِ مِنْ مَواضِعِها، وَوَضْعِها في حَقِّها.

ثُمَّ أنْتُمْ أَيُّها الْعِصابَةُ عِصابَةٌ بِالْعِلْمِ مَشْهُورَةٌ، وَبالْخَيْرِ مَذْكُورَةٌ، وَبالنَّصيحَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَبِاللهِ في أَنْفُسِ النّاسِ مَهابَةٌ يَهابُكُمُ الشَّريفُ، وَيُكْرِمُكُمُ الضَّعيفُ، وَيُؤْثِرُكُمْ مَنْ لا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَلا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ، تَشْفَعُونَ فِي الْحَوائِجِ إِذا اِمْتَنَعَتْ مِنْ طُلاّبِها، وَتَمْشُونَ فِي الطَّريقِ بِهَيْبَةِ الْمُلُوكِ وَكَرامَةِ الأَكابِر.

أَلَيْسَ كُلُّ ذلِكَ إِنَّما نِلْتُمُوهُ بِما يُرْجى عِنْدَكُمْ مِنَ الْقيامِ بِحَقِّ اللهِ، وَإنْ كُنْتُمْ عَنْ أَكْثَرِ حَقِّهِ تَقْصُرُونَ، فَاسْتَخْفَفْتُمْ بِحَقِّ الأئِمَةِ، فَأَمّا حَقُّ الضُّعَفاء فَضَيَّعْتُمْ، وَأَمّا حَقُّكُمْ بِزَعْمِكُمْ فَطَلَبْتُمْ، فَلا مالَ بَذَلْتُمُوهُ، وَلا نَفْساً خاطَرْتُمْ بِها لِلَّذي خَلَقَها، وَلا عَشيرَةً عادَيْتُمُوها في ذاتِ اللهِ، أَنْتُمْ تَتَمَنَّونَ عَلَى اللهِ جَنَّتَهُ وَمُجاوَرَةَ رُسُلِهِ وَأَمانَهُ مِنْ عَذابِهِ.

لَقَدْ خَشيتُ عَلَيْكُمْ، أَيُّها الْمُتَمَنُّونَ عَلَى اللهِ، أَنْ تُحِلَّ بِكُمْ نِقْمَة مِنْ نَقِماتِهِ؛ لأَنَّكُمْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرامَةِ اللهِ مَنْزِلَةً فُضِّلْتُمْ بِها، وَمَنْ يُعْرَفْ بِاللهِ لا تُكْرِمُونَ، وَأَنْتُمْ بِاللهِ في عِبادِهِ تُكْرَمُونَ، وَقَدْ تَرَوْنَ عُهَودَ اللهِ مَنْقُوضَةً فَلَا تَفْزَعُون‏، وَأَنْتُمْ لِبَعْضِ ذِمَمِ آبائِكُم تَفْزَعُون، وَذِمَّةُ رَسُولِ اللهِ مَحْقُورَةٌ، وَالْعُمْي‏ وَالْبُكْمُ وَالزَّمْنَى‏ فِي الْمَدايِنِ مُهْمَلَةٌ لا يُرْحَمُونَ، وَلا في مَنْزِلَتِكُمْ تَعْمَلُونَ، وَلا مَنْ عَمِلَ فيها تَعْتَبُونَ، وَبِالإدْهانِ وَالْمصانَعَةِ عِنْدَ الظَّلمَةِ تَأْمَنُونَ، كُلُّ ذلِكَ مِمّا أمَرَكُمُ اللهُ بِهِ مِنَ النّهْي وَالتَّناهِي وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ، وَأنْتُم أَعْظَمُ النّاسِ مُصيبَةً لِما غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنازِل الْعُلَماءِ لَوْ كُنْتُمْ تَسْمَعُونَ.

ذَلِكَ بَأَنَّ مَجارِي الأُمُورِ وَالأحْكَامِ عَلى أَيْدِي الْعُلَماءِ بِاللهِ، الأُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ، فَأَنْتُمْ الْمَسْلُوبُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ، وَما سُلٍبْتُمْ ذلِكَ إلا بِتَفَرُّقِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاخْتِلافِكُمْ في السُّنَّةِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ الْواضِحَةِ، وَلَوْ صَبَرْتُمْ عَلَى الأّذى، وَتَحَمَّلْتُمْ الْمَؤُونَةَ في ذاتِ اللهِ، كانَتْ أُمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، وَلكِنَّكُمْ مَكَّنْتُمْ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللهِ في أَيْديهِم، يَعْمَلُونَ بِالشُّبَهاتِ، وَيَسيرُونَ في الشَّهَواتِ، سَلَّطَهُمْ عَلى ذلِكَ فِرارُكُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَإعْجابُكُمْ بِالْحَياةِ الّتِي هِيَ مُفارِقَتُكُمْ، فَأَسْلَمْتُمُ الضُّعَفاءَ في أَيْديهمْ، فَمِنْ بَيْنِ مُسْتَعْبَدٍ مَقْهُورٍ وَبَيْنَ مُسْتَضْعَفٍ على مَعيشَتِهِ مَغْلُوبٌ، يَتَقَلَّبُون فِي الْمُلْكِ بِآرائِهِمْ وَيَسْتَشْعِرُونَ الْخِزْيَ بِأهْوائِهِمْ، اِقْتِداءً بِالأَشْرارِ، وَجُرْأَةً عَلَى الْجَبّارِ، في كُلِّ بَلَدٍ مِنْهُمْ عَلى مِنْبَرِهِ خَطيبٌ يَصْقَعُ، فَالأرْضُ لَهُمْ شاغِرَةٌ، وَأيْديهِمْ فيها مَبْسُوطَةٌ، وَالنّاسُ لَهُمْ خَوَلٌ لا يَدْفَعُونَ يَدَ لامِسٍ، فَمِنْ بَيْنِ جَبّارٍ عَنيدٍ، وَذي سَطْوَةٍ عَلَى الضَّعَفَةِ شَديدٍ، مُطاعٍ لا يَعْرِفُ الْمُبْدِئَ وَالْمُعِيدَ، فَيا عَجَباً! وَمالي لا أعْجَبُ وَالأَرْضُ مِنْ غاشٍّ غَشُومٍ، ومُتَصَدِّقٍ ظَلُومٍ، وَعامِلٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ بِهِمْ غَيْرِ رَحيمٍ، فَاللهُ الْحاكِمُ فيما فيِهِ تَنازَعْنا، وَالْقاضِي بِحُكْمِهِ فيما شَجَرَ بَيْنَنا.

اللّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلْطانٍ، وَلا الْتِماساً مِنْ فُضُولِ الْحُطامِ، وَلكِنْ لِنُرِيَ الْمَعالِمَ مِنْ دينِكَ، وَنُظْهِرَ الإصْلاحَ في بِلادِكَ، وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبادكَ، وَيُعْمَلَ بِفَرائِضِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَحْكامِكَ، فَإِن لَمْ تَنْصُرُونا وَتُنْصِفُونا، قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَعَمِلُوا في إطْفاء نُورِ نَبيِّكُمْ، وَحَسْبُنا اللهُ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا وَإلَيْهِ أَنَبْنا وَإِلَيْهِ الْمَصيرُ)[63].

هذه الأحاديث وغيرها، وهي كثيرة، صريحة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد، وإزالة الظلم والظالم بالقوّة، والنهي عن ممالَأة الظالم والركون إليه، والأمر بمقاومته ومقارعته بالسيف، وإقامة دولة العدل والحقّ.

وهذه الطائفة من الروايات تطابق الكتاب العزيز، وقد أُمرنا أن نَعرض الروايات، إذا تعارضت، على كتاب الله، فنأخذ بما يوافق كتاب الله، ونذر ما لا يوافقه. وقد استعرضنا قبل هذا البحث آيات القرآن الكريم في ذلك فلا نعيد.

الطائفة الثانية: تحريم إعانة الحاكم الظالم

وهذه طائفة ثانية من النصوص وردت في تحريم إعانة الحاكم الظالم، ولو بقدر مدّة قلم، أو تحضير ليقة دواة، وتغليظ الإنكار على ذلك والتحذير منه. وهذه الروايات كثيرة، وواردة عن طريق الفريقين، وهي مؤكّدة (لحرمة الركون إلى الظالمين) التي قررها الكتاب العزيز.

ولدى التعارض بينها وبين الروايات المتقدمة الدالّة على السكوت عن الظالمين، وقبول ولايتهم وسيادتهم وتحريم الخروج عليهم… فإن المرجع هو القرآن. ولا شك أنَّ القرآن يحذّر من الركون إلى الظالمين أشد التحذير، وها نحن نذكر طائفة من هذه الروايات:

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: (أَعَاذَكَ اللهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ)، قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟، قَالَ: (أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي)[64].

وعَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنَّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ)[65].

عَنْ‌ أَبِي حَمْزَةَ‌ عَنْ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ الْحُسَيْنِ‌ (عليهم السلام) فِي حَدِيثٍ‌ طَوِيلٍ‌، قَالَ‌: (إِيَّاكُمْ‌ وَصُحْبَةَ‌ الْعَاصِينَ‌، وَمَعُونَةَ‌ الظَّالِمِينَ)[66].

وعَنْ‌ طَلْحَةَ‌ بْنِ‌ زَيْدٍ عَنْ‌ جَعْفَرِ بْن مُحَمَّدٍ عَنْ‌ آبَائِهِ‌ عَنْ‌ عَلِيٍّ‌ (ع) قَالَ‌: (الْعَامِلُ‌ بِالظُّلْمِ‌ وَالرَّاضِي بِهِ‌ وَالْمُعِينُ‌ عَلَيْهِ‌ شُرَكَاءُ‌ ثَلاَثَةٌ‌)[67].

وعَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ عُذَافِرٍ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ قَالَ‌: قَالَ‌ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع): (يَا عُذَافِرُ نُبِّئْتُ‌ أَنَّكَ‌ تُعَامِلُ‌ أَبَا أَيُّوبَ‌ وَاَلرَّبِيعَ‌، فَمَا حَالُكَ‌ إِذَا نُودِيَ‌ بِكَ‌ فِي أَعْوَانِ‌ الظَّلَمَةِ؟‌ قَالَ:‌ فَوَجَمَ‌ أَبِي، فَقَالَ‌ لَهُ‌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ لَمَّا رَأَى مَا أَصَابَهُ‌ – أَيْ‌ عُذَافِرُ -: إِنِّي إِنَّمَا خَوَّفْتُكَ‌ بِمَا خَوَّفَنِي اللَّهُ‌ عَزَّ وَجَلَّ‌ بِهِ‌. قَالَ‌ مُحَمَّدٌ: فَقَدِمَ‌ أَبِي فَمَا زَالَ‌ مَغْمُوماً مَكْرُوباً حَتَّى مَاتَ‌)[68].

وعَنْ‌ حَرِيزٍ، قَالَ‌: سَمِعْتُ‌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع)، يَقُولُ‌: (اتَّقُوا اللَّهَ‌ وَصُونُوا دِينَكُمْ‌ بِالْوَرَعِ‌، وَقَوُّوهُ‌ بِالتَّقِيَّةِ‌ وَالاِسْتِغْنَاءِ‌ بِاللَّهِ‌ عَزَّ وَجَلَّ‌. إِنَّهُ‌ مَنْ‌ خَضَعَ‌ لِصَاحِبِ‌ سُلْطَانٍ‌، وَلِمَنْ‌ يُخَالِفُهُ‌ عَلَى دِينِهِ‌ طَلَباً لِمَا فِي يَدَيْهِ‌ مِنْ‌ دُنْيَاهُ‌، أَخْمَلَهُ‌ اللَّهُ‌ عَزَّ وَجَلَّ،‌ وَمَقَّتَهُ‌ عَلَيْهِ‌، وَوَكَلَهُ‌ إِلَيْهِ،‌ فَإِنْ‌ هُوَ غَلَبَ‌ عَلَى شَيْ‌ءٍ‌ مِنْ‌ دُنْيَاهُ‌، فَصَارَ إِلَيْهِ‌ مِنْهُ‌ شَيْ‌ءٌ‌، نَزَعَ‌ اللَّهُ‌ جَلَّ‌ اسْمُهُ‌ الْبَرَكَةَ‌ مِنْهُ‌، وَلَمْ‌ يَأْجُرْهُ‌ عَلَى شَيْ‌ءٍ‌ مِنْهُ‌ يُنْفِقُهُ‌ فِي حَجٍّ‌ وَلاَ عِتْقٍ‌ وَلاَ بِرٍّ)[69].

وعَنْ‌ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ‌: سَأَلْتُ‌ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ‌ أَعْمَالِهِمْ‌، فَقَالَ‌ لِي: (يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لاَ؛ وَلاَ مَدَّةَ‌ قَلَمٍ‌. إِنَّ‌ أَحَدَهُمْ‌ لاَ يُصِيبُ‌ مِنْ‌ دُنْيَاهُمْ‌ شَيْئاً إِلاَّ أَصَابُوا مِنْ‌ دِينِهِ‌ مِثْلَهُ‌، أَوْ حَتَّى يُصِيبُوا مِنْ‌ دِينِهِ‌ مِثْلَه)[70].

وعَنِ‌ اِبْنِ‌ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ‌: كُنْتُ‌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع)، إِذْ دَخَلَ‌ عَلَيْهِ‌ رَجُلٌ‌ مِنْ‌ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ‌ لَهُ‌: جُعِلْتُ‌ فِدَاكَ‌؛ إِنَّهُ‌ رُبَّمَا أَصَابَ‌ الرَّجُلَ‌ مِنَّا الضِّيقُ‌ أَوِ الشِّدَّةُ‌، فَيُدْعَى إِلَى الْبِنَاءِ‌ يَبْنِيهِ‌ أَوِ النَّهَرِ يَكْرِيهِ‌ أَوِ الْمُسَنَّاةِ‌ يُصْلِحُهَا، فَمَا تَقُولُ‌ فِي ذَلِكَ؟‌ فَقَالَ‌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع): (مَا أُحِبُّ‌ أَنِّي عَقَدْتُ‌ لَهُمْ‌ عُقْدَةً‌، أَوْ وَكَيْتُ‌ لَهُمْ‌ وِكَاءً‌، وَإِنَّ‌ لِي مَا بَيْنَ‌ لاَبَتَيْهَا، لاَ؛ وَلاَ مَدَّةً‌ بِقَلَمٍ‌. إِنَّ‌ أَعْوَانَ‌ الظَّلَمَةِ‌ يَوْمَ‌ الْقِيَامَةِ‌ فِي سُرَادِقٍ‌ مِنْ‌ نَارٍ حَتَّى يَحْكُمَ‌ اللَّهُ‌ بَيْنَ‌ الْعِبَادِ)[71].

وَعَنْهُ‌ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ عَنِ‌ اِبْنِ‌ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ‌ هِشَامِ‌ بْنِ‌ سَالِمٍ‌ عَنْ‌ جَهْمِ‌ بْنِ‌ حُمَيْدٍ قَالَ‌: قَالَ‌ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع): (أَ مَا تَغْشَى سُلْطَانَ‌ هَؤُلاَءِ‌؟ قَالَ:‌ قُلْتُ‌: لاَ، قَالَ‌: وَلِمَ‌؟ قُلْتُ‌: فِرَاراً بِدِينِي، قَالَ‌: وَعَزَمْتَ‌ عَلَى ذَلِكَ‌؟ قُلْتُ‌: نَعَمْ‌، قَالَ‌ لِيَ‌: الْآنَ‌ سَلِمَ‌ لَكَ‌ دِينُكَ‌)[72].

وعَنْ‌ يُونُسَ‌ بْنِ‌ يَعْقُوبَ‌ قَالَ‌: قَالَ‌ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع): (لاَ تُعِنْهُمْ‌ عَلَى بِنَاءِ‌ مَسْجِدٍ)[73].

وعَنْ‌ صَفْوَانَ‌ بْنِ‌ مِهْرَانَ‌ الْجَمَّالِ‌ قَالَ:‌ دَخَلْتُ‌ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ‌ الْأَوَّلِ‌ (ع)، فَقَالَ‌ لِي: (يَا صَفْوَانُ‌ كُلُّ‌ شَيْ‌ءٍ‌ مِنْكَ‌ حَسَنٌ‌ جَمِيلٌ‌ مَا خَلاَ شَيْئاً وَاحِداً، قُلْتُ:‌ جُعِلْتُ‌ فِدَاكَ‌ أَيُّ‌ شَيْ‌ءٍ‌؟ قَالَ‌ إِكْرَاؤُكَ‌ جِمَالَكَ‌ مِنْ‌ هَذَا الرَّجُلِ‌؛ يَعْنِي هَارُونَ‌ ، قُلْتُ‌: وَاللَّهِ‌ مَا أَكْرَيْتُهُ‌ أَشَراً وَلاَ بَطَراً وَلاَ لِلصَّيْدِ وَلاَ لِلَّهْوِ، وَلَكِنِّي أَكْرَيْتُهُ‌ لِهَذَا الطَّرِيقِ‌؛ يَعْنِي طَرِيقَ‌ مَكَّةَ‌ ، وَلاَ أَتَوَلاَّهُ‌ بِنَفْسِي، وَلَكِنِّي أَبْعَثُ‌ مَعَهُ‌ غِلْمَانِي، فَقَالَ‌ لِي: يَا صَفْوَانُ‌ أَ يَقَعُ‌ كِرَاؤُكَ‌ عَلَيْهِمْ‌؟ قُلْتُ:‌ نَعَمْ‌ جُعِلْتُ‌ فِدَاكَ‌، قَالَ:‌ فَقَالَ‌ لِي: أَ تُحِبُّ‌ بَقَاءَهُمْ‌ حَتَّى يَخْرُجَ‌ كِرَاؤُكَ‌؟ قُلْتُ:‌ نَعَمْ‌، قَالَ‌: مَنْ‌ أَحَبَّ‌ بَقَاءَهُمْ‌ فَهُوَ مِنْهُمْ‌، وَمَنْ‌ كَانَ‌ مِنْهُمْ‌ كَانَ‌ وَرَدَ اَلنَّارَ، قَالَ‌ صَفْوَانُ‌: فَذَهَبْتُ‌ فَبِعْتُ‌ جِمَالِي عَنْ‌ آخِرِهَا، فَبَلَغَ‌ ذَلِكَ‌ إِلَى هَارُون، فَدَعَانِي، فَقَالَ‌ لِي: يَا صَفْوَانُ‌ بَلَغَنِي أَنَّكَ‌ بِعْتَ‌ جِمَالَكَ؟!‌ قُلْتُ‌: نَعَمْ‌، قَالَ‌: وَلِمَ‌؟ قُلْتُ‌: أَنَا شَيْخٌ‌ كَبِيرٌ، وَإِنَّ‌ الْغِلْمَانَ‌ لاَ يَفُونَ‌ بِالْأَعْمَالِ‌، فَقَالَ:‌ هَيْهَاتَ‌ هَيْهَاتَ؛‌ إِنِّي لَأَعْلَمُ‌ مَنْ‌ أَشَارَ عَلَيْكَ‌ بِهَذَا، أَشَارَ عَلَيْكَ‌ بِهَذَا مُوسَى بْنُ‌ جَعْفَرٍ، قُلْتُ‌: مَا لِي وَلِمُوسَى بْنِ‌ جَعْفَرٍ؟! فَقَالَ‌: دَعْ‌ هَذَا عَنْكَ‌، فَوَ اللَّهِ‌ لَوْ لاَ حُسْنُ‌ صُحْبَتِكَ‌ لَقَتَلْتُكَ‌)[74].

وَفِي (عِقَابِ‌ الْأَعْمَالِ‌) عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ الْحَسَنِ‌ عَنِ‌ اَلصَّفَّارِ عَنِ‌ اَلْعَبَّاسِ‌ بْنِ‌ مَعْرُوفٍ‌ عَنِ‌ اِبْنِ‌ الْمُغِيرَةِ‌ عَنِ‌ اَلسَّكُونِيِّ‌ عَنْ‌ جَعْفَرِ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنْ‌ آبَائِهِ‌ (عليهم السلام)، قَالَ‌: (قَالَ‌ رَسُولُ‌ اللَّهِ‌ (ص): إِذَا كَانَ‌ يَوْمُ‌ الْقِيَامَةِ‌ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ‌ أَعْوَانُ‌ الظَّلَمَةِ‌، وَمَنْ‌ لاَقَ‌ لَهُمْ‌ دَوَاةً‌، أَوْ رَبَطَ كِيساً، أَوْ مَدَّ لَهُمْ‌ مَدَّةَ‌ قَلَمٍ‌، فَاحْشُرُوهُمْ‌ مَعَهُمْ‌)[75].

وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ‌، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ‌، قَالَ‌: قَالَ رَسُولُ اللّٰهِ (ص): (إِيَّاكُمْ وأَبْوَابَ السُّلْطَان)[76].

وروى الحاكم في مستدرك الصحيحين عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ، أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَبَّابٌ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجَ وَنَحْنُ قُعُودٌ، فَقَالَ: (اسْمَعُوا)، قُلْنَا: سَمِعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِنَّهُ سَيَكُونُ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي، فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَا تُعِينُوهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ). قال الحاكم النيسابوري: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»[77].

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (يَكُونُ أُمَرَاءُ تَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ – أَوْ حَوَاشٍ – مِنَ النَّاسِ يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَيُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ)[78].

وعن ابن عباس عن رسول الله (ص): (إن أناساً من أمتي سيقرؤون القرآن ويتعمقون في الدين، يأتيهم الشيطان يقول: لو ما أتيتم الملوك، فأصبتم من دنياهم، فاعتزلتموهم بدينكم، ألا ولا يكون ذلك إلاّ كما لا يجتنى من القتاد إلاّ الشوك، كذلك لا يجتنى من قربهم إلاّ الخطايا)[79].

وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (ص): (مَا من عَالم أَتَى صَاحب سُلْطَان طَوْعًا إِلَّا كَانَ شَرِيكه فِي كل لون يعذب بِهِ فِي نَار جَهَنَّم)[80].

وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (ص): (إِذا قَرَأَ الرجل الْقُرْآن، وتفقه فِي الدّين، ثمَّ أَتَى بَاب صَاحب السُّلْطَان تملقا إِلَيْهِ وطعما لما فِي يَدَيْهِ، خَاضَ بِقدر خطاه فِي نَار جَهَنَّم)[81].

عن عبيد بن عمير: إن رسول الله (ص) قال: (ما ازداد رجل من السلطان قرباً إلاّ ازداد عن الله بعداً)[82].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (سَيَكُونُ بَعْدِي سَلَاطِينُ الْفِتَنِ عَلَى أَبْوَابِهِمْ كَمَبَارِكِ الْإِبِلِ لَا يُعْطُونَ أَحَدًا شَيْئًا إِلَّا أَخَذُوا مِنْ دِينِهِ مِثْلَهُ)[83].

وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والحاكم في تاريخه، وأبو نعيم والعقيلي، والديلمي، والرافعي في تاريخه[84]، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص): (الْعلمَاء أُمَنَاء الرُّسُل على عباد الله عز وَجل، مَا لم يخالطوا السُّلْطَان، ويداخلوا الدُّنْيَا، فَإِذا خالطوا السُّلْطَان، وداخلوا الدُّنْيَا، فقد خانوا الرُّسُل، فاحذروهم واعتزلوهم)[85].

وأخرج الديلمي عن أنس[86] قال: قال رسول الله (ص): (من تقرب من ذي سلطان ذراعاً تباعد الله منه باعاً)[87].

وأخرج الديلمي، عن أبي الدرداء[88]، قال: قال رسول الله (ص): (من مشى إلى سلطان جائر طوعاً من ذات نفسه، ملقاً إليه بلقائه، والتسليم عليه، خاض في نار جهنم بقدر خطاه، إلى أن يرجع من عنده إلى منزله، فإن مال إلى هواه، أو شد على عضده، لم يحلل به من الله لعنة إلا كان عليه مثلها، ولم يعذب في النار بنوع من العذاب إلا عذب بمثله)[89].

وروى ابن حجر في (الزَواجر) باب ظلم السلاطين والأمراء والقضاة: (جَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ، أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ.)[90].

وهذه الروايات كثيرة من طريق الفريقين، وإنْ كانت واردة في تحريم إعانة الظالم والتحذير عنه، حتّى لو كان بقدر مدّة قلم، وتغليظ الإنكار على ذلك، إلا أنَّ التأمّل في هذه الروايات يُفضي إلى القول بحرمة الركون للظالم والرضوخ له، والنهي عن قبول سيادته وسلطانه والاعتراف به، والنهي عن الانضواء تحت لوائه في الحرب والسلم، والنهي عن تأييد سلطانه وحكمه بأي شكل من الأشكال، ولا نحتاج إلى تأمّل كثير لنخرج بهذه النتائج من التأمّل في أمثال هذه الروايات.

جـ. الإجماع

يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنَّ مسألة الرضوخ والانقياد للحاكم الظالم، في غير معصية الله، مما تسالم عليه الفقهاء، وأجمعوا عليه من غير خلاف. وقد سمعنا من قبلُ بعضَ كلمات هؤلاء.

يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم، في التعقيب على رواية عبادة بن الصامت التي مرّت علينا من قبل:

(وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا تُنَازِعُوا وُلَاةَ الْأُمُورَ فِي وِلَايَتِهِمْ، وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوهُ عَلَيْهِمْ، وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ. وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ، فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِالْفِسْقِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَزِلُ – وَحُكِيَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا – فَغَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ، مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ)[91].

ونقل ابن حجر في (الفتح) عن ابن بطّال إنّه قال: (وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ الْمُتَغَلِّبِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّهْمَاءِ… وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مِنَ السُّلْطَانِ الْكُفْرُ الصَّرِيحُ)[92].

مناقشة الإجماع
1. خروج سيد الشهداء الحسين (ع) على يزيد

إن ادعاء الإجماع في هذه المسألة، مجازفة في القول، واستهانة بالفقه، وتجاهل لمواقف أهل البيت (عليهم السلام) (الذين أذهب الله عنهم الرجز)، ومواقف الصحابة والتابعين والصالحين الذين خرجوا على طغاة بني أمية.

ويكفي في نقض هذا الإجماع خروج السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (ع) على يزيد بن معاوية، وقتاله لجيش بني أمية واستشهاده هو وأهل بيته وأصحابه وأنصاره (عليه وعليهم السلام) في هذه الواقعة. وسيرته (ع) من الخروج على يزيد حجة على المسلمين، فإنَّ الحسين (ع) من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا، وعِدل الكتاب العزيز، كما ورد في حديث الثقلين الشهير.

وقد روى الطبري في تاريخه وابن الأثير في (الكامل)، أنَّ الحسين (ع) خطب في أصحابه وأصحاب الحرّ، فحمد الله وأثني عليه، ثمَّ قال: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص)، قَالَ: «مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللَّهِ نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَلَمْ يُغَيِّرْ مَا عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلُهُ». أَلَا وَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ، وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ)[93].

2. كلمات أعلام أهل السنة في الإشادة بخروج الحسين (ع)

فيما يلي ننقل كلماتٍ لأعلام أهل السنة وفقهائهم في الإشادة بخروج الحسين (ع)، وتفسيق يزيد بن معاوية وتكفيره، وتجويز الخروج على الحاكم الظالم:

كلمة ابن خلدون في المقدمة

يقول ابن خلدون: (غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا، فقال في كتابه الذي سماه بـ (العواصم والقواصم) ما معناه: «إن الحسين قتل بشرع جده». وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء؟!)[94]، ثم ذكر ابن خلدون الإجماع على فسق يزيد، ومعه لا يكون صالحاً للإمامة، ومن أجله كان الحسين (ع) يرى من المتعين الخروج عليه[95].

كلمة ابن الجوزي

يقول ابن مفلح الحنبلي: (جَوَّزَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ الْخُرُوجَ عَلَى إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ، وَذَكَرَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ لِإِقَامَةِ الْحَقِّ)[96].

ونقل عن ابن الجوزي قائلا: وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَصُونِ: (مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْعَامِّيَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ، أَنْ يَقُولُوا: إنَّ يَزِيدَ كَانَ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَنَّ الْحُسَيْنَ أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ، لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا، وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ، ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَرَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ وَكُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ؛ مِنْ نَهْبِ الْمَدِينَةِ، وَرَمْيِ الْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَضَرْبِهِ عَلَى ثَنِيَّتَيْهِ بِالْقَضِيبِ، وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ عَلَى خَشَبَةٍ. وَإِنَّمَا يَمِيلُ جَاهِلٌ بِالسِّيرَةِ عَامِّيُّ الْمَذْهَبِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَغِيظُ بِذَلِكَ الرَّافِضَةَ)[97].

كلمة التفتازاني

وقال التفتازاني: (الحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره به وإهانته أهل بيت النبي (ص) مما تواتر معناه، وإن كان تفاصيله آحاد فنحن لا نتوقف في شأنه؛ بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه)[98].

كلمة ابن حزم

وقال ابن حزم: (قيام يزيد بن معاوية لغرض دنيا فقط، فلا تأويل له وهو بغي مجرد)[99].

كلمة الشوكاني

ويقول الشوكاني: (لقد أفرط بعض أهل العلم، فحكموا بأن الحسين السبط – رضي الله عنه وأرضاه – باغ على الخمّير السكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله، فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود، ويتصدع من سماعها كل جلمود!)[100].

كلمة الجاحظ

وقال الجاحظ: (المنكرات التي اقترفها يزيد من قتل الحسين، وحمله بنات رسول الله (ص) سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدل على القسوة والغلظة والنصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق والخروج عن الإيمان، فالفاسق ملعون، ومَن نهى عن شتم الملعون فملعون)[101].

كلمة الحلبي

ويحدّث البرهان الحلبي أن أستاذه الشيخ محمد البكري، تبعاً لوالده، كان يلعن يزيد، ويقول: (زاده الله خزيا وضعة، وفي أسفل سجين وضعه، كما لعنه أبو الحسن علي بن محمد الكياهراسي وقال: لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي الرجل)[102].

كلمة الذهبي

ويقول الذهبي: (كان نَاصِبِيّاً، فَظّاً، غَلِيظاً، جَلْفاً، يَتَنَاوَلُ المُسْكِرَ، ويفعل المُنْكَرَ. افْتَتَحَ دَوْلَتَهُ بِمَقْتَلِ الشَّهِيدِ الحُسَيْنِ‌، وَاخْتَتَمَهَا بِوَاقِعَةِ الحَرَّةِ‌، فَمَقَتَهُ النَّاسُ‌، وَلَمْ يُبَارَكْ فِي عُمُرِه. وخرج عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بَعْدَ الحُسَيْنِ‌: كَأَهْلِ المَدِينَةِ قَامُوا للهِ‌… عَنْ نَوْفَلِ بنِ أَبِي الفُرَاتِ‌، قَالَ‌: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ، فَقَالَ رَجُلٌ‌: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يَزِيدُ. فَأَمَرَ بِهِ‌، فَضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطاً)[103].

كلمة الشيخ الآلوسي

يقول الشيخ الآلوسي في تفسيره، في تفسير قوله تعالى: <فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُمْ>: نقل البرزنجي في الإشاعة، والهيثمي في الصواعق: إن الإمام أحمد لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد قال: كيف لا يلعن مَن لعنه الله تعالى في كتابه؟ فقال عبد الله: قد قرأت كتاب الله عزوجل فلم أجد فيه لعن يزيد، فقال الإمام: إن الله تعالى يقول: <فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُمْ 22 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ> الآية، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد . انتهى.

وعلى هذا القول لا توقف في لعن يزيد لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيام تكليفه، ويكفي ما فعله أيام استيلائه بأهل المدينة ومكة، فقد روى الطبراني بسند حسن: (اللهم مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل). والطامة الكبرى ما فعله بأهل البيت، ورضاه بقتل الحسين (على جده وعليه الصلاة والسلام)، واستبشاره بذلك، وإهانته لأهل بيته، مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً، وفي الحديث: (ستة لعنتهم – وفي رواية – لعنهم الله وكل نبي مجاب الدعوة: المحرّف لكتاب الله – وفي رواية – الزائد في كتاب الله، والمكذّب بقدر الله، والمتسلّط بالجبروت ليعز مَن أذل الله، ويذل مَن أعز الله، والمستحل من عترتي، والتارك لسنتي).

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم الحافظ ناصر السنة ابن الجوزي، وسبقه القاضي أبو يعلى.

وقال العلامة التفتازاني: لا نتوقف في شأنه؛ بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

وممن صرّح بلعنه الجلال السيوطي (عليه الرحمة).

وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات أن السبي لما ورد من العراق على يزيد، خرج فلقى الأطفال والنساء من ذرية علي والحسين (رضي الله تعالى عنهما) والرؤوس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنية جيرون، فلما رآهم نعب غراب فأنشأ يقول:

لما بدت تلك الحمول وأشرفتتلك الرؤوس على شفا جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقلفقد اقتضيت من الرسول ديوني

يعني أنه قتلهم بمَن قتله رسول الله (ص) يوم بدر؛ كجده عتبة وخاله وليد بن عتبة وغيرهما. وهذا كفر صريح. فإذا صح عنه فقد كفر، ومثله تمثله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه: ليت أشياخي.. الأبيات، وأفتى الغزالي (عفا الله عنه) بحرمة لعنه، وأفتى أبو بكر بن العربي المالكي عليه من الله تعالى ما يستحق أعظم الفرية، فزعم أن الحسين قتل بسيف جده (ص)، وله من الجهلة موافقون على ذلك <كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ إن يَقُولُونَ إلا كَذِباً>.

قال ابن الجوزي في كتابه السر المصون من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أن يقولوا: إن يزيد كان على الصواب وإن الحسين (رضي الله تعالى عنه) أخطأ في الخروج عليه، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كل قبيح. ثم لو قدرنا صحة عقد البيعة، فقد بدت منه بواد كلها توجب فسخ العقد، ولا يميل إلى ذلك إلاّ كل جاهل عامي المذهب يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.

هذا ويُعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره، فمنهم مَن يقول: هو مسلم عاص بما صدر منه مع العترة الطاهرة، لكن لا يجوز لعنه، ومنهم مَن يقول: هو كذلك يجوز لعنه مع الكراهة أو بدونها، ومنهم مَن يقول: هو كافر ملعون، ومنهم مَن يقول: إنه لم يعص بذلك ولا يجوز لعنه، وقائل هذا ينبغي أن ينظم في سلسلة أنصار يزيد. وأنا أقول: الذي يغلب على ظني أن الخبيث لم يكن مصدقا برسالة النبي (ص)، وأن مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى، وأهل حرم نبيه (ص)، وعترته الطيبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه، من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظن أن أمره كان خافيا على أجلّة المسلمين إذ ذلك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يسعهم إلا الصبر ليقضي الله أمراً كان مفعولا، ولو سُلم أن الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان، وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين ولو لم يتصور أن يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويلحق به ابن زياد، وابن سعد، وجماعة، فلعنة الله عزّوجل عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين، ويعجبني قول شاعر العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي، وقد سئل عن لعن يزيد اللعين، فقال:

يزيد على لعني عريض جنابهفاغدو به طول المدى ألعن اللعنا

ومَن كان يخشى القال والقيل من التصريح بلعن ذلك الظليل، فليقل: لعن الله عزّوجل مَن رضي بقتل الحسين، ومَن آذى عترة النبي (ص) بغير حق، ومَن غصبهم حقهم، فإنه يكون لاعناً له لدخوله تحت العموم دخولا أولياً في نفس الأمر، ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها سوى (ابن العربي) المار ذكره وموافقيه، فإنهم على ظاهر ما نقل عنهم لا يجوزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (رضي الله تعالى عنه)، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد[104].

كلمة الشيخ محمد عبده

يقول الشيخ محمد عبده: (وقد اختلف علماء المسلمين في مسألة الخروج على الجور وحكم مَن يخرج؛ لاختلاف ظواهر النصوص التي وردت في الطاعة والجماعة والصبر وتغيير المنكر ومقاومة الظلم والبغي. ولم أر قولاً لأحد جمع به بين كل ما ورد من الآيات والأحاديث في هذا الباب، ووضع كلا منها في الموضع الذي يقتضيه سبب وروده، مراعيا اختلاف الحالات في ذلك، مبينا مفهومات الألفاظ بحسب ما كانت تستعمل به في زمن التنزيل، دون ما بعده. مثال هذا لفظ (الجماعة) إنما كان يراد به جماعة المسلمين التي تقيم أمر الإسلام بإقامة كتابه وسنة نبيه (ص)، ولكن صارت كل دولة أو إمارة من دول المسلمين تحمل كلمة الجماعة على نفسها، وإن هدمت السنة، وأقامت البدعة، وعطلت الحدود، وأباحت الفجور.

ومن المسائل المجمع عليها قولا واعتقادا: أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، (وإنما الطاعة في المعروف)، وأن الخروج على الحاكم المسلم، إذا ارتد عن الإسلام واجب. وأن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا والسكر واستباحة إبطال الحدود وشرع ما لم يأذن به الله، كفر وردة. وأنه إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطله وجب على كل مسلم نصر الأولى ما استطاع. وأنه إذا بغت طائفة من المسلمين على أخرى، وجردت عليها السيف، وتعذر الصلح بينهما، فالواجب على المسلمين قتال الباغية المعتدية حتى تفيء إلى أمر الله. وما ورد في الصبر على أئمة الجور إلا إذا كفروا معارض بنصوص أخرى، والمراد به اتقاء الفتنة، وتفريق الكلمة المجتمعة، وأقواها حديث: (وأن لا تنازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا). قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية ـ ومثله كثير ـ وظاهر الحديث أن منازعة الإمام الحق في إمامته لنزعها منه لا يجب إلا إذا كفر كفرا ظاهرا، وكذا عماله وولاته. وأما الظلم والمعاصي فيجب إرجاعه عنها مع بقاء إمامته وطاعته في المعروف دون المنكر، وإلا خلع ونصب غيره.

ومن هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول (ص) على إمام الجور والبغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر، يزيد بن معاوية خذله الله وخذل مَن انتصر له من الكرّامية والنواصب. الذين لا يزالون يستحبون عبادة الملوك الظالمين على مجاهدتهم لإقامة العدل والدين. وقد صار رأي الأمم الغالب في هذا العصر وجوب الخروج على الملوك المستبدين والمفسدين. وقد خرجت الأمة العثمانية على سلطانها عبد الحميد، فسلبت السلطة منه، فخلعته بفتوى من شيخ الإسلام. وتحرير هذه المسائل لا يمكن إلا بمصنف خاص)[105].

كلمة سيد قطب

يقول سيد قطب المفسر المعاصر في تفسيره (في ظلال القرآن) في تفسير قوله تعالى: <إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ>[106]: (والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم، قريبة الرؤية لأعينهم، ولكن صور النصر شتى، وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند النظرة القصيرة… ثم يقول: والحسين ـ رضوان الله عليه ـ وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، المفجعة من جانب، أ كانت هذه نصرا أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة.. فأما في الحقيقة الخاصة، وبالمقياس الكبير فقد كانت نصراً. فما من شهيد تهتز له الجوانح بالحب والعطف، وتهفو له القلوب، وتجيش بالعبرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين، وكثير من غير المسلمين.

وكم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش بألف عام، كما نصرها باستشهاده. وما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة، ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة بخطبته، مثل خطبته الأخيرة التي كتبها بدمه، فتبقى حافزاً محركاً للأبناء والأحفاد. وربما كانت حافزا محركاً لخطى التاريخ كله مدى الأجيال)[107].

نماذج أخر من سيرة المسلمين في الخروج على الحكام الظلمة

وخرج على يزيد في وقعة الحرّة التي استباح فيها يزيد حرم رسول الله (ص)؛ خرج عليه خيار المسلمين والتابعين وأبناء الصحابة؛ مثل عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص، والمنذر بن الزبير، وعبد الله بن مطيع، وكان عبد الله بن حنظلة الغسيل يقول: (والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء… رجل ينكح البنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ويقتل أولاد النبيين)[108].

3. مخالفة الفقهاء لدعوى الإجماع

وموقف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) – قولاً واحداً – مخالف لهذا الإجماع، فهم (عليهم السلام) جميعاً يذهبون إلى جواز الخروج على الحاكم الظالم؛ بل وجوبه، إن كان ذلك في الإمكان. وإنما توقفوا من الخروج بالسيف على حكام بني أمية وبني العباس؛ لأنهم لم يجدوا من الناس أعواناً على الخروج، وقد مرّ علينا خروج الحسين (ع) .

وخرج عن هذا الإجماع كبار الفقهاء، منهم أبو حنيفة.

يقول أبو بكر الرازي الجصّاص الحنفي في كتابه المعروف (أحكام القرآن):

فثبت بدلالة هذه الآية – [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏] – بطلان إمامة الفاسق، وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق، لم يلزم الناس اتّباعه ولا طاعته، وكذلك قال النبي (ص): (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، ودل أيضا على أن الفاسق لا يكون حاكماً، وأن أحكامه لا تنفذ إذا وُلي الحكم، وكذلك لا تقبل شهادته ولا خبره إذا أخبر عن النبي (ص)، ولا فتياه إذا كان مفتيا، وأنه لا يقدم للصلاة، وإن كان لو قُدم واقتدى به مقتد كانت صلاته ماضية، فقد حوى قوله: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏) هذه المعاني كلها.

ومن الناس من يظن أن مذهب أبي حنيفة تجويز إمامة الفاسق وخلافته، وأنه يفرق بينه وبين الحاكم فلا يجيز حكمه، وذُكر ذلك عن بعض المتكلمين، وهو المسمى (زرقان)، وقد كذب في ذلك، وقال بالباطل، وليس هو أيضا ممن تقبل حكايته، ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهم العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة، ولا يكون حاكماً، كما لا تقبل شهادته ولا خبره لو روى خبراً عن النبي (ص)، وكيف يكون خليفة وروايته غير مقبولة وأحكامه غير نافذة؟!

وكيف يجوز أن يدّعي ذلك على أبي حنيفة وقد أكرهه ابن هبيرة في أيام بني أُمية على القضاء، وضربه فامتنع من ذلك، وحبس فلج بن هبيرة، وجعل يضربه كل يوم أسواطاً، فلما خيف عليه قال له الفقهاء: فتول شيئاً من أعماله أيّ شيءٍ كان حتى يزول عنك هذا الضرب. فتولى له عدّ أحمال التبن الذي يدخل، فخلّاه ثم دعاه المنصور إلى مثل ذلك، فأبى فحبسه، حتى عدّ له اللبن الذي كان يُضرب لسور مدينة بغداد، وكان مذهبه مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور، ولذلك قال الأوزاعي احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف؛ يعني قتال الظلمة، فلم نحتمله.

وكان من قوله أنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول، فإن لم يؤتمر له فبالسيف، على ما روي عن النبي (ص).

وسأله إبراهيم الصائغ، وكان من فقهاء أهل خراسان ورواة الأخبار ونسّاكهم، عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: هو فرض، وحدثه بحديث عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقتل. فرجع إبراهيم إلى مرو، وقام إلى أبي مسلم صاحب الدولة، فأمره ونهاه وأنكر عليه ظلمه وسفكه الدماء بغير حق، فاحتمله مراراً، ثم قتله.

وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة، وفي حمله المال إليه، وفتياه الناس سرا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، وقال لأبي إسحاق الفزاري، حين قال له: لِمَ أشرت على أخي بالخروج مع إبراهيم حتى قتل؟ قال: مخرج أخيك أحب إليّ من مخرجك، وكان أبو إسحاق قد خرج إلى البصرة.

وهذا إنّما أنكره عليه أغمار أصحاب الحديث، الذين بهم فُقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى تغلب الظالمون على أُمور الإسلام، فمن كان هذا مذهبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف يرى إمامة الفاسق؟! فإنّما جاء من غلط في ذلك إن لم يكن تعمد الكذب من جهة قوله وقول سائر من يعرف قوله من العراقيين: أنّ القاضي إذا كان عدلا في نفسه فوُلّي القضاء من قبل إمام جائر، أنّ أحكامه نافذة وقضاياه صحيحة، وأن الصلاة خلفهم جائزة مع كونهم فساقاً وظلمة، وهذا مذهب صحيح، ولا دلالة فيه على أن من مذهبه تجويز إمامة الفاسق، وذلك لأن القاضي إذا كان عدلا، فإنما يكون قاضيا بأن يمكنه تنفيذ الأحكام وكانت له يد وقدرة على من امتنع من قبول أحكامه حتى يجبره عليها، ولا اعتبار في ذلك بمن ولاه؛ لأن الذي ولاه إنّما هو بمنزلة سائر أعوانه، وليس شرط أعوان القاضي أن يكونوا عدولا. ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم، لو اجتمعوا على الرضا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعواناً له على من امتنع من قبول أحكامه، لكان قضاؤه نافذاً وإن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان.

وعلى هذا تولى شريح وقضاة التابعين القضاء من قبل بني أُمية، وقد كان شريح قاضيا بالكوفة إلى أيام الحجاج، ولم يكن في العرب ولا آل مروان أظلم ولا أكفر ولا أفجر من عبد الملك، ولم يكن في عماله أكفر ولا أظلم ولا أفجر من الحجاج، وكان عبد الملك أول من قطع ألسنة الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صعد المنبر فقال: (إني والله ما أنا بالخليفة المستضعف – يعني عثمان – ولا بالخليفة المصانع – يعني معاوية -، وإنّكم تأمروننا بأشياء تنسونها في أنفسكم، والله لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إلاّ ضربت عنقه).

وقد كان الحسن وسعيد بن جبير والشعبي وسائر التابعين يأخذون أرزاقهم من أيدي هؤلاء الظلمة، لا على أنّهم كانوا يتولونهم ولا يرون إمامتهم، وإنّما كانوا يأخذونها على أنّها حقوق لهم في أيدي قوم فجرة.

وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم؟! وقد ضربوا وجه الحجاج بالسيف، وخرج عليه من القراء أربعة آلاف رجل هم خيار التابعين وفقهاؤهم، فقاتلوه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في الأهواز، ثم بالبصرة، ثم بدير الجماجم من ناحية الفرات بقرب الكوفة، وهم خالعون لعبد الملك بن مروان لاعنون لهم متبرئون منهم، وكذلك كان سبيل من قبلهم مع معاوية حين تغلب على الأمر بعد قتل علي (ع)، وقد كان الحسن والحسين (عليهم السلام) يأخذان العطاء، وكذلك من كان في ذلك العصر من الصحابة وهم غير متولين له؛ بل متبرئون منه على السبيل التي كان عليها عليّ (ع) إلى أن توفاه الله تعالى إلى جنته ورضوانه.

فليس إذن في ولاية القضاء من قِبلهم ولا أخذ العطاء منهم دلالة على توليتهم واعتقاد إمامتهم[109].

ويقول الماوردي في (الأحكام السلطانية) عن سقوط الفاسق عن الإمامة:

اَلَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِمَامَةِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا جَرْحٌ فِي عَدَالَتِهِ، وَالثَّانِي نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ.

فَأَمَّا الْجَرْحُ فِي عَدَالَتِهِ، وَهُوَ الْفِسْقُ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا؛ مَا تَابَعَ فِيهِ الشَّهْوَةَ.

وَالثَّانِي، مَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِشُبْهَةٍ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، فَمُتَعَلِّقٌ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ ارْتِكَابُهُ لِلْمَحْظُورَاتِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ تَحْكِيمًا لِلشَّهْوَةِ وَانْقِيَادًا لِلْهَوَى، فَهَذَا فِسْقٌ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَمِنْ اسْتِدَامَتِهَا، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مَنْ انْعَقَدَتْ إمَامَتُهُ خَرَجَ مِنْهَا، فَلَوْ عَادَ إلَى الْعَدَالَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِمَامَةِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ[110].

ويقول ابن حزم الأندلسي في (الفصل في الملل والنحل):

إِن امْتنع من إِنْفَاذ شَيْء من هَذِه الْوَاجِبَات عَلَيْهِ وَلم يُرَاجع، وَجب خلعه وَإِقَامَة غَيره مِمَّن يقوم بِالْحَقِّ، لقَوْله تَعَالَى: <وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ>، وَلَا يجوز تَضْييع شَيْء من وَاجِبَات الشَّرَائِع[111].

ويقول الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى: <قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ>:

وقالوا: في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة. وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته، ولا تجب طاعته، ولا يقبل خبره، ولا يقدم للصلاة؟!

وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه.

وقالت له امرأة: أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل، فقال: ليتني مكان ابنك.

وكان يقول في المنصور وأشباهه: لو أرادوا بناء مسجد، وأرادوني على عدّ آجُره لما فعلت.

وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماماً قط، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة، والإمام إنما هو لكفّ الظلمة؟! فإذا نصب من كان ظالماً في نفسه، فقد جاء المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم[112].

د. المفاسد والفتن المترتبة على عزل الحاكم

وهذا آخر ما يذكره أصحاب هذا الرأي من الدليل على رأيهم في الانقياد للحكّام الظالمين وتحريم الخروج عليهم. يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم: (قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ. فَلَو طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فِسْقٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ خَلْعُهُ إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَحَرْبٌ، وَقَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ، وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ)[113].

ويقول شارح العقيدة الطحاوية: (وأمّا لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنّه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم)[114].

ويقول الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيّل إمام مسجد الحرام في تحريم الخروج عليهم ونزع الطاعة من أيديهم:

(سواء كانوا أئمة عدولاً صالحين أم كانوا من أئمة الجور والظلم… فإنّه أخف ضرراً، وأيسر خطراً من ضرر الخروج عليهم)[115].

ويقول أيضاً في موضع آخر من كتابه:

(فإنّ الصبر على جور الأئمة وظلمهم، مع كونه هو الواجب شرعاً، فإنّه أخف من ضرر الخروج عليهم ونزع الطاعة من أيديهم، لما ينتج عن الخروج عليهم من المفاسد العظيمة. فربّما كان الخروج سبب حدوث فتنة يدوم أمدها، ويستشري ضررها، ويقع بسببها سفك للدماء وانتهاك للأعراض وسلب للأموال وغير ذلك من أضرار كثيرة ومصائب جمّة على العباد والبلاد)[116].

المناقشة

أقول: أولاً: إن مآل هذا الاستدلال من ناحية فنّية إلى تقديم الأهم على المهم في باب (التزاحم)، ومن دون أن ندخل في التفاصيل الفنّية لباب التزاحم، نقول: إنَّ لدينا هاهنا حكمين وهما:

 الأول: وجوب النهي عن المنكر وإزالة المنكر وتغييره ومكافحته، حتى لو تطلب ذلك إراقة الدماء وتحمّل المتاعب.

الثاني: اجتناب الفتن الاجتماعية التي تؤدي إلى إراقة الدماء وانتهاك الأعراض وإضرار الناس.

 وكل من الحكمين في وضعه الأولي مطلق؛

يعني أن النهي عن المنكر يجب حتّى لو تطلّب إراقة الدماء.

وتجنّب الفتن الاجتماعية يجب حتّى في موضع النهي عن المنكر.

وهذان حكمان مطلقان متخالفان، فإذا اجتمعا في موضع واحد، كما يحصل في الإنكار على الحكّام الظالمين، ومكافحتهم، ونهيهم عن الظلم، وإزالتهم عن موقع السلطان والنفوذ في المجتمع، فإنَّ هذا الإنكار يؤدّي إلى مقارعة الحكّام الظالمين، وبالتالي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض وإضرار الناس بأضرار بليغة، وهو أمر قد حرّمه الله.

فيجتمع في هذا الموضع، إذًا؛ حكمان:

أحدهما: وجوب الإنكار على المنكر وتغييره وإزالته ومكافحته.

وثانيهما: وجوب الاجتناب عن الفتن الاجتماعية والسياسية التي تؤدّي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض. ولأن المكلّف لا يقدر على امتثال الحكمين معاً كان لابدَّ بحكم العقل، من تقديم الأهم على المهم.

وبلغة فنيّة: لابدّ من تقييد إطلاق أحد الحكمين، فإذا كان أحدهما أهم من الآخر، فيكون المقيَّد هو الآخر لا محالة. فالمدار، إذًا؛ في هذه المسألة هو تشخيص الأهم من المهم.

وهذا أمر (متغيّر)، يختلف من حال إلى حال، ومن حاكم إلى حاكم، ومن منكر إلى منكر، ومن مجتمع إلى مجتمع، فلا يمكن إعطاء أحكام ثابتة في مثل هذه المسائل. فقد يكون المجتمع صالحاً قويّاً ملتزماً بحدود الله وأحكامه وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحاكم الذي يقترف الظلم حاكم ضعيف يمكن إزالته من دون مشاكل وأضرار كبيرة. ففي هذه الحالة يقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمر بالحفاظ على الأنفس والأموال من الفتن والأضرار والهلكة.

وقد يكون الأمر بالعكس، فيقدّم الحكم بالمحافظة على الأنفس والأموال والأعراض على حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعلى العموم؛ الأمر يختلف في تحديد وتشخيص الأهم من المهم بين الحكمين من مورد إلى مورد، ولا يمكن إعطاء حكم عام في هذه المسألة بناءً على هذا الدليل.

ويتفق كثيراً أن الحاكم يمارس أبشع أنواع المنكرات ويقترفها، ويتجاوز حدود الله وأحكامه، وينتهك حرماته سبحانه وتعالى، كما كان الأمر في يزيد بن معاوية، الذي يقول عنه الإمام الحسين (ع): (ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأنَّ الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برماً)[117].

ويقول عنه الحسين (ع): (أَلَا وَإِنَّ هَؤُلَاءِ – يعني بني أمية – قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ)[118].

أقول: في مثل هذه الأحوال يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكافحة المنكر، والعمل على إزالته، مهما تطلّب الأمر من الدماء والمتاعب والأضرار في الأنفس والأموال. وإصدار أحكام ثابتة وقطعيّة في تحريم الخروج على الحكام الظالمين وتحريم إزعاجهم، وإثارة الفتن في وجوههم، وتحريم مقارعتهم ومقاومتهم، يزيد هؤلاء الحكام إمعاناً في مقارفة المنكرات والظلم والفساد.

وليس شيء أرضى إلى هؤلاء الحكام الذين يقترفون كبائر الإثم، ويمارسون أبشع أنواع الظلم، من أمثال هذه الفتاوى التي نجدها نحن ـ للأسف ـ في تاريخ الإسلام كثيراً؛ هذا أولاً.

وثانيًا: إنَّ هذا الحكم لو صحّ في بعض موارد باب التزاحم، عندما يكون اجتناب الفتنة أهمّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو حكم ثانوي طارئ، والحكم الأولي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على إزالة المنكر، ومكافحته، والنهي عن إطاعة الظالمين والمسرفين، والأمر بالإعراض عنهم ورفضهم، والكفر بهم.

وليس من الصحيح الإعراض عن الحكم الأولي الثابت في الشريعة إلى الأحكام الثانوية الطارئة، إلا في مواردها المنصوصة في الشريعة.

والحكم الأولي الثابت في الشريعة هو قوله تعالى: <وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ>[119]؛

وقوله تعالى: <أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً>[120]؛

وقوله تعالى: <وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ 151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأْرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ>[121]؛

وقوله تعالى: <فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً>[122].

وما ورد في نصوص الروايات البالغة حدّ التواتر المعنوي في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لإزالة المنكر ومكافحته وتغييره باليد.

ففي مسند أحمد بسنده عن رسول الله (ص) يقول: (إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ)[123].

وفي (نهج البلاغة): أنَّ عليّاً خطب الناس في صفين، فقال: (إِنَّهُ‌ مَنْ‌ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ‌ بِهِ،‌ وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ‌، فَأَنْكَرَهُ‌ بِقَلْبِهِ‌، فَقَدْ سَلِمَ‌ وَبَرِئَ‌، وَمَنْ‌ أَنْكَرَهُ‌ بِلِسَانِهِ‌، فَقَدْ أُجِرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ‌ مِنْ‌ صَاحِبِهِ‌، وَمَنْ‌ أَنْكَرَهُ‌ بِالسَّيْفِ‌ لِتَكُونَ‌ كَلِمَةُ‌ اللَّهِ‌ هِيَ‌ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ‌ الظَّالِمِينَ‌ السُّفْلَى، فَذَلِكَ‌ الَّذِي أَصَابَ‌ سَبِيلَ‌ الْهُدَى، وَقَامَ‌ عَلَى الطَّرِيقِ‌، وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ‌ الْيَقِين)[124].

وفي (نهج البلاغة) أيضا: (وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ‌ مِنْ‌ قِتَالِ‌ مَنْ‌ خَالَفَ‌ الْحَقَّ‌، وَخَابَطَ الْغَيَّ‌ مِنْ‌ إِدْهَانٍ‌ وَلاَ إِيهَانٍ،‌ فَاتَّقُوا اللَّهَ‌ عِبَادَ اللَّهِ،‌ وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ‌ مِنَ‌ اللَّهِ‌، وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ‌ لَكُمْ،‌ وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ‌ بِكُمْ،‌ فَعَلِيٌّ‌ ضَامِنٌ‌ لِفَلْجِكُمْ‌ آجِلاً إِنْ‌ لَمْ‌ تُمْنَحُوهُ‌ عَاجِلا)[125].

وروى الصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): (إنَّ الله لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة بالمنكر سرّاً، من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصة بالمنكر جهاراً، فلم تُغَيّر ذلك العامّة، استوجب الفريقان العقوبة من الله – عزّوجل -). قال: وقال رسول الله (ص): (إنَّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّاً، لم يضرَّ إلا عاملها، فإذا عمل بها علانية ولم يُغَيّرُ عليه أضرّت بالعامّة). وقال جعفر بن محمد (ع): (وذلك أنّه يذلّ بعمله دين الله ويقتدي به أهل عداوة الله)[126].

هذا هو حكم الله تعالى أوّلاً في مواجهة أئمة الظلم والطغاة والجبابرة، الذين يسعون في الأرض فساداً، وأما الموازنة بين الأهم والمهم في الأحكام فهو أمر ثانوي طارئ، وليس من الصحيح أن نستبدل الأحكام الأولية بالثانوية، إلاّ في مواقعه اللازمة والمحدودة في الفقه.

الدور السلبي لهذه الفتاوى

لقد كان لأمثال هذه الفتاوى دور سلبي في تاريخ الإسلام في دعم الحكّام الظلمة، وتشجيعهم في الإمعان في الظلم والإفساد؛ أولاً. وفي إخماد ثورة المظلومين والمعذّبين، وإحباط حركات الثائرين ومقاومة الشعوب المستضعفة والمضطهدة؛ ثانياً.

ولم يكن هؤلاء الحكّام من أمثال معاوية، ويزيد، والوليد، وعبد الملك، والحجاج، والمنصور، وهارون، والمتوكّل، وغيرهم يستريحون إلى شيء، كما كانوا يستريحون إلى أمثال هذه الفتاوى، فكانوا يمعنون في الظلم والفساد واقتراف الذنوب والمعاصي وانتهاك الحُرمات، ويجدون في هذه الفتاوى دعة وراحة.

وقد كان هؤلاء الفقهاء يبالغون في تأكيد هذا الرأي وتعميقه في المجتمع الإسلامي، إمعاناً في تطمين هؤلاء الحكّام من ناحية ثورات المظلومين وانتفاضاتهم.

يقول سفيان الثوري لأحد تلاميذه: (يَا شُعَيْبُ لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى تَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَالْجِهَادَ مَاضِيًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالصَّبْرَ تَحْتَ لِوَاءِ السُّلْطَانِ جَارَ أَمْ عَدَلَ)[127].

سبحان الله!! كما لو كان إقرار الظالمين على ظلمهم، والسكوت عنهم، وتحمل إسرافهم وبذخهم في بيت المال، وإفسادهم للناس، من أصول الدين لا يُقبل منه عمله وسعيه إلا به!!!

ويقول علي بن المديني: (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً إِلَّا وَعَلَيْهِ إِمَامٌ؛ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، فَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْغَزْوُ مَعَ الْأُمَرَاءِ مَاضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، لَا يُتْرَكُ. وَقِسْمَةُ الْفَيْءِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ لِلْأَئِمَّةِ مَاضِيَةٌ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُنَازِعَهُمْ، وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جَائِزَةٌ نَافِذَةٌ قَدْ بَرِئَ مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا. وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مَنْ وَلَّاهُ جَائِزَةٌ قَائِمَةٌ رَكْعَتَانِ، مَنْ أَعَادَهَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ تَارِكٌ لِلْإِيمَانِ مُخَالِفٌ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَرَ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ لَا يَكُونُ فِي صَدْرِهِ حَرَجٌ مِنْ ذَلِكَ… إلخ)[128].

سبحان الله العظيم!! إن هذا غاية ما يتمنّاه الجبّارون، المقترفون للإثم، المنتهكون لحرمات الله، الساعون في الأرض فساداً. ولا يقف صاحب الفتوى عند هذه الحدود، حتّى يبلغ أقصى ما يطلبه هؤلاء الظلمة المستكبرون، فيقول: (ثُمَّ لا يَكُون في صِدُورِهِم حَرَجٌ مِنْ ذلِك)، ويزيد عليه شارح الطحاوية، فيقول: (بل من الصبر على جورهم تكفير السيّئات، ومضاعفة الأجور، فإنَّ الله تعالى ما سلّطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل)[129].

 ولست أدري أين تقع هذه الفتاوى من محكمات كتاب الله، التي تأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الظالمين والكفر والطاغوت، وعصيان أمر الآثمين والظالمين، وعدم الركون إليهم، ومن قوله تعالى: <إن الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا>[130]، فيسمّي الله تعالى أولئك المستضعفين بـ (الظالمين)، ويساوي بينهم وبين مَن ظلمهم لأنهم رضخوا للظلم.

ويروي مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله: (أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي… فلا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك، ولكن توبوا أعطِفُهُم عليكم)[131].

وهذا الذي يرويه مالك بن دينار عن بعض كتب الله يعارض، صراحة وبوضوح، ما جاء في القرآن، فأيهما يختار مالك بن دينار آية (البقرة: 124)، وآية (النساء: 60)، وآية (النساء 97)، وآية (الشعراء: 151 ـ 152)، وآية (الإنسان: 24)، أم ما قيل ورُوي عن بعض كتب الله؟!

وإذا كان الأمر كذلك لبعض المصالح السياسية في عصرنا!! وهو ليس كذلك، فلماذا نتستّر على جرائم الطغاة والجبابرة في التاريخ؟! يقول أحدهم، في سياق الدفاع عن هذا الرأي والاحتجاج له بسكوت الصحابة والتابعين عن فجور يزيد، ومروان، والوليد، والحجاج، وعبد الملك… يقول: (بعض الخلفاء الذين فيهم شيء من الظلم والجور أو الفسق مثل يزيد بن معاوية ومروان)[132]. نعم؛ في يزيد شيء من الظلم والجور فقط!

سبحان الله!! فما هو الظلم والجور والفسوق كله، يا ترى إذا كان هذا الذي نعرفه من يزيد بن معاوية شيء من الظلم فقط؟!

ولم يكن لهذه الفتاوى دور التهدئة للثورات الشعبية الحاصلة من تفاقم الظلم والاستبداد السياسي والبذخ والتبذير فقط؛ بل كان لها دور آخر في سلب الاعتدال والوسطية والعقلانية في الثورات الشعبية التي كانت تتفجر بصورة عفوية في أقاليم العالم الإسلامي ضد جور الخلفاء والسلاطين. فقد كانت تتفجّر هذه الثورات والانتفاضات بصورة غير موجّهة هنا وهناك، وكانت لها آثار سيّئة وتخريبية واسعة مثل ثورة (الزنج) في العصر العبّاسي. وهو أمر طبيعي عندما يتخلّى الفقهاء عن دورهم الذي منحهم الله تعالى في قيادة وتوجيه حركة المظلومين والمستضعفين ضدّ الظالمين والمستكبرين، وفي ردع الظالمين عن الظلم.

وسلام الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، يقول في تعريف (العالِم): (وَمَا أَخَذَ اللَّهُ‌ عَلَى الْعُلَمَاءِ‌ أن لا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ‌ ظَالِمٍ‌ وَلاَ سَغَبِ‌ مَظْلُوم)[133]، فإذا تخلّى العالِم عن دوره التوجيهي في توجيه وقيادة هذه الحركة، يستلمها الغوغاء من الناس لا محالة، وتكون لها آثار تخريبية واسعة بالضرورة؛ كما حدث في ثورة الزنج في العصر العباسي وغيرها.

ونحن نتمنّى أن يتناول العلماء مسائل حساسّة وخطيرة من هذا النوع بشيء أكثر من الدراسة الفقهية، آخذين بنظر الاعتبار وجهات النظر الأخرى في هذه المسألة وأدلتها، ونتمنّى أن يعيد علماء السلفيين والوهابيين النظر في هذه المسألة وأمثالها بدقة وجدّية واهتمام.

إن فتاوى وآراء فقهية من هذا القبيل، في عالمنا الإسلامي اليوم، تزيد من شراسة الحكام الطغاة والظالمين، الذين يعيثون في الأرض فساداً، وتزيد من ظلمهم وإفسادهم وعبثهم بمصالح المسلمين.

إن فتاوى فقهية من هذا القبيل تَقَرُّ بها عين العِتِلّ الزنيم (صدام حسين) الذي أحرق المنطقة مرّتين، وأحرق العراق خلال هذه المدّة عشرات المرات، وتَقَرُّ بها عين كمال أتاتورك طاغية تركيا، وتَقَرُّ بها عين رضا بهلوي ومحمد رضا بهلوي طاغيتي إيران، وعين (بورقيبة) وخليفته، وعين طاغية مصر الذي قتل خيار المسلمين في مصر، وأمعن في اضطهادهم وعذابهم وسجنهم وملاحقتهم وملاحقة عوائلهم، وأمثالهم من طغاة عصرنا، الذين يسعون في الأرض فساداً، ويهلكون الحرث والنسل، ويحاربون دين الله علانية وجهاراً، ويعذّبون المؤمنين والمؤمنات، أبشع أنواع التعذيب، ويضطهدونهم بالعذاب والنكال، ويسفكون الدماء التي حرّمها الله تعالى بغير حقّ، وينتهكون حدود الله وحرماته، ويعيثون في الأرض، ويستكبرون استكباراً .

إن أمثال هذه الفتاوى تَقَرُّ بها عيون هؤلاء، وتقذى بها عيون المؤمنين الصالحين العاملين في سبيل الله. نحن نرجو ونتمنّى من العلماء أن ينظروا إلى هذه المسائل بنظر أبعد وأعمق، وأكثر استيعاباً لروح هذا الدين وأصوله.

وقفة مع عبد الله بن عُمَر

ويستوقفنا أمر عبد الله بن عمر في هذا الموقف، فهو من أشد المدافعين عن هذا الرأي، وكان يتبنّاه ويعلنه، ويدافع عنه.

روى مسلم في الصحيح أن عبد الله بن عمر قصد عبد الله بن مطيع عندما كانت المدينة ثائرة متهيّأة للخروج على يزيد، قبل وقعة الحرّة، فيأمر له بوسادة، فيقول له: إنّي لم آتك لأجلس ولكن أتيتك لأحدثك بحديث سمعته عن رسول الله (ص)، سمعت رسول الله (ص) يقول: (مَن خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[134].

ويمنعهم عن الخروج على يزيد الذي عرف الناس جميعاً فسقه وفجوره واستهتاره وانتهاكه لحدود الله وحرماته، وذلك لما يقول أنّه قد سمع من رسول الله (ص): (مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). نعم؛ لابد من البيعة، ولو مات الإنسان وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، ولكن بيعة إمام عادل، لا بيعة سفهاء بني أمية…

ولكن عبد الله نفسه، لما دعاه أمير المؤمنين علي (ع) إلى البيعة امتنع، وقال: (لا أبايع حتّى يبايع الناس، فقال له (ع): ائتني بحميل (ضامن)، قال: لا أرى حميلاً، فقال الأشتر (رضوان الله عليه): خلّ عنّي أضرب عنقه، قال علي (ع): دعوه، أنا حميله، إنك ما علمت لسيئ الخلق صغيراً وكبيراً)[135].

ولما دعاه معاوية إلى بيعة ابنه يزيد، اعتذر، وقال: (لَا أُبَايِعُ لِأَمِيرَيْنِ في وقتٍ واحد)[136]، وهو عذر ضعيف، فإن معاوية لم يطلب منه أن يبايع ليزيد بأمرة المؤمنين حتّى يعتذر له بهذا العذر، وإنّما دعاه ليبايعه بولاية العهد، وكان أحرى به أن يمتنع بصراحة وشجاعة كما امتنع الحسين (ع).

فلما أرسل إليه معاوية مائة ألف درهم، ودس إليه مَن يدعوه إلى البيعة، لَانَ عُودُه، وقال: (إِنَّ ذَاكَ لِذَاكَ – يَعْنِي عَطَاءَ ذَلِكَ الْمَالِ لِأَجْلِ وُقُوعِ الْمُبَايَعَةِ – إِنَّ دِينِي عِنْدِي إِذًا لَرَخِيصٌ)[137].

ولم ينقل لنا التاريخ أنّه ردّ المائة ألف عليه، بعد أن عَلِم (أن ذاك لذاك)، ولما مات معاوية كتب ابن عُمَر إلى يزيد ببيعته[138].

ولم ينقل التاريخ أن عبد الله بن عمر تغيّر رأيه في شرعية بيعة يزيد وفي يزيد، حتّى بعد مصرع الحسين (ع) وأهل بيته وأنصاره، وحتّى بعد وقعة الحرة الرهيبة التي (أباح فيها مسلم بن عقبة – قائد جيش يزيد – المدينة ثلاثاً، فقتل جماعة من بقايا المهاجرين والأنصار، وخيار التابعين، وهم ألف وسبعمائة، وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها جماعة من حملة القرآن، وقتل جماعة صبراً منهم معقل بن سنان ومحمّد بن أبي الجهم، وجالت الخيل في مسجد رسول الله (ص)، وبايع الباقون كرها على أنّهم خول ليزيد)[139].

بعد هذه المجازر والجرائم، لم يذكر لنا التاريخ أن رأي عبد الله بن عمر قد تغيّر في يزيد وبيعته عليه لعنة الله ورسوله والمؤمنين.

وكان ابن عمر يرى أنّ ذلك كله لا يُسوّغ الخروج على يزيد… وكان ينكر على الذين يروون عن رسول الله (ص) في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومجاهدة الظالمين ما يخالف رأيه.

فاستمع إلى الحديث التالي الذي يرويه مسلم في الصحيح: باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان:

روى مسلم عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ).

قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدَّثْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيَّ، فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ.

قَالَ صَالِحٌ: وَقَدْ تُحُدِّثَ بِنَحْوِ ذَلِكَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ[140].

وقد بايع ابن عمر ليزيد بن معاوية، ولم ينقض البيعة بعد ما تبين له أمر يزيد وفسقه وإعلانه للمنكرات، وقبل ذلك قبوله لهدية معاوية في البيعة ليزيد بولاية العهد بعده.

وروى لنا التاريخ: (أنَّ عبد الله بن عمر طرق الباب ليلاً على الحجاج ليبايع لعبد الملك لكيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام)!! لأنّه روي عن النبي (ص): (مَن مات، ولا إمام له مات ميتة جاهلية)، وبلغ من احتقار الحجاج له واسترذاله أن أخرج رجله من الفراش، فقال: (أصفق بيدك عليها)[141].

وهذا الذي كان يعجل في بيعة عبد الملك، ويحذر أن ينام ليلة وليس في عنقه بيعة، ويطرق باب الحجاج ليلاً، ليبايع لعبد الملك، فيسفهه الحجاج ويحتقره، فيعطيه رجله، ليصفق عليها؛ هو الذي امتنع عن بيعة أميرالمؤمنين (ع) في المدينة، بعد مقتل عثمان بن عفّان، ورفض أن يقدّم ضامناً على البيعة[142]. وهو الذي كان يدعو أهل المدينة عندما انتفضت المدينة ضد يزيد، إلى الالتزام بالطاعة.

وحج عبد الله بن عمر مع الحجاج (في ركبه)، فعِيب عليه ذلك وعيّر به؛ لما كان يرتكبه الحجاج من الجرائم ويقترفه من دماء المسلمين، ودُعِيَ عبد الله أن ينزع يده عن طاعة الحجاج، فرفض عبد الله ذلك أشدّ الرفض، وغلّظ عليهم الإنكار!! وقال: لا أنزع يداً من طاعة، واحتج إليهم بالحديث الذي تقدم[143].

اتجاهان في النهي عن المنكر

هناك اتجاهان ورأيان في الإنكار على الحكّام الظلمة والطغاة وأئمة الجور:

الاتجاه الأول

الاتجاه الذي يذهب إليه حملة هذا الرأي، وهو الطاعة وحضور الأعياد والجمعات، والتأييد، والانقياد، والاتباع، وتحريم الخروج. يقول الشيخ العنقري: (وأما ما قد يقع من ولاة الأمور، من المعاصي والمخالفات، التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح، من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر، الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر)[144].

أقول: وهيهات أن يرتدع طغاة عصرنا من أمثال أتاتورك وبهلوي وبورقيبة وصدام وطغاة مصر وغيرهم، وهم كثيرون، بأمثال هذه النصائح الرقيقة الوديعة. وهذا هو الاتجاه الأول.

الاتجاه الثاني

والاتجاه الثاني بعكس ذلك؛ يذهب إلى مقارعة أئمة الظلم، والتشنيع عليهم، ورفضهم، والكفر بهم، والنهي عن الركون إليهم، كما أمرنا الله تعالى، ففي خبر جابر عن أبي جعفر الباقر (ع): (فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ‌، وَالْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ،‌ وَصُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ‌، وَلاَ تَخَافُوا فِي اللَّهِ‌ لَوْمَةَ‌ لاَئِمٍ‌)[145].

وفي خبر يحيى الطويل عن أبي عبد الله الصادق (ع): (مَا جَعَلَ‌ اللَّهُ‌ بَسْطَ اللِّسَانِ‌ وَكَفَّ‌ الْيَدِ، وَلَكِنْ‌ جَعَلَهُمَا يُبْسَطَانِ‌ مَعاً وَ يُكَفَّانِ‌ مَعاً)[146].

وخطب أمير المؤمنين الناس بصفّين فقال:

(أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ؛‌ إِنَّهُ‌ مَنْ‌ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ‌ بِهِ‌، وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ‌، فَأَنْكَرَهُ‌ بِقَلْبِهِ‌، فَقَدْ سَلِمَ‌ وَبَرِئَ‌، وَمَنْ‌ أَنْكَرَهُ‌ بِلِسَانِهِ‌، فَقَدْ أُجِرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ‌ مِنْ‌ صَاحِبِهِ‌، وَمَنْ‌ أَنْكَرَهُ‌ بِالسَّيْفِ‌ لِتَكُونَ‌ كَلِمَةُ‌ اللَّهِ‌ هِيَ‌ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ‌ الظَّالِمِينَ‌ السُّفْلَى، فَذَلِكَ‌ الَّذِي أَصَابَ‌ سَبِيلَ‌ الْهُدَى، وَقَامَ‌ عَلَى الطَّرِيقِ‌ وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ‌ الْيَقِين)[147].

\


  • [1].  صحيح مسلم، الباب 13 من أبواب الإمارة، ص942، ح4686/1851.
  • [2].  وقد روى عنه أحمد في ذلك في مسنده: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ). مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، ج11، ص45، ح6501. (من المحقق)
  • [3].  محمد أبو زهرة، تاريخ الجدل، ص277.
  • [4].  علي الشهرستاني، وضوء النبي (ص)، ج1، ص359.
  • [5].  هبة الله اللاكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اعتقاد علي بن المديني، ج1، ص158، ح318.
  • [6].  المقصود كتاب: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة). (من المحقق)
  • [7].  هذا الفصل بعنوان: (سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرنا بعد قرن). هبة الله اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ج1، ص145. (من المحقق)
  • [8].  ما ذكره الشيخ الآصفي هنا هو خلاصة ما نقله اللالكائي عن البخاري في كتابه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)؛ حيث نقل عنه هناك ما خلاصته أن البخاري خلال حياته لقي أكثر من ألف رجل من أهل العلم من أمصار مختلفة وفي أزمنة مختلفة، وكلهم يعتقدون باعتقادات أهل السنة والجماعة، ثم يقوم بتعدادها، ومن جملة هذه الاعتقادات قوله: (أن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي (ص): ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، ثم استشهد بقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)). والملفت أن البخاري يقول بأنه لقي هؤلاء – الأكثر من ألف رجل – كرات قرنا بعد قرن، ثم قرنا بعد قرن… وليس كما جاء في المتن الذي نقله الشيخ الآصفي من أنه لقيهم خلال أكثر من ست وأربعين سنة، فإن اللالكائي لم يأت على ذكر هذه المدة نصّا!!! ولا ندري كم قرنا بقي البخاري على قيد الحياة حتى يلقى هذا العدد قرنا بعد قرن؟! للاطلاع راجع: هبة الله اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ج1، ص162 فما بعد. (من المحقق)
  • [9].  النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، باب وجوب طاعة الأمراء، ج12، ص229.
  • [10]. أحمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، ج13، ص7. ذيل الحديث 7054.
  • [11]. أحمد الإسماعيلي، اعتقاد أئمة أهل الحديث، ص75.
  • [12]. أبو جعفر الطحاوي، العقيدة الطحاوية، رقم (95)، ص24.
  • [13]. صالح آل الشيخ، شرح العقيدة الطحاوية، ج2، ص657.
  • [14]. المصدر نفسه، ص660.
  • [15]. الشورى: 30.
  • [16]. وهذا استدلال غريب، وفهم عجيب لآيات كتاب الله. يقول الراجحي (فإذا أراد الناس أن يدفع عنهم فساد ولاة الأُمور، وأن يصلح الله لهم ولاة الأمر، فليصلحوا أحوالهم. ارجع إلى نفسك، أصلح نفسك، تب إلى ربك، ولاة الأُمور ما سلطوا عليك إلا بسبب معاصيك، كما قال سبحانه وتعالى…).
  • فان معنى هذا الكلام أنّ المريض لا يرجع إلى الطبيب، ويدع المرض يقتله؛ لأن المرض من المصائب التي تدخل في قوله تعالى: <وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ>، وإذا غزى بلادنا الكافر المحتل نصبر عليه، لأن هذا الغزو من المصائب التي تشير إليها آية الشورى: 30، وهي نتيجة كسبنا وذنوبنا.
  • وإذا دخل السارق بيت أحدنا لا نزعجه ولا نخيفه، فإنه مصيبة من تلك المصائب، ونكتفي بإصلاح أنفسنا حتى لا يصيبنا الله تعالى بالسارق والقاتل والمجرم، وإذا وجدنا جهالاً يفتوننا في ديننا، ويفسرون لنا القرآن كما يحبون، فعلينا أن نسكت عنهم؛ لأنهم من مصاديق هذه المصائب… اللهم إنّا نخجل من أن ينسب هذا الكلام إلى دينك شيخ من المشايخ يدعي معرفة وعلماً بالكتاب والسُنّة.
  • [17]. هكذا ورد في النسخة.
  • [18]. صحيح مسلم، الباب 23 من أبواب كتاب الإيمان، ص55، ح101/55.
  • [19]. عبد العزيز الراجحي، شرح العقيدة الطحاوية، ج2، ص71 – 73.
  • [20]. محمد بن عبد الوهاب، مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، الرسالة الأولى، ج7، ص11.
  • [21]. محمد مهدي الآصفي، حوار في التسامح والعنف، ص75.
  • [22]. المصدر نفسه، ص75 – 77.
  • [23]. أحمد الإسماعيلي، اعتقاد أئمة أهل الحديث، ص75.
  • [24]. محمد مهدي الآصفي، حوار في التسامح والعنف، ص77
  • [25]. البقرة: 124.
  • [26]. هود: 113.
  • [27]. محمد جعفر المروّج، منتهى الدراية في توضيح الكفاية، ج3، ص553.
  • [28]. نهج البلاغة، الحكمة: 156، ص438.
  • [29]. ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج3، ص387.
  • [30]. النساء: 60.
  • [31]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ج27، ص136، ح1.
  • [32]. الشعراء: 151 – 152.
  • [33]. الكهف: 28.
  • [34]. الإنسان: 24.
  • [35]. حسين منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص580 فما بعد.
  • [36]. صحيح مسلم، الباب 13 من أبواب كتاب الإمارة، ص941، ح4678/1847م1.
  • [37]. المصدر نفسه، الباب 12 من أبواب كتاب الإمارة، ص940، ح4675/1846.
  • [38]. المصدر نفسه، ح4676/1846 م1.
  • [39]. المصدر نفسه، الباب 8 من أبواب كتاب الإمارة، ص937، ح4664/000.
  • [40]. النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، باب وجوب طاعة الأمراء، ج8، ص34.
  • [41]. صحيح مسلم، الباب 17 من أبواب كتاب الإمارة، ص944، 4697/1855.
  • [42]. المصدر نفسه، الباب 16 من أبواب كتاب الإمارة، ص943، ح4693/1854.
  • [43]. المصدر نفسه، ح4694/1854 م1.
  • [44]. المصدر نفسه، الباب 13 من أبواب كتاب الإمارة، ص942، ح4684/1849 م1.
  • [45]. المصدر نفسه، ح4686/1851.
  • [46]. يعقوب بن إبراهيم (أبو يوسف القاضي)، كتاب الخراج، ص10.
  • [47]. سنن أبي داود، الباب 33 من أبواب كتاب الجهاد، ج3، ص18، ح2533.
  • [48]. سنن الترمذي، الباب 11 من أبواب كتاب الفتن، ج4، ص43، ح2172.
  • [49]. المصدر نفسه، الباب 13 من أبواب كتاب الفتن، ج4، ص45، ح2174.
  • [50]. عبد العظيم المنذري، الترغيب والترهيب، كتاب القضاء وغيره، الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة، ج3، ص135، ح5.
  • [51]. صحيح مسلم، الباب 20 من أبواب الإيمان، ص52، ح82/49.
  • [52]. المصدر نفسه، الباب 53 من أبواب كتاب الإمارة، ص970، ح4847/1923.
  • [53]. المصدر نفسه، ح4846/1922.
  • [54]. سنن أبي داود، باب الأمر والنهي من كتاب الملاحم، ج4، ص121، ح4336.
  • [55]. المصدر نفسه، ص122، ح4338.
  • [56]. المصدر نفسه، ح4339.
  • [57]. سنن ابن ماجة، الباب 1 من أبواب كتاب السنة، ج1، ص6، ح7.
  • [58]. عبد الرحمن السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج2، ص300 – 301.
  • [59]. محمد باقر المحمودي، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام في الإخبار عن سيطرة الأشرار على الأخيار ج2، ص639.
  • [60]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ج16، ص131، ح1.
  • [61]. نهج البلاغة، الحكمة: 366، ص483.
  • [62]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 3 من أبوب الأمر والنهي وما يناسبهما، ج16، ص135، ح12.
  • [63]. حسن بن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص237 – 239.
  • [64]. مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند جابر بن عبد الله الأنصاري، ج22، ص332، ح14441.
  • [65]. المصدر نفسه، مسند حذيفة بن اليمان، ج28، ص295، ح23260.
  • [66]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 38 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ج16، ص260، ح3.
  • [67]. المصدر نفسه، الباب 5 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ج16، ص139، ح6.
  • [68]. المصدر نفسه، الباب 42 من أبواب ما يُتكسب به، ج17، ص178، ح3.
  • [69]. المصدر نفسه، ص178، ح4.
  • [70]. المصدر نفسه، ص179، ح5.
  • [71]. المصدر نفسه، ص179، ح6.
  • [72]. المصدر نفسه، ص180، ح7.
  • [73]. المصدر نفسه، ح8.
  • [74]. المصدر نفسه، ص182، ح17.
  • [75]. المصدر نفسه، ص180، ح11.
  • [76]. أبو نعيم أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة، باب العين، باب من اسمه عمرو، ج3، ص413، ح5090؛ وعلي بن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، حرف العين، تتمة ذكر من اسمه عمرو، ج46، ص51.
  • [77]. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، كتاب الإيمان، ج1، ص151، ح262.
  • [78]. مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي سعيد الخدري، ج17، ص287، ح11192. ورواه أبو يعلى الموصلي بهذا اللفظ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنِّي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ». (مسند أبي يعلى الموصلي، مسند أبي سعيد الخدري، ج2، ص404، ح1178). ورواه بهذا اللفظ تقريبا في: (صحيح ابن حبان، ج1، ص520، ح286).  ورواه: (أبو المعاطي النوري، المسند الجامع لأحاديث الكتب الستة، مسند أبي سعيد الخدري، ج6، ص462، ح4630)
  • [79]. محمد بن أحمد الدولابي، الكنى والأسماء، ج3، ص1047، ح1838؛ وحافظ المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج19، ص161، ح3686.
  • [80]. الديلمي، مسند الفردوس بمأثور الخطاب، ج4، ص42، ح9132.
  • [81]. المصدر نفسه، ج1، ص289، ح1134.
  • [82]. جلال الدين السيوطي، جمع الجوامع (الجامع الكبير)، حرف الميم، ج7، ص456، ح18602.
  • [83]. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، باب ذكر عبد الله بن الحارث بن جزء، ج3، ص734، ح6665.
  • [84]. كذا جاء في جمع الجوامع المعروف بـ (الجامع الكبير) لجلال الدين السيوطي، حرف (ال مع العين)، ج4، ص54، ذيل الحديث: 11393. (من المحقق).
  • [85]. جلال الدين السيوطي، جمع الجوامع (الجامع الكبير)، حرف (ال مع العين)، ج4، ص54، ح11393؛ والديلمي، مسند الفردوس بمأثور الخطاب، ج3، ص75، ح4210. لكن ذكره الديلمي بلفظ: (واخشوهم) بدلا من (واعتزلوهم). (من المحقق).
  • [86]. كذا جاء في جمع الجوامع المعروف بـ (الجامع الكبير) لجلال الدين السيوطي، حرف الميم، ج9، ص8، ذيل الحديث: 21146، وذكر في الهامش رقم (2) أن الحديث روي في مسند الفردوس، لكننا لم نعثر على هذا التخريج في المصدر المذكور في النسخة التي بين أيدينا. (من المحقق)
  • [87]. جلال الدين السيوطي، جمع الجوامع (الجامع الكبير)، حرف الميم، ج9، ص8، ح21146.
  • [88]. كذا جاء في جمع الجوامع المعروف بـ (الجامع الكبير) لجلال الدين السيوطي، حرف الميم، ج10، ص231، ذيل الحديث: 23332.
  • [89]. جلال الدين السيوطي، جمع الجوامع (الجامع الكبير)، حرف الميم، ج10، ص231، ح2332.
  • [90]. ابن حجر الهيتمي، الزواجر عن اقتراف الكبائر، باب الإمامة العظمى (ظلم السلاطين والأمراء والقضاة وغيرهم)، ج2، ص202.
  • [91]. النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، باب وجوب طاعة الأمراء، ج12، ص229.
  • [92]. أحمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، ج13، ص7. ذيل الحديث 7054.
  • [93]. محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص403؛ وابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص159.
  • [94]. عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ج1، ص398 – 399.
  • [95]. المصدر نفسه، ص397 و399.
  • [96]. محمد بن مفلح الحنبلي، كتاب الفروع، ج10، ص180.
  • [97]. المصدر نفسه، ص181.
  • [98]. سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفية، ص103.
  • [99]. الوارد في المصدر بهذا للفظ: وَمِنْ قَامَ لِعَرَضِ دُنْيَا فَقَطْ، كَمَا فَعَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فِي الْقِيَامِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَمَا فَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي الْقِيَامِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ، وَكَمَنْ قَامَ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ، فَهَؤُلَاءِ لَا يُعْذَرُونَ، لِأَنَّهُمْ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ أَصْلًا، وَهُوَ بَغْيٌ مُجَرَّدٌ. (ابن حزم الأندلسي، المحلّى بالآثار، ج11، ص335) (من المحقق)
  • [100].        الوارد في المصدر بهذا اللفظ: وَلَقَدْ أَفْرَطَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَالْكَرَّامِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي الْجُمُودِ عَلَى أَحَادِيثِ الْبَابِ حَتَّى حَكَمُوا بِأَنَّ الْحُسَيْنَ السِّبْطَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَأَرْضَاهُ بَاغٍ عَلَى الْخِمِّيرِ السِّكِّيرِ الْهَاتِكِ لِحُرُمِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ، فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ مَقَالَاتٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وَيَتَصَدَّعُ مِنْ سَمَاعِهَا كُلُّ جُلْمُودٍ. (محمد بن علي الشوكاني، نيل الأوطار، ج7، ص208) (من المحقق)
  • [101].        الوارد في المصدر بهذا اللفظ: ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عُمَّاله وأهل نُصرته، ثم غزو مكّة، ورمي الكعبة، واستباحة المدينة، وقتل الحسين عليه السلام في أكثر أهل بيته مصابيح الظلام، وأوتاد الإسلام؛ بعد الذي أعطى من نفسه… فأبوا إلاَّ قَتْله والنُّزول على حكمهم. وسواء قتل نفسه بيده، أو أسلمها إلى عدوِّه وخيَّر فيها من لا يبرد غليله إلاَّ بُشرْب دمه.
  • فاحسبوا قتله ليس بكفر، وإباحة المدينة وهتك الحُرمة ليس بحجَّة، كيف تقولون في رمْي الكعبة، وهدم البيت الحرام، وقبْلة المسلمين؟ … كيف يُصنع بنَقْر القضيب بين ثَنيَّتي الحسين عليه السلام، وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حواسر على الأقتاب العارية والإبل الصِّعاب… كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين؟ …
  • خبِّرونا على ما تدلُّ هذه القسوة وهذه الغلطة، بعد أن شفوا أنفسهم بقتلهم، ونالوا ما أحبُّوا فيهم؟ أتدلُّ على نصبٍ وسوء رأي وحقدٍ وبغْضاء ونفاق، وعلى يقينٍ مدخول وإيمان ممزوج…؟ فإن كان على ما وصفنا لا يعدو الفسقَ والضَّلالَ – وذلك أدنى منازله – فالفاسق معلونٌ، ومن نهى عن لَعْن الملعون فملعون. (الجاحظ، الرسائل، الرسالة الحادية عشرة، ج2، ص12 – 14) (من المحقق)
  • [102].        الوارد في المصدر بهذا اللفظ: وكان على ما أفتى به الكيا الهراسي من جواز التصريح بلعنه أستاذنا الأعظم الشيخ محمد البكري، تبعا لوالده الأستاذ الشيخ أبي الحسن.
  • وقد رأيت في كلام بعض أتباع أستاذنا المذكور في حق يزيد ما لفظه: زاده اللّه خزيا وضعة، وفي أسفل سجين وضعه. (علي الحلبي، السيرة الحلبية، ج1، ص238) (من المحقق)
  • [103].        محمد بن أحمد الذهبي، سير أعلام النبلاء، سيرة يزيد بن معاوية، ج4، ص37 و40.
  • [104].        محمود بن عبد الله الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج13، ص227 – 229.
  • [105].        محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ج6، ص366 – 368. (ملاحظة: تفسير المنار هذا هو إملاء الشيخ محمد عبده على محمد رشيد رضا الذي كان تلميذا للشيخ محمد عبده). (من المحقق)
  • [106].        غافر: 51.
  • [107].        سيد قطب، في ظلال القرآن، ج5، ص3086.
  • [108].        سبط بن الجوزي، تذكرة الخواص، ص259.
  • [109].        أحمد بن علي الجصاص، أحكام القرآن، ج1، ص86 – 88.
  • [110].        علي الماوردي، الأحكام السلطانية، ص17.
  • [111].        ابن حزم الأندلسي، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج4، ص135.
  • [112].        محمود الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص184.
  • [113].        النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ج12، ص229.
  • [114].        محمد ناصر الدين الألباني، شرح العقيدة الطحاوية، ص381.
  • [115].        محمد عبد الله بن سبيل، الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية، ص28. ملاحظة: قوله: (فإنّه أخف ضرراً، وأيسر خطراً من ضرر الخروج عليهم) لم نجده في المصدر، نعم نقل ابن سبيل في المتن عن الفقهاء ما يفيد هذا المعنى، وربما تكون هذه العبارة من الشيخ الآصفي (رحمه الله) بناء على المعنى المفهوم من الكلام الذي يسوقه عن ابن سبيل في كتابه (الأدلة الشرعية). والأمر سهل والمعنى واضح. (من المحقق)
  • [116].        المصدر نفسه، ص54.
  • [117].        محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص404.
  • [118].        المصدر نفسه، ص403.
  • [119].        هود: 113.
  • [120].        النساء: 60.
  • [121].        الشعراء: 151 – 152.
  • [122].        الإنسان: 24.
  • [123].        مسند الإمام أحمد بن حنبل، حديث عدي بن عميرة الكندي، ج29، ص258، ح17720.
  • [124].        نهج البلاغة، الحكمة: 365، ص483.
  • [125].        نهج البلاغة، الخطبة: 24، من خطبة له عليه السلام وهي كلمة جامعة له، ص32.
  • [126].        هذا المقطع عبارة عن روايتين جمعهما الشيخ (رحمه الله) أو المقرِّر في مقطع واحد، والوارد في المصدر على النحو التالي مع بعض الاختلاف في اللفظ:
  • عَنْ‌ مَسْعَدَةَ‌ بْنِ‌ صَدَقَةَ‌ عَنْ‌ جَعْفَرِ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ (ع) قَالَ:‌ قَالَ‌ رَسُولُ‌ اللَّهِ‌ (ص): (إِنَّ‌ الْمُصِيبَةَ‌ إِذَا عَمِلَ‌ بِهَا الْعَبْدُ سِرّاً، لَمْ‌ تُضِرَّ إِلاَّ عَامِلَهَا، وَإِذَا عَمِلَ‌ بِهَا عَلاَنِيَةً‌ وَلَمْ‌ يُعَيَّرْ عَلَيْهِ‌، أَضَرَّتِ‌ الْعَامَّةَ‌. قَالَ‌ جَعْفَرُ بْنُ‌ مُحَمَّدٍ (ع): (وَذَلِكَ‌ أَنَّهُ‌ يُذِلُّ‌ بِعَمَلِهِ‌ دِينَ‌ اللَّهِ‌، وَيَقْتَدِي بِهِ‌ أَهْلُ‌ عَدَاوَةٍ‌).
  • وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ‌: قَالَ‌ عَلِيٌّ (ع): (أَيُّهَا النَّاسُ‌ إِنَّ‌ اللَّهَ‌ تَعَالَى لاَ يُعَذِّبُ‌ الْعَامَّةَ‌ بِذَنْبِ‌ الْخَاصَّةِ،‌ إِذَا عَمِلَتِ‌ الْخَاصَّةُ‌ بِالْمُنْكَرِ سِرّاً مِنْ‌ غَيْرِ أَنْ‌ تَعْلَمَ‌ الْعَامَّةُ‌، فَإِذَا عَمِلَتِ‌ الْخَاصَّةُ‌ بِالْمُنْكَرِ جِهَاراً، فَلَمْ‌ يُعَيِّرْ ذَلِكَ‌ الْعَامَّةُ‌، اسْتَوْجَبَ‌ الْفَرِيقَانِ‌ الْعُقُوبَةَ‌ مِنَ‌ اللَّهِ‌ تَعَالَى). (الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص261) (من المحقق)
  • [127].        هبة الله اللاكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اعتقاد سفيان بن سعيد الثوري، ج1، ص145، ح314.
  • [128].        المصدر نفسه، اعتقاد علي بن المديني، ج1، ص158، ح318.
  • [129].        محمد ناصر الدين الألباني، شرح العقيدة الطحاوية، ص381.
  • [130].        النساء: 97.
  • [131].        محمد ناصر الدين الألباني، مصدر سابق، ص382.
  • [132].        محمد عبد الله بن سبيل، الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية، ص35.
  • [133].        نهج البلاغة، الخطبة: 3، من خطبة له عليه السلام المعروفة بالشقشقية، ص16.
  • [134].        قد مرّ ذكره سابقا، ونصّ رواية مسلم على النحو التالي: روى مسلم عن زيد بن محمد عن نافع، قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، حين كان من أمر (الحرّة) ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال (عبد الله بن مطيع): اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إنّي لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثاً. سمعت رسول الله (ص) يقول: (مَن خلع يداً من طاعة لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة لا حجة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). (صحيح مسلم، الباب 13 من أبواب الإمارة، ص942، ح4686/1851) (من المحقق)
  • [135].        محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص428.
  • [136].        أحمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، ج13، ص70، ح7111. ملاحظة: قوله (في وقت واحد) لم يرد في المصدر، وإنما إضافة من الشيخ (رحمه الله) بالمعنى كما هو واضح.
  • [137].        المصدر نفسه.
  • [138].        المصدر نفسه.
  • [139].        عباس القمي، سفينة البحار، ج4، ص134؛ وأحمد بن محمد القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، الباب 21 من كتاب التعبير، ج10، ص199.
  • [140].        صحيح مسلم، الباب 20 من أبواب كتاب الإيمان، ص52، ح84/50.
  • [141].        ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص242.
  • [142].        ويقول ابن أبي الحديد فيه: لم يميز بين الميزان والعود بعد طول السن وكثرة التجارب، ولم يميز أيضا بين إمام الرشد وإمام الغي، فإنه امتنع من بيعة علي (ع)، وطرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام، زعم لأنه‏ روي عن النبي (ص) أنه قال: (من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية).
  • وحتى بلغ من احتقار الحجاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش، فقال: (أصفق بيدك عليها)، فذلك تمييزه بين الميزان والعود… (المصدر نفسه). (من المحقق)
  • [143].        لم نعثر على مصدره.
  • [144].        مجموعة من المؤلفين، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ج9، ص119 و193.
  • ملاحظة: هذا الكتاب هو عبارة عن رسالة لمجموعة من علماء نَجْد الذين عاصروا الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا ومنهم العنقري، وهم: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، سعد بن حمد بن عتيق، عبد الله بن عبد العزيز العنقري، عمر بن محمد بن سليم. قام بجمعه عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. (من المحقق)
  • [145].        الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ج16، ص131، ح1.
  • [146].        المصدر نفسه، ح2.
  • [147].        نهج البلاغة، الحكمة: 365، ص482.
المصدر
كتاب فصول المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى