مواضيع

أقسام المقاومة

قلت: إنّ عصرنا يشهد تنامي حركتين للمقاومة: المقاومة الداخلية والمقاومة الخارجية.

المقاومة الداخلية في مواجهة الأنظمة الفاسدة والظالمة التي تمارس تسلطها على أقاليم العالم الإسلامي بالعنف والإرهاب والاضطهاد.

والمقاومة الخارجية في مواجهة الاحتلال، وقد شهدنا في القرن الميلادي المنصرم وبدايات القرن الجديد ألواناً ونماذج شتى من الاحتلال؛ كالاحتلال الانجليزي، والإيطالي، والصهيوني، والبرتغالي، والسوفيتي، والروسي، والأمريكي، وغيرها…

ولكلٍّ من هاتين المقاومتين مبانيها الفقهية الخاصة بها.

أما المباني الفقهية للمقاومة الداخلية من الكتاب والسنة، فهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعلى مراتبهما التغيير باليد، وهو معنى المقاومة.

وأدنى مراتبهما كراهية الظالم والسخط عليه، وعدم الرضا به، وعدم الركون إليه، وهو معنى المعارضة السياسية.

وأوسط مراتبهما المقاطعة السياسية والإدارية والاقتصادية للنظام الفاسد الظالم، والتشهير بالظالم وتسقيطه، وتشتيت الناس من حوله، وعزله اجتماعياً وسياسياً، وهي مرحلة بين المقاومة والمعارضة السياسية.

وأما المباني الفقهية لمقاومة الاحتلال الكافر من الكتاب والسنة، فهي آية القتال من سورة النساء: (75)[1]، وآيات أخرى من كتاب الله، والأحاديث الكثيرة عن رسول الله (ص) وأهل بيته (عليهم السلام) من طرق الفريقين في وجوب الدفاع عن بيضة الإسلام عندما تتعرض بلاد المسلمين للعدوان الأجنبي، وهي روايات كثيرة في وجوب الدفاع، وإغاثة المسلمين ونصرتهم ومقاومة قوات الكفر من موقع الدفاع عن بلاد المسلمين.

ومن مباني هذه المسألة إجماع المسلمين، بلا استثناء في وجوب الدفاع، وإذا كان لبعض الطوائف الإسلامية شبهة أو تشكيك في وجوب أو جواز مقاومة الحاكم المسلم الظالم، فليس هناك في المذاهب الإسلامية مذهب فقهي يُقرّ وجود الاحتلال الكافر في بلاد المسلمين ويحرّم الدفاع، بالتأكيد.

ومن المباني الفقهية لهذه المسألة حكم العقل القطعي بوجوب الدفاع، وتقبيح العقل للاستسلام للظالم مع القدرة على دفعه.

وفي هذه الدراسة سوف نتوفر إن شاء الله على دراسة المباني الفقهية للمقاومة في مواجهة ومقارعة الاحتلال الكافر وقواته في بلاد المسلمين.

وأما المباني الفقهية لمواجهة الاستبداد السياسي والأنظمة الظالمة الفاسدة في العالم الإسلامي، فقد تقدمت في الفصل الثاني من هذه الرسالة تحت عنوان (مقاومة الحكومات الظالمة).

وقبل أن نختم هذه المقدمة، وندخل صلب البحث عن المباني الفقهية للمقاومة، لابدّ أن نشير إلى أننا لا نقصد بالمقاومة الحركات الإرهابية التي تجري هنا وهناك في العراق وفي الباكستان وأفغانستان وغيرها، التي تستبيح قتل الأبرياء، وتفجير المساجد على المصلين، والمستشفيات على المرضى، والأسواق والشوارع على المارة وأصحاب المحلات والباعة الأبرياء وتفجير المدارس على أطفال المسلمين الأبرياء…

فإنّ هذه الحركات ليست من المقاومة في شيء، وهي تضرّ أضعاف أضعاف ما تنفع، وتُقدّم للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام في تكفير المسلمين بعضهم لبعض واستباحة دمائهم.

وقد أعلن رسول الله (ص) في حجة الوداع، للمسلمين جميعاً، حرمة دماء المسلمين وأموالهم في حديث اتفق فقهاء المسلمين جميعاً، من غير استثناء، على روايته عن رسول الله (ص)؛ حيث قال على ملأ من المسلمين في منى في حجة الوداع:

أَيُّهَا النَّاسُ‌ اسْمَعُوا مَا أَقُولُ‌ لَكُمْ‌، وَاعْقِلُوهُ‌، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَلْقَاكُمْ‌ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ‌ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا.

ثُمَّ‌ قَالَ:‌ أَيُّ‌ يَوْمٍ‌ أَعْظَمُ‌ حُرْمَةً‌؟

قَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ‌.

قَالَ:‌ فَأَيُّ‌ شَهْرٍ أَعْظَمُ‌ حُرْمَةً‌؟

قَالُوا هَذَا الشَّهْرُ.

قَالَ:‌ فَأَيُّ‌ بَلْدَةٍ‌ أَعْظَمُ‌ حُرْمَةً‌؟

قَالُوا: هَذِهِ‌ الْبَلْدَةُ‌.

قَالَ:‌ فَإِنَّ‌ دِمَاءَكُمْ‌ وَأَمْوَالَكُمْ‌ عَلَيْكُمْ‌ حَرَامٌ‌ كَحُرْمَةِ‌ يَوْمِكُمْ‌ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ‌ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ‌ هَذَا إِلَى يَوْمِ‌ تَلْقَوْنَهُ‌، فَيَسْأَلُكُمْ‌ عَنْ‌ أَعْمَالِكُمْ‌.

أَلاَ هَلْ‌ بَلَّغْتُ‌؟

قَالُوا: نَعَمْ‌.

قَالَ‌: اَللَّهُمَّ‌ اشْهَد[2].

وقد أطبق فقهاء المسلمين على رواية هذا الخطاب عن رسول الله (ص)، ولم يشذ أحد من الفقهاء عن قبول هذا الخطاب النبوي والعمل به.

وإليك الآن إن شاء الله دراسة موجزة للمباني الفقهية لمقاومة الاحتلال الكافر لبلاد المسلمين.


  • [1].  قوله تعالى: <وَمٰا لَكُمْ لاٰ تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَالنِّسٰاءِ وَالْوِلْدٰانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظّٰالِمِ أَهْلُهٰا وَاجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً>.
  • [2].  الصدوق، من لا يحضره الفقيه، باب تحريم الدماء والأموال بغير حقها، ج4، ص92، ح5151.
المصدر
كتاب فصول المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى