مواضيع

فقه المقاومة

وسوف أتحدث أولاً عن فقه المقاومة والأدلة من الكتاب والسنّة الشريفة على وجوب مقاومة الحكام الظلمة المفسدين في الأرض.

وقبل أن ندخل في تفاصيل البحث عن فقه المقاومة أذكر طائفة من كلمات الفقهاء في هذه المسألة:

1. كلمات الفقهاء

يقول المحقق الشيخ أحمد النراقي (رحمه الله) في موسوعته الفقهية (مستند الشيعة):

(تحرم معونة الظالمين في ظلمهم؛ بل في مطلق الحرام بالثلاثة، قال الله سبحانه: <وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ>[1]، وقال تعالى: <وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ>[2]، والركون المحرم هو الميل القليل، فكيف بالإعانة؟!)[3].

ويقول الفقيه المعروف الشيخ محمد حسن النجفي في موسوعته الفقهية القيّمة (جواهر الكلام):

(النهي عن إعانة الظالمين على معنى أن المحرم إعانتهم على مظالمهم ونحوها مما هو حرام في نفسه)[4].

وقال السيد الإمام الخميني (ق) في تحرير الوسيلة:

(معونة الظالمين في ظلمهم؛ بل في كل محرم حرام بلا إشكال؛ بل ورد عن النبي (ص) أنه قال: «مَنْ‌ مَشَى إِلَى ظَالِمٍ‌ لِيُعِينَهُ‌ وَهُوَ يَعْلَمُ‌ أَنَّهُ‌ ظَالِمٌ‌، فَقَدْ خَرَجَ‌ مِنَ‌ اَلْإِسْلاَم»[5].

وعنه (ص): «إِذَا كَانَ‌ يَوْمُ‌ الْقِيَامَةِ،‌ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ‌ الظَّلَمَةُ‌ وَأَعْوَانُ‌ الظَّلَمَةِ‌ وَأَشْبَاهُ‌ الظَّلَمَةِ‌ حَتَّى مَنْ‌ بَرَى لَهُمْ‌ قَلَماً وَلاَقَ‌ لَهُمْ‌ دَوَاةً‌؟ قَالَ‌: فَيَجْتَمِعُونَ‌ فِي تَابُوتٍ‌ مِنْ‌ حَدِيدٍ، ثُمَّ‌ يُرْمَى بِهِمْ‌ فِي جَهَنَّم»[6].

وأما معونتهم في غير المحرمات، فالظاهر جوازها ما لم يُعدّ من أعوانهم وحواشيهم المنسوبين إليهم، ولم يكن اسمه مقيدا في دفترهم وديوانهم، ولم يكن ذلك موجباً لازدياد شوكتهم وقوتهم)[7].

وقال أُستاذنا الفقيه السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) في كتاب مصباح الفقاهة:

(ما هو حكم معونة الظالمين؟ وما هو حكم أعوان الظلمة؟ وما هو حكم إعانتهم في غير جهة الظلم من الأمور السائغة كالبناية والنجارة والخياطة ونحوها؟

أما معونة الظالمين في ظلمهم، فالظاهر أنها غير جائزة، بلا خلاف بين المسلمين قاطبة؛ بل بين عقلاء العالم؛ بل التزم جمع كثير من الخاصة والعامة بحرمة الإعانة على مطلق الحرام، وحرمة مقدماته…

وأمّا دخول الإنسان في أعوان الظلمة، فلا شبهة أيضا في حرمته. ويدل عليها جميع ما دل على حرمة معونة الظالمين في ظلمهم، وغير ذلك من الأخبار الناهية عن الدخول في حزبهم وتسويد الاسم في ديوانهم.

وأما إعانة الظالمين في غير جهة ظلمهم بالأمور السائغة؛ كالبناية والخبازة ونحوهما فلا بأس بها؛ سواء أ كان ذلك مع الأجرة أم بدونها، بشرط أن لا يُعدّ بذلك من أعوان الظلمة عرفا، وإلا كانت محرمة كما عرفت…

والحاصل: أن المحرم من العمل للظلمة على قسمين:

الأول: إعانتهم على الظلم.

والثاني: صيرورة الإنسان من أعوانهم، بحيث يُعدّ في العرف من المنسوبين إليهم، بأن يقال: هذا كاتب الظالم، وهذا معماره، وذاك خازنه. وقد عرفت حرمة كلا القسمين بالأدلة المتقدمة. وأما غير ذلك فلا دليل على حرمته)[8].

2. المباني الفقهية للمقاومة

أ. وجوب جهاد الطاغوت في القرآن

الآية الأولى: آية الأمر بالكفر بالطاغوت

يقول تعالى: <يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ>[9].

مَن هو الطاغوت؟

ورد في تفسير كلمة (الطاغوت) في شأن نزول الآية:

(كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فكان المنافق يدعو إلى اليهود؛ لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين؛ لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فيه هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ حتى بلغ: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، فذكر نحوه، وزاد فيه: فأنزل الله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، يعني المنافقين، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يعني اليهود، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ، يقول: إلى الكاهن‏)[10].

وأخرج الثعلبي وابن أبي حاتم عن طريق ابن عباس: (أن رجلا من المنافقين يقال له بشر خاصم يهوديا، فدعاه اليهودي إلى النبي (ص)، ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف… والطاغوت على هذا كعب بن الأشرف)[11].

الطاغوت من الطغيان على الله ورسوله

يقول الآلوسي: (وإطلاقه عليه – أي على كعب بن الأشرف – حقيقة بمعنى كثير الطغيان)[12].

ويقول أبو السعود في تفسير الآية: (الطاغوت كعب بن الأشرف، سمي به لإفراطه في الطغيان وعداوة الرسول)[13].

ويقول السيوطي في (الدر المنثور): (الطاغوت رجل من اليهود كان يقال له كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم، قالوا: بل نحاكمهم إلى كعب، فذلك قوله: <يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوت‏>)[14].

الكفر بالطاغوت

ومعنى الكفر بالطاغوت: إعلان البراءة من الطاغوت ورفضه وجحوده.

يقول الراغب في المفردات: (ولمّا كان الكفران يقتضي جحود النّعمة صار يستعمل في الجحود، قال: <وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ>‏ [البقرة/ 41] أي: جاحد له وساتر… وقد يعبّر عن التّبرّي بالكفر؛ نحو: <ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ …> [العنكبوت/ 25]، وقوله تعالى: <إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ‏> [إبراهيم/ 22]، ويقال: كَفَرَ فلان بالشّيطان: … إذا آمن وخالف الشّيطان، كقوله: <فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ>‏ [البقرة/ 256])[15].

إذًا؛ الكفر هنا بمعنى الرفض والإنكار والجحود والتبرّي من الطاغوت، وهو لا يتحقّق بمجرد الإعراض والإنكار القلبي، وإنما بالمجابهة ومواجهة الطاغوت، كما يقول السيد الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير الميزان[16].

وقد ورد التعبير عن هذه الحالة في سورة النحل بالاجتناب عن الطاغوت، في قوله تعالى:

<وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أمَّةٍ رَسُولاً أنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ>[17]، والاجتناب أن يعزل المسلم موقعه وحسابه عن موقع الطاغوت وصفّه ونظامه ونفوذه، ويعلن انفصاله عن الطاغوت وبراءته منه.

عبادة الطاغوت

وفي مقابل (الكفر) بالطاغوت وإعلان البراءة منه و(اجتنابه)، يأتي مفهوم (عبادة) الطاغوت، وعبادته هي طاعته، يقول تعالى: <وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أن يَعْبُدُوهَا وَأنَابُوا إلَى اللهِ لَهُمُ البُشْرَى>[18].

وعبادة الطاغوت: طاعته والانقياد إليه.

وقد ورد في (تفسير علي بن إبراهيم): (مَنْ أَطَاعَ جَبَّاراً فَقَدْ عَبَدَهُ)[19].

وعن الإمام الصادق (ع): (مرّ عيسى بن مريم على قرية قد مات أهلها فأحيى أحدهم، وقال له: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت وحب الدنيا. قال: كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل المعاصي)[20].

إذًا؛ قد حرم الله تعالى على عباده قبول التحاكم إلى الطاغوت والركون إليه، وأمر بالتبرّي عنه واجتنابه، في حق أو باطل، فإن الركون إليه وطاعته حتى في غير معصية الله إسناد ودعم له، وتمكينه من رقاب المسلمين.

وقد ورد عَنْ‌ عُمَرَ بْنِ‌ حَنْظَلَةَ‌ قَالَ‌: سَأَلْتُ‌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع) عَنْ‌ رَجُلَيْنِ‌ مِنْ‌ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ‌ فِي دَيْنٍ‌ أَوْ مِيرَاثٍ‌، فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ‌ وَإِلَى الْقُضَاةِ‌، أَ يَحِلُّ‌ ذَلِكَ؟‌

قَالَ:‌ (مَنْ‌ تَحَاكَمَ‌ إِلَيْهِمْ‌ فِي حَقٍّ‌ أَوْ بَاطِلٍ‌، فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ‌ إِلَى الطَّاغُوتِ،‌ وَمَا يُحْكَمُ‌ لَهُ‌ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَإِنْ‌ كَانَ‌ حَقّاً ثَابِتا لَهُ‌؛ لِأَنَّهُ‌ أَخَذَهُ‌ بِحُكْمِ‌ الطَّاغُوتِ‌ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ‌ أَنْ‌ يُكْفَرَ بِهِ‌، قَالَ‌ اللَّهُ‌ تَعَالَى: <يُرِيدُونَ‌ أَنْ‌ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ‌ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ‌ يَكْفُرُوا بِه>)[21].

الآية الثانية: آية النهي عن الركون إلى الظالمين

يقول تعالى: <وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ>[22]. والركون، كما يقول أئمة اللغة: الإدهان[23]، الحب، المودة، الطاعة، الرضا، الميل، الاستعانة، الدنو[24].

يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية: (أركنه إذا أماله، والنهي يتناول الانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم، ومجالستهم، وزيارتهم، ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيّي بزيهم، ومدّ العين إلى زهوتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. وحكي أن الموفق صلى خلف الإمام، فقرأ بهذه الآية: <وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ> فغشي عليه، فلما أفاق، قيل له: هذا فيمن ركن إلى مَن ظلم، فكيف بالظالم)[25].

ويقول القرطبي في تفسير الآية: <وَلا تَرْكَنُوا>: (الركون حقيقةً الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه: لا تودّونهم ولا تطيعوهم. ابن جريح: لا تميلوا إليهم. أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم. وكله متقارب. وقال ابن زيد: الركون هو الإدهان (المصانعة))[26].

ويقول في تفسير <الَّذِينَ ظَلَمُوا>: (قيل: أهل الشرك. وقيل: عامّة (الذين ظلموا) وفيهم وفي العصاة، على نحو قوله تعالى: <وَإذَا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا> وقد تقدم، وهذا هو الصحيح في معنى الآية، وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم)[27].

وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: <وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا> عن ابن عباس: (لا تداهنوا… قال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم. وقال ابن جرير عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا. وهذا القول حسن: أي لا تستعينوا بالظلمة، فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم <فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ>)[28].

ويقول السيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) في تفسير هذه الآية: <وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا>: (لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا، إلى الجبارين الطغاة، الظالمين، أصحاب القوة في الأرض، الذين يقهرون العباد بقوتهم، ويعبّدونهم لغير الله من العبيد… لا تركنوا إليهم، فإن ركونكم إليهم، يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه، ومشاركتهم إثم، ذلك المنكر الكبير)[29].

هذا هو طرف من كلمات المفسرين في تفسير النهي عن الركون إلى الظالمين: لا تميلوا إليهم، ولا تسكنوا إليهم، ولا تستعينوا بهم، ولا ترضوا بأفعالهم، ولا تصانعوهم، ولا توادوهم، ولا تطيعوهم، ولا ترضوا بهم، ولا تقروهم.

والظالمون هم العصاة… فإذا كان كل ذلك حراماً بصريح كتاب الله، فكيف يجوز الإقرار بسيادتهم وولايتهم، وقبول حاكميتهم، والانتظام في جماعتهم؟!

والله تعالى يقول: <وَلا تُطِيعُوا أمْرَ الْمُسْرِفِينَ 151 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ>[30].

ويقول أيضا: <فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أوْ كَفُوراً>[31].

ب. وجوب جهاد الطغاة في الأحاديث

والروايات بهذا المعنى كثيرة، نذكر طرفاً منها على سبيل الاستشهاد:

روى ثقة الإسلام الكليني بسنده إلى جابر عن أبي جعفر (ع) (في حديث) قال: (فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ‌، وَالْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ‌، وَصُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ‌، وَلاَ تَخَافُوا فِي اللَّهِ‌ لَوْمَةَ‌ لاَئِمٍ،‌ فَإِنِ‌ اتَّعَظُوا وَإِلَى الْحَقِّ‌ رَجَعُوا، فَلاَ سَبِيلَ‌ عَلَيْهِمْ‌: «إِنَّمَا السَّبِيلُ‌ عَلَى الَّذِينَ‌ يَظْلِمُونَ‌ النّٰاسَ‌ وَيَبْغُونَ‌ فِي الْأَرْضِ‌ بِغَيْرِ الْحَقِّ‌ أُولٰئِكَ‌ لَهُمْ‌ عَذٰابٌ‌ أَلِيمٌ‌»، هُنَالِكَ‌ فَجَاهِدُوهُمْ‌ بِأَبْدَانِكُمْ‌، وَأَبْغِضُوهُمْ‌ بِقُلُوبِكُمْ‌ غَيْرَ طَالِبِينَ‌ سُلْطَانا)[32].

والشاهد في هذه الرواية قوله (ع): (إِنَّمَا السَّبِيلُ‌ عَلَى الَّذِينَ‌ يَظْلِمُونَ‌ النّٰاسَ‌ وَيَبْغُونَ‌ فِي الْأَرْضِ‌ بِغَيْرِ الْحَقِّ‌ أُولٰئِكَ‌ لَهُمْ‌ عَذٰابٌ‌ أَلِيمٌ‌، هُنَالِكَ‌ فَجَاهِدُوهُمْ‌ بِأَبْدَانِكُمْ‌).

وفي الصحيح عَنْ‌ يَحْيَى بْنِ‌ الطَّوِيلِ‌ عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ (ع)، قَالَ‌: (مَا جَعَلَ‌ اللَّهُ‌ عَزَّ وَجَلَّ‌ بَسْطَ اللِّسَانِ‌ وَكَفَّ‌ الْيَدِ، وَلَكِنْ‌ جَعَلَهُمَا يُبْسَطَانِ‌ مَعاً، وَيُكَفَّانِ‌ مَعاً)[33].

وروى الشريف الرضي (رضوان الله عليه) في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي (ع) أنّه قال في (صفين): (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ؛‌ إِنَّهُ‌ مَنْ‌ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ‌ بِهِ‌، وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ‌، فَأَنْكَرَهُ‌ بِقَلْبِهِ‌، فَقَدْ سَلِمَ‌ وَبَرِئَ‌، وَمَنْ‌ أَنْكَرَهُ‌ بِلِسَانِهِ‌، فَقَدْ أُجِرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ‌ مِنْ‌ صَاحِبِهِ‌، وَمَنْ‌ أَنْكَرَهُ‌ بِالسَّيْفِ‌ لِتَكُونَ‌ كَلِمَةُ‌ اللَّهِ‌ هِيَ‌ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ‌ الظَّالِمِينَ‌ السُّفْلَى، فَذَلِكَ‌ الَّذِي أَصَابَ‌ سَبِيلَ‌ الْهُدَى، وَقَامَ‌ عَلَى الطَّرِيقِ‌ وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ‌ الْيَقِين)[34].

والروايات بهذا المضمون كثيرة بالغة حد التواتر، لا تحوجنا إلى المراجعة إلى أسنادها.

ونختمها برواية السبط الشهيد الحسين بن علي (عليهم السلام) عن جدّه رسول الله (ص)، وذلك في منطقة البيضة – كما يقول المؤرخون – حيث خطب في كتيبة الحرّ بن يزيد التميمي قائلاً: (أيّها الناس؛ إنَّ رسول الله (ص) قال: مَن رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله)[35].

جـ. وجوب جهاد الطغاة في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)

وأوضح شيء في ذلك سيرة الحسين (ع) تجاه طاغوت زمانه؛ حيث خرج (ع) وقاتله بنفسه وأولاده وأهل بيته والصفوة من أصحابه (رضي الله عنهم).

وخطب في كربلاء في الناس وفي أصحابه، فقال (ع): (ألا ترون إلى الحق لا يعمل، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برما)[36].

ولمّا طالب مروانُ الحسينَ (ع) بالبيعة ليزيد بعد هلاك معاوية، قال له الحسين (ع): (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، وَعَلَى الْإِسْلَامِ السَّلَامُ؛ إِذْ قَدْ بُلِيَتِ الْأُمَّةُ بِرَاعٍ مِثْلِ يَزِيدَ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: الْخِلَافَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آلِ أَبِي سُفْيَان)‏[37].وقال في كربلاء لما طالبوه بالبيعة ليزيد: (َوَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الذَّلِيل‏)[38].


  • [1].  المائدة: 2.
  • [2].  هود: 113.
  • [3].  أحمد النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج14، ص152 – 153.
  • [4].  محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج22، ص52.
  • [5].  الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 41 من أبواب ما يُكتسب به، ج17، ص182، ح15.
  • [6].  المصدر نفسه، ح16.
  • [7].  روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، ج1، ص529.
  • [8].  أبو القاسم الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي، ج35، ص649- 654.
  • [9].  النساء: 60.
  • [10]. محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، ج5، ص97.
  • [11]. محمود بن عبد الله الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج3، ص65.
  • [12]. المصدر نفسه، ص66.
  • [13]. محمد بن محمد أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، ج2، ص194.
  • [14]. عبد الرحمن السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج2، ص179.
  • [15]. الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص714 – 716.
  • [16]. محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج17، ص249.
  • [17]. النحل: 36.
  • [18]. الزمر: 17.
  • [19]. عبد علي الحويزي، تفسير نور الثقلين، ج4، ص481؛ الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج8، ص770.
  • [20]. الوارد في كتب الحديث بهذا اللفظ: عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌، قَالَ‌: مَرَّ عِيسَى ابْنُ‌ مَرْيَمَ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ عَلَى قَرْيَةٍ‌ قَدْ مَاتَ‌ أَهْلُهَا وَطَيْرُهَا وَدَوَابُّهَا… فَقَالَ:‌ وَيْحَكُمْ‌ مَا كَانَتْ‌ أَعْمَالُكُمْ‌؟ قَالَ‌: عِبَادَةُ‌ الطَّاغُوتِ‌ وَحُبُّ‌ الدُّنْيَا مَعَ‌ خَوْفٍ‌ قَلِيلٍ‌ وَأَمَلٍ‌ بَعِيدٍ وَغَفْلَةٍ‌ فِي لَهْوٍ وَلَعِب… قَالَ:‌ كَيْفَ‌ كَانَتْ‌ عِبَادَتُكُمْ‌ لِلطَّاغُوتِ‌؟ قَالَ:‌ الطَّاعَةُ‌ لِأَهْلِ‌ الْمَعَاصِي. (محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج2، ص318، ح11) (من المحقق)
  • [21]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ج27، ص136، ح1.
  • [22]. هود: 113.
  • [23]. الإدهان: المصانعة.
  • [24]. المحيط في اللغة، مادة: ركن.
  • [25]. محمود بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج2، ص433.
  • [26]. محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج9، ص108.
  • [27]. المصدر نفسه.
  • [28]. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج4، ص303 – 304.
  • [29]. سيد قطب، في ظلال القرآن، ج4، ص1931 – 1932.
  • [30]. الشعراء: 151 – 152.
  • [31]. الإنسان: 24.
  • [32]. محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج5، ص56، ح1.
  • [33]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 61 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص142، ح1.
  • [34]. نهج البلاغة، الحكمة: 365، ص482.
  • [35]. محمد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ص211.
  • [36]. عباس القمي، منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، ج1، ص613.
  • [37]. علي بن طاوس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص24.
  • [38]. ابن شهر آشوب، المناقب، ج4، ص68.
المصدر
كتاب فصول المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى