المباني الفقهية للمقاومة

جدول المحتويات
بإمكاننا أن نصنّف الأدلة الفقهية على وجوب المقاومة المسلحة إلى أربعة أصناف:
1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، وسنة أهل بيته (عليهم السلام)، التي هي امتداد لسنة رسول الله (ص).
3 ـ الإجماع.
4 ـ الدليل العقلي.
وسوف نستعرض هذه الأدلة من خلال المناهج الفقهية لعموم المذاهب الإسلامية؛ أعني: مدرسة أهل البيت (ع)، ومدرسة الخلفاء.
أما الدليل العقلي، فالاحتجاج به يختص بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؛ لأن المدارس الفقهية السنية لا تحتج بالدليل العقلي.
أولا: كلمات الفقهاء
قبل أن ندخل في تفصيل البحث عن أدلة وجوب الدفاع أو (المقاومة المسلحة) تجاه العدو الذي يداهم بلاد المسلمين، نستعرض بعض كلمات الفقهاء في حكم الدفاع (المقاومة) وشروطه، ثم نبحث عن أدلة وجوبه من الكتاب والسنة.
1. في فقه أهل البيت (عليهم السلام):
يقول الشيخ الطوسي في النهاية، في بيان عدم جواز القتال إلى جانب الحاكم الظالم:
(اللهم إلاّ أن يدهم المسلمين أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام ويخشى بواره، أو يخاف على قوم منهم، وجب حينئذ أيضا جهادهم ودفاعهم. غير أنه يقصد المجاهد ـ والحال على ما وصفناه ـ الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين، ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر)[1].
ويقول ابن إدريس في السرائر:
(اللهم إلاّ أن يدهم المسلمين ـ والعياذ بالله ـ أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام ويخشى بواره، وبيضة الإسلام مجتمع الإسلام وأصله، أو يخاف على قوم منهم، وجب حينئذ أيضاً جهادهم ودفاعهم، غير أنه يقصد المجاهد، والحال ما وصفناه، الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين)[2].
ويقول العلامة الحلي أيضا في تذكرة الفقهاء:
(ومتى قتل المرابط كان شهيداً)[3].
وقتال المرابط من موقع الدفاع عادة، فيكون من الجهاد الدفاعي.
ويقول الشهيد الأول في الدروس:
(إلاّ أن يخاف على بيضة الإسلام وهي أصله ومجتمعه من الاصطلام أو يخاف من اصطلام قوم من المسلمين فيجب على من يليهم الدفاع عنهم)[4].
ويقول المحقق الأردبيلي في (زبدة البيان) في تفسير قوله تعالى: <اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ>[5]:
(يدخل فيه الدفاع النفسي والذبّ عن الدين)[6].
ويقول الفقيه النجفي في موسوعته الفقهية الكبيرة (جواهر الكلام):
(ولو بدأ العدو بالقتال وجب وكان جهاداً واجباً من غير حاجة إلى إذن الإمام (ع))[7].
ثم يوضح (رحمه الله): إن الشروط التي يذكرها الفقهاء في الجهاد، من أمر الإمام العادل أو إذنه، يختص بالجهاد الابتدائي في الدعوة إلى الإسلام. أما في الجهاد الدفاعي، فلا يلزم شيء من ذلك، ويجب من دون شرط إذنِ الإمام العادل…[8].
ثم يقول (رحمه الله): إن الدفاع من أقسام الجهاد، ويدخل في إطلاقات الجهاد، والمقتول فيه شهيد شرعاً، ولا يغسّل ولا يكفّن[9]. وإليك نصّ كلامه:
يقول (رحمه الله): (بل ظاهر غير واحد كون الدفاع عن بيضة الإسلام مع هجوم العدو ولو في زمان الغيبة من الجهاد؛ لإطلاق الأدلة، واختصاص النواهي بالجهاد ابتداءً للدعاء إلى الإسلام من دون إمام عادل، أو منصوبه، بخلاف المفروض الذي هو من الجهاد من دون اشتراط حضور الإمام ولا منصوبه ولا إذنهما في زمن بسط اليد، والأصل بقاؤه على حاله، واحتمال عدم كونه جهاداً حتى في ذلك الوقت مخالف لإطلاق الأدلة)[10].
ويقول في موضع آخر:
(الجهاد أعم كما يشعر به تقسيمهم إياه إلى الابتدائي وإليه، بل قد تقدم في كتاب الطهارة تصريح جماعة بكون المقتول فيه شهيداً، كالمقتول بين يدي الإمام (ع)، فلا يغسّل ولا يكفّن)[11].
ويقول أيضا في أقسام الجهاد:
(والثاني: أن يدهم المسلمين عدو من الكفار يخشى منه على البيضة، أو يريد الاستيلاء على بلادهم وأسرهم وسبيهم وأخذ أموالهم. وهذا واجب على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والسليم والمريض، والأعمى والأعرج، وغيرهم، إن احتيج إليهم، ولا يتوقف على حضور الإمام (ع)، ولا إذنه، ولا يختص بمن قصدوه من المسلمين)[12].
ويقول أيضاً:
(وقد تجب المحاربة على وجه الدفع من دون وجود الإمام (ع) ولا منصوبه كأن يكون بين قوم يغشاهم عدو يخشى منه على بيضة الإسلام، أو يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم وأخذ مالهم، أو يكون بين أهل الحرب فضلاً عن غيرهم ويغشاهم عدو يخشى منه على نفسه فيساعدهم دفعاً عن نفسه.
قال طلحة بن زيد: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل دخل أرض الحرب بأمان، فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون، قال: على المسلم أن يمنع عن نفسه، ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله، وأما أن يقاتل على حكم الجور ودينهم، فلا يحل له ذلك[13].
…فهو حينئذ ليس إلاّ دفاعاً مستفاداً من النصوص المزبورة وغيرها، بل هو كالضروري)[14].
ويضيف أيضا:
(وكذا؛ يجب الدفاع على كل من خشي على نفسه مطلقاً أو ماله أو عرضه أو نفس مؤمنة أو مال محترم أو عرض كذلك، إذا غلب ظن السلامة، كما أشبعنا الكلام في كتاب الحدود فلاحظ)[15].
ويقول في حكم هذا النوع من الجهاد (الدفاعي):
(ويتأكد وجوبه على الأقربين فالأقربين)[16].
يقول الإمام الخميني (ق) في تحرير الوسيلة في باب الدفاع:
(مسألة 1): لو غشي بلادَ المسلمين أو ثغورها عدوٌّ يُخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم، يجب عليهم الدفاع عنها بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال و النفوس.
(مسألة 2): لا يشترط ذلك بحضور الإمام (ع) وإذنه، ولا إذن نائبه الخاصّ أو العامّ، فيجب الدفاع على كلّ مكلّف بأيّة وسيلة بلا قيد وشرط.
(مسألة 3): لو خيف على زيادة الاستيلاء على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك وأخذ بلادهم أو أسرهم، وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة.
(مسألة 4): لو خيف على حوزة الإسلام من الاستيلاء السياسي والاقتصادي، المنجرّ إلى أسرهم السياسي والاقتصادي ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم، يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات المنفية، كترك شراء أمتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقاً.
(مسألة 5): لو كان في المراودات التجارية وغيرها مخافة على حوزة الإسلام وبلاد المسلمين من استيلاء الأجانب عليها سياسياً أو غيرها – الموجب لاستعمارهم أو استعمار بلادهم ولو معنوياً – يجب على كافّة المسلمين التجنّب عنها، وتحرم تلك المراودات.
(مسألة 6): لو كانت الروابط السياسية بين الدول الإسلامية والأجانب، موجبةً لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم، أو موجبة لأسرهم السياسي، يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات، وبطلت عقودها، ويجب على المسلمين إرشادهم وإلزامهم بتركها ولو بالمقاومات المنفية.
(مسألة 7): لو خيف على إحدى الدول الإسلامية من هجمة الأجانب، يجب على جميع الدول الإسلامية الدفاع عنها بأيّ وسيلة ممكنة، كما يجب على سائر المسلمين.
(مسألة 8): لو أوقع إحدى الدول الإسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الإسلام والمسلمين، يجب على سائر الدول الجدّ على حلّ عقدها بوسائل سياسية أو اقتصادية، كقطع الروابط السياسية والتجارية معها، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات المنفية. وأمثال تلك العقود محرّمة باطلة في شرع الإسلام.
(مسألة 9): لو صار بعض رؤساء الدول الإسلامية أو وكلاء المجلسين موجباً لنفوذ الأجانب سياسياً أو اقتصادياً على المملكة الإسلامية؛ بحيث يخاف منه على بيضة الإسلام أو على استقلال المملكة ولو في الاستقبال، كان خائناً ومنعزلاً عن مقامه أيّ مقام كان لو فرض أن تصدّيه حقّ، وعلى الاُمّة الإسلامية مجازاته ولو بالمقاومات المنفية؛ كترك عشرته، وترك معاملته، والإعراض عنه بأيّ وجه ممكن، والاهتمام بإخراجه عن جميع الشؤون السياسية وحرمانه من الحقوق الاجتماعية.
(مسألة 10): لو كان في الروابط التجارية من الدول أو التجّار مع بعض الدول الأجنبيّة أو التجّار الأجنبيّين، مخافة على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصادية، وجب تركها وحرمت التجارة المزبورة، وعلى رؤساء المذهب مع خوف ذلك أن يحرّموا متاعهم وتجارتهم حسب اقتضاء الظروف، وعلى الاُمّة الإسلامية متابعتهم، كما يجب على كافّتهم الجدّ في قطعها[17].
2. في الفقه الحنفي
قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار في (كتاب السِّيَر): ((الجهاد) فرض عين إن هجم العدو).
ثم قال: (إنّ كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الإمام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فُرض على الأقرب فالأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو.
وعبارة الدرر (وفرض عين ـ أي الجهاد ـ) إن هجموا على ثغر من ثغور الإسلام، فيصير فرض عين على من قرب منهم وهم يقدرون على ذلك)[18].
وقال ابن عابدين أيضاً في حاشية رد المحتار ـ في شروط الجهاد ـ: (وقد علمت عدم وجوبه عليها – أي المرأة – أصلاً إلاّ إذا هجم العدو كما يأتي)[19].
وفي العناية في شرح الهداية في (كتاب السِّيَر): (فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ)[20].
وفي الجوهرة النيرة ـ بحث على من يجب الجهاد ـ: (فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ)[21].
وفي فتح القدير في (كتاب السِّيَر): (فإن هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع لأنه صار فرض عين)[22].
وجاء في بدائع الصنائع: (وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكَفَرَةِ، وَخِيفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ، فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ، وَأَنْ يَمُدُّوهُمْ بِالسِّلَاحِ، وَالْكُرَاعِ، وَالْمَالِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ)[23].
3. في الفقه المالكي
يقول العدوي في حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني:
(فيجب وجوباً حال كون الوجوب فرضاً على ما اصطلح عليه من إطلاق الوجوب على الطلب المتأكد. والمراد وجوباً عينياً على الذكر والأنثى والحر والعبد)[24].
ويقول الشيخ أبو بكر البكري في إعانة الطالبين:
(يجب النهوض إليهم وجوباً عينياً كدخولهم دارنا؛ بل هو أولى، إذ حرمة المسلم أعظم.
يجب النهوض على كل قادر ولو كان قنّاً.
يجب النهوض لأجل خلاص المسلم المأسور من أيدي الكفار)[25].
ويقصد بذلك أنه يجب على كل قادر من المسلمين إنقاذ المسلم المأسور بيد الكفار، كما يجب لو دخلوا دارنا واستولوا على بلادنا.
4. في الفقه الشافعي
في مغني المحتاج:
(فيما إذا دخل الكفار بلدة لنا أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الإسلام ولو بعيداً عن البلد، فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين. وقيل كفاية. فإن أمكن أهلها تأهبّ أي استعداد، وجب على كل منهم الممكن؛ أي لدفع الكفار بحسب القدرة، حتى على فقير بما يقدر عليه… لأن دخول دار الإسلام خطب عظيم لا سبيل إلى إهماله، فلابدّ من الجد في دفعه بما يمكن، وفي معنى دخولهم البلدة ما لو اطلوا عليها. والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع)[26].
5. في الفقه الحنبلي
قال في الإنصاف:
(إذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بَلَدَ الْمُسْلِمِينَ، تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ النَّفِيرُ إلَيْهِمْ. إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْأَهْلِ أَوْ الْمَكَانِ، أَوْ الْمَالِ، وَالْآخَرُ: مَنْ يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ مِنْ الْخُرُوجِ. هَذَا فِي أَهْلِ النَّاحِيَةِ وَمَنْ بِقُرْبِهِمْ.
أَمَّا الْبَعِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ كِفَايَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقَالَ: أَوْ كَانَ بَعِيدًا. أَوْ عَجَزَ عَنْ قَصْدِ الْعَدُوِّ.
قُلْت: أَوْ قَرُبَ مِنْهُ وَقَدَرَ عَلَى قَصْدِهِ، لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ بِمَنْعِ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَقٍّ، كَحَبْسِهِ بِدَيْنٍ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ «أَوْ حَضَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ» أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَعِيدَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ)[27].
ويقول ابن قدامة المقدسي في المغني:
(وَيَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ…
الثَّانِي: إذَا نَزَلَ الْكُفَّارُ بِبَلَدٍ، تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهِ قِتَالُهُمْ وَدَفْعُهُمْ.
الثَّالِثِ: إذَا اسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمْ النَّفِيرُ مَعَهُ)[28].
وكذلك قال في الشرح الكبير:
(يتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
…
الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم)[29].
وقال الشيخ عبد الله بن قدامة المقدسي في (الكافي) في فقه الإمام أحمد بن حنبل:
(إذا نزل الكفار ببلد، تعيّن على أهله قتالهم والنفير إليهم، ولم يجز لأحد التخلف إلاّ من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل، والمكان، والمال)[30].
وهكذا قال في المبدع في شرح المقنع[31].
ثانيا: الأدلة الشرعية
ونتحدث الآن عن أدلة إثبات وجوب الدفاع شرعاً بالتسلسل الآتي:
1 ـ القرآن الكريم
الآية الأولى:
قوله تعالى: <وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرا>[32].
لا خلاف بين المفسرين أن الآية نزلت في تحريض المسلمين الأنصار والمهاجرين للدفاع عن المسلمين المستضعفين في مكة. فقد بقي بعد الهجرة نفر من المسلمين في مكة لم يتمكنوا من الهجرة، فاستضعفتهم قريش وبالغت في إيذائهم واستضعافهم وإذلالهم، فكانوا يدعون الله تعالى أن ينقذهم من هذا الظلم الذي يجري عليهم بأيدي المشركين من قريش في تلك القرية الظالم أهلها وهي مكة المكرمة… فحرّض الله تعالى المؤمنين على قتال قريش لاستنقاذ هذه الفئة المستضعفة من المسلمين من ظلمهم واستضعافهم وإذلالهم.
يقول الزمخشري في الكشاف، في تفسير هذه الآية:
(والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة، وصدّهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه، فيسّر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خيراً)[33].
والآية الكريمة تدعو إلى الجهاد في سبيل الله لإنقاذ أولئك المستضعفين من المسلمين في مكة من أيدي المشركين، فهي دعوة إلى جهاد من نوع الجهاد الدفاعي، للدفاع عن مسلمي مكة المستضعفين بيد المشركين من قريش.
فهي، إذًا؛ تخص الجهاد الدفاعي. هذا أولاً.
وثانياً: الآية الكريمة تحرّض المسلمين على مجاهدة العدو، والتحريض آية الوجوب وأمارته الواضحة.
يقول الرازي في تفسير هذه الآية: <وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ>: (يدل على أن الجهاد واجب، ومعناه أنه لا عذر لكم في ترك المقاتلة)[34].
ويقول أيضاً في تفسير كلمة <وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ>: (خطاب للمأمورين بالقتال على طريقة الالتفات مبالغة في التحريض عليه، وتأكيداً لوجوبه)[35].
إذًا؛ الآية الكريمة (75) من سورة النساء واضحة الدلالة وظاهرة في وجوب جهاد الكافرين دفاعاً عن المسلمين المستضعفين، واستنقاذاً لهم من ظلم الكفار وإذلالهم وتسلّطهم عليهم.
الآية الثانية:
قوله تعالى: <وَلَوْ لاٰ دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعٰالَمِينَ>[36].
والآية الكريمة وردت في قضية طالوت وجالوت، ودعاء المؤمنين من جند طالوت أن يثبت الله أقدامهم على أرض المعركة، وينصرهم على القوم الكافرين: <وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ>[37]، فاستجاب الله تعالى دعاءهم، وهزم جالوت وجنده، ورزق الله داود الملك والسلطان: <فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء>[38].
والنتيجة التي يستخلصها القرآن من هذا المشهد كله: أن الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين، ولولا ذلك لتحكّم الفاسدون بالأرض، وأفسدوا فيها، وأهلكوا الحرث والنسل، وفسدت بهم الأرض: <وَلوْلا دَفعُ اللهِ الناسَ بَعضهُم بِبَعض لَفَسَدَتِ الأرضُ>، ولكن الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين: <وَلكنّ اللهَ ذوُ فَضلٍ عَلى العالَميْن>.
والآية الكريمة واضحة وصريحة في أنّ الله تعالى قد جعل دفاع الصالحين وقتالهم سبباً لمنع حصول الفساد في الأرض، وبالصالحين من عباده يدفع فساد المفسدين، وليس من شك أن الله تعالى يريد دفع الفساد والمفسدين في الأرض بالصالحين.
الآية الثالثة:
قوله تعالى: <أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَیٰ نَصرِهِم لَقَدِيرٌ 39 ٱلَّذِينَ أُخرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَو لَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَّهُدِّمَت صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِيزٌ 40 ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُم فِی ٱلأَرضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ ٱلمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ>[39].
والآية الكريمة إيذان بمرحلة جديدة من المواجهة للمؤمنين المظلومين، الذين أُخرجوا من ديارهم في مكّة، بسبب إيمانهم بالله تعالى، وتوحيدهم لله بالعبودية والطاعة، والله تعالى يدفع بالمؤمنين الصالحين الفساد عن الأرض، ويدفع بهم الخراب عن مواقع العبادة والذّكر، ولولا أنّ الله تعالى يدفع بهم المفسدين، لهدّمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً.
والله تعالى يمقت الظلم، وهؤلاء المؤمنون قد ظُلِموا من قبل، وأُخرجوا من ديارهم ظلماً وعدواناً… والله تعالى يمقت تخريب مواقع العبادة، ولولا أن الله تعالى يدفع بالمؤمنين أولئك المفسدين، لعمّ الفساد الأرضَ، وتهدمت مواقع العبادة والذكر على وجه الأرض.
إن هذه الآيات واضحة وصريحة في وجوب دفع الظالمين والمفسدين، ودفع أذاهم وظلمهم عن المسلمين في بلادهم.
وفي القرآن الكريم آيات أخرى بهذا الصدد نقتصر منها على ما ذكرنا.
وننتقل إلى الدليل من السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
2 ـ الروايات
وردت روايات كثيرة عن رسول الله (ص)، عن طريق الفريقين، في وجوب إغاثة المسلمين، إذا داهمهم العدو، واستغاثوا بالمسلمين لنصرتهم ودفع العدو عنهم، وأن من يتقاعس من المسلمين عن تلبية استغاثة المسلمين وإغاثتهم، فهو ليس منهم، وهو أبلغ تحريض وتأكيد على وجوب إغاثتهم ونصرتهم ودفع العدو عنهم.
ونحن نشير هنا إلى طائفة من هذه النصوص عن طريق الفريقين:
روى الكليني في الكافي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): (مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[40].
وفي نوادر الراوندي: عن موسى بن جعفر (ع) عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (ص): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس في شيء. ومن شهد رجلاً ينادي: يا للمسلمين! فلم يجبه، فليس من المسلمين)[41].
وروى الكليني في الكافي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّ النَّبِيَّ (ص)، قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ. وَمَنْ سَمِعَ رَجُلاً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ! فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[42].
وروى الكليني في الكافي في باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع)، قَالَ: (مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[43].
وورد الحديث من طريق أهل السنة، في المعجم الصغير للطبراني، عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله (ص): (مَنْ لَا يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُصْبِحْ وَيُمْسِ نَاصِحًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ ولإِمَامِهِ ولِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ)[44].
وأورده كذلك الطبراني في الأوسط عن حذيفة[45].
وأورده السيوطي في جامع الأحاديث (حرف الميم)[46].
وأورده ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم[47].
وقال: (قد ذكرنا في أول الكتاب عن أبي داود: أن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه.
وقال الحافظ أبو نعيم هذا الحديث له شان عظيم. وذكر محمد بن أسلم الطوسي: أنه أحد أرباع الدين[48].
وفي مستدرك الصحيحين بتعليق الذهبي عن رسول الله (ص): (من لم يتق الله، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمور المسلمين، فليس منهم)[49].
ونقتصر من طرق الحديث بهذا المقدار. وهو من الأحاديث المستفيضة لفظاً ومعنى.
وسواء أخذنا بما ورد من طريق أهل البيت (عليهم السلام) من التعقيب بما روي عنه (ص): (وَمَنْ سَمِعَ رَجُلاً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ! فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[50]، أم بالطرق الأخرى التي لم يرد فيها هذا التعقيب… فإن الحديث واضح في وجوب الاهتمام بما يحل بالمسلمين من النكبات، وإغاثتهم ونصرتهم.
وروى البرقي في (المحاسن) عن أبي عبد الله (ع)، قال: (ما من مسلم يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلاّ خذله الله في الدنيا والآخرة)[51].
وروى الصدوق في ثواب الأعمال عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع)، قَالَ: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعِينُ مُؤْمِناً مَظْلُوماً إِلَّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَنْصُرُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلَّا وَنَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْذُلُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[52].
والرواية صحيحة.
وعن يونس بن عبد الرحمن، قال:
سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ؛ إِنَّ رَجُلاً مِنْ مَوَالِيكَ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يُعْطِي سَيْفاً وَقَوْساً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ، فَأَخَذَهُمَا مِنْهُ، ثُمَّ لَقِيَهُ أَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ السَّبِيلَ مَعَ هَؤُلاَءِ لاَ يَجُوزُ، وَأَمَرُوهُ بِرَدِّهِمَا.
قَالَ: فَلْيَفْعَلْ.
قَالَ: قَدْ طَلَبَ الرَّجُلَ، فَلَمْ يَجِدْهُ، وَقِيلَ لَهُ قَدْ قَضَى الرَّجُلُ.
قَالَ: فَلْيُرَابِطْ وَلاَ يُقَاتِلْ.
قُلْتُ: مِثْلَ قَزْوِينَ وَعَسْقَلاَنَ وَاَلدَّيْلَمِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الثُّغُورَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُرَابِطٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: يُقَاتِلُ عَنْ بَيْضَةِ اَلْإِسْلاَمِ.
قَالَ: يُجَاهِدُ؟
قَالَ: لاَ؛ إِلاَّ أَنْ يَخَافَ عَلَى دَارِ اَلْمُسْلِمِينَ.
أَ رَأَيْتَكَ لَوْ أَنَّ اَلرُّومَ دَخَلُوا عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟
قَالَ: يُرَابِطُ وَلاَ يُقَاتِلُ. وَإِنْ خَافَ عَلَى بَيْضَةِ اَلْإِسْلاَمِ وَاَلْمُسْلِمِينَ قَاتَلَ، فَيَكُونُ قِتَالُهُ لِنَفْسِهِ، لاَ لِلسُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ فِي دُرُوسِ اَلْإِسْلاَمِ دُرُوسَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ[53].
وفي قرب الإسناد: أن النبي (ص) أمر بسبع: عيادة المرضى، واتباع الجنائز، وإبرار القسم، وتسميت العاطس، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي[54].
وروى الصدوق في الأمالي عن أبي عبد الله (ع): (ما من مسلم[55] يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلاّ خذله الله في الدنيا والآخرة)[56].
والرواية صحيحة.
وفي (ثواب الأعمال) و(علل الشرائع) للصدوق: عن أبي عبد الله (ع): (أقعد رجل من الأخيار في قبره، فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله، فقال: لا أطيقها. فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة، فقالوا ليس منها بد، فقال: فيما تجلدونيها؟ قال: نجلدك لأنك صليت يوماً بغير وضوء، ومررت على ضعيف فلم تنصره. قال: فجلدوه جلدة من عذاب الله عزّوجلّ فامتلأ قبره ناراً)[57].
والرواية صحيحة.
وقد كان أمير المؤمنين (ع) يتألم من غارات جند معاوية الإيذائية على العراق، وتقاعس الناس في العراق عن دفعهم وعن مواجهتهم والذب عن حرماتهم.
يقول (ع): (أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ.
وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا وَرِعَاثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاِسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ.
ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ؛ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُ دَمٌ. فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً؛ بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.
فَيَا عَجَباً عَجَباً! وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَجْلِبُ الْهَمَّ اجْتِمَاعُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقُكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْن)[58].
هذه طائفة من الروايات، وفيها روايات صحاح واضحة وظاهرة في وجوب نصرة المسلمين والإسراع إلى إغاثتهم ونصرتهم ودفع العدوان عنهم.
فقد ورد في جملة من هذه النصوص النهي الشديد عن خذلان المسلم إذا كان قادراً على نصرته، وورد فيها: أن الله يخذل من يخذل أخاه المسلم في الدنيا والآخرة[59]، وهو آية الوجوب.
وفي رواية قرب الإسناد (نُصْرَةَ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ)[60]. وهو تصريح بالوجوب.
وفي رواية ثواب الأعمال ورد استحقاق الخاذل لأخيه المؤمن للعقاب الأليم الشديد[61]، وهو آية وجوب النصرة وتحريم الخذلان.
وطائفة من هذه الروايات وإن كانت واردة في مورد النصر والخذلان الفرديين، والاستغاثة والاستنصار الفردي… إلاّ أن هذه الروايات تدل بالأولوية القطعية على وجوب نصرة الجماعة المسلمة الواقعة تحت نفوذ سلطان الكفار وظلمهم، وتدل على حرمة خذلانهم، ووجوب الإسراع إلى نجدتهم وإغاثتهم.
3 ـ الدليل العقلي
الدليل العقلي حجة لدى الإمامية (الأصولية) خاصة… وهو[62] يتألف من مقدمتين: (صغرى وكبرى) حسب التعبير المنطقي، والنتيجة المترتبة عليهما هي الوصول إلى حكم الله في المسألة التي يحكم بها العقل… لا لأن العقل مشرّع، والشرع يتبع العقل؛ بل لأن العقل يكشف الحكم الشرعي، فحكم العقل يكون كاشفاً للحكم الشرعي.
والمقدمتان اللتان يتألف منهما الدليل العقلي هنا، هما كما يلي:
المقدمة الأولى
حكم العقل بحسن الدفاع ووجوبه عن النفس والمال والعرض والوطن والمجتمع والأهل والعشيرة، وقبح الاستسلام للعدو وقبول الذل والرضوخ مع القدرة على المقاومة، واحتمال النجاح والفوز بدرجة معقولة ومقبولة عند العقلاء… وهذا هو حكم العقل العملي[63].
المقدمة الثانية
إثبات الملازمة بين حكم العقل بحسن الدفاع وضرورته، وقبح الاستسلام للعدو الذي يداهم البلد، ويغتصب حقوقه وأمواله، ويستذله، ويستضعفه، وبين حكم الشرع بوجوب الدفاع وحرمة الاستسلام للعدو، وهو حكم العقل النظري، وهو الكبرى في هذا القياس.
وليس معنى ذلك أنّ هناك عقلين للإنسان؛ عقلاً عملياً وعقلاً نظرياً، وإنما المقصود بالعملي والنظري هنا هو متعلق حكم العقل… فقد يكون متعلق حكم العقل أمراً عملياً؛ مثل قبح الظلم وحسن العدل، وقبح الاستسلام للعدو مع القدرة على المقاومة واحتمال النصر، وحسن الدفاع وضرورته… وهذه هي أحكام عقلية تتعلق بأمور عملية من وجوب رفض الظلم والجور والحكم بقبحها، ووجوب الدفاع والحكم بحسنه.
وهناك نحو آخر من الحكم العقلي يتعلق بقضايا نظرية بحتة؛ مثل حكم العقل بالملازمة بين حكمه وحكم الشرع، فهو حكم نظري للعقل.
ومن تأليف هاتين المقدمتين (حكم العقل العملي والنظري) يُنْتِجُ القياسُ حكماً شرعياً يكتشفه العقل بالملازمة، وهو أن الدفاع واجب شرعاً، والاستسلام للعدو مع القدرة على المقاومة، واحتمال النصر (احتمالاً معقولاً) حرام شرعاً[64].
وقد اكتشف العقل هذا الحكم الشرعي بناءً على قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
وإليك توضيح موجز لهذا القياس العقلي، وما يُنْتِجُهُ من الحكم الشرعي بوجوب المقاومة وحرمة الاستسلام.
إثبات الصغرى
أما صغرى القياس: وهي حكم العقل بحسن دفاع الإنسان وضرورته عن نفسه، وماله، وعرضه، وحريمه، وبلده، ومجتمعه، فهو مما لا يشك فيه عاقل، والعقلاء يحمدون ويمدحون، بضرورة العقل، من يقابل العدو الغاصب بالمقاومة والدفاع المسلح، ولا يشكّون في قبح الاستسلام للعدو، مع القدرة على الدفاع، واحتمال النصر على العدو احتمالاً معقولاً… بل يمكن أن نقول: إن هذا الحكم حكم فطري أيضا، وأن فطرة الإنسان السليمة تأبى الرضوخ والاستسلام مع القدرة على المقاومة، ويجري هذا الحكم الفطري في الحيوانات أيضا، من خلال الغرائز الحيوانية. وهذا هو معنى حكم الفطرة والعقل بحسن المقاومة وضرورتها، وقبح الاستسلام للعدو. وهذه هي صغرى القياس.
إثبات الكبرى
وأما كبرى القياس، وهو حكم العقل بالملازمة بين ما يحكم به العقل وما يحكم به الشرع، فهو أيضاً مسألة ضرورية واضحة لا نشك فيها.
وليس معنى الملازمة هنا الملازمة بين الاستحسانات والاستهجانات العقلية غير القطعيّة؛ بل المقصود بحكم العقل ما يقطع به العقل من الحسن والقبح، وما يحسّنه العقل ويقبّحه العقل بالقطع واليقين بالضرورة.
وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن نجد في الشرع حكماً بخلاف حكم العقل وبما يقبحه العقل تقبيحاً ضرورياً؛ مثل قبح الظلم[65]، فلا يمكن مثلاً أن نجد في الشرع حكماً شرعياً بجواز الظلم للناس أو نهياً عن العدل.
ولا يمكن أن يحتمل المكلف بأن الشارع يحكم[66] بما يقطع العقل بقبحه، وينهى عما يقطع العقل بحسنه وضرورته.
وعليه؛ فإن الملازمة تامّة بين حكم العقل وحكم الشرع. وهي كبرى القياس.
والنتيجة المترتبة على هاتين المقدمتين في هذا القياس نتيجة قطعية لا يمكن التشكيك فيها، وهي وجوب الدفاع والمقاومة تجاه العدو المداهم، وحرمة الاستسلام للعدو مع احتمال النصر احتمالاً معقولاً والقدرة على المقاومة.
- [1]. محمد بن الحسن الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، ص290.
- [2]. محمد ابن إدريس الحلي، السرائر، ج2، ص4.
- [3]. حسن بن يوسف الحلي، تذكرة الفقهاء، ج9، ص453.
- [4]. محمد بن مكي العاملي، موسوعة الشهيد الأول (الدروس الشرعية في الفقه الإمامي)، ج10، ص22.
- [5]. آل عمران: 200.
- [6]. نصّ عبارة المحقق الأردبيلي في الزبدة: «وَصٰابِرُوا» يتناول ما يتّصل بالغير؛ كمجاهدة الجنّ والإنس وما هو أعظم منها من جهاد النفس. «وَرٰابِطُوا» يدخل فيه الدفاع عن المسلمين والذبّ عن الدين. (أحمد بن محمد الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن، ص144). (من المحقق)
- [7]. نصّ عبارة صاحب الحواهر: ولو بدأ العدوّ بالقتال، فإن اضطرّ إلى الدفاع وجب، وكان جهاداً واجباً من غير حاجة إلى إذن الامام (ع). (محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج20، ص140). (من المحقق)
- [8]. هذا الكلام هو توضيح متقدم من الشيخ الآصفي (رحمه الله) لما سينقله نصّا عن صاحب الجواهر. (من المحقق)
- [9]. هذا الكلام أيضا هو توضيح متقدم من الشيخ الآصفي (رحمه الله) لما سينقله نصّا عن صاحب الجواهر. (من المحقق)
- [10]. محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج21، ص15.
- [11]. المصدر نفسه، ص16.
- [12]. المصدر نفسه، ص18 – 19.
- [13]. جاء في الوسائل مع اختلاف يسير في اللفظ: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ أَرْضَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَغَزَا الْقَوْمَ الَّذِينَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ؟ قَالَ: عَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ وَيُقَاتِلَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ، وَأَمَّا أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ عَلَى حُكْمِ الْجَوْرِ وَسُنَّتِهِمْ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. (الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 6 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص29). (من المحقق)
- [14]. محمد حسن النجفي، مصدر سابق، ص14 – 15.
- [15]. المصدر نفسه، ص16.
- [16]. المصدر نفسه، ص19.
- [17]. روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، ج1، ص514 – 517.
- [18]. نصّ عبارة ابن عابدين: الجهاد فرض على كل من يلي الكفار من المسلمين على الكفاية… كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الإمام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فُرض على الأقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو… قوله: (بل يفرض على الأقرب فالأقرب الخ) أي يفرض عليهم عينا… وعبارة الدرر: وفرض عين إن هجموا على ثغر من ثغور الاسلام، فيصير فرض عين على من قرب منهم، وهم يقدرون على الجهاد. (محمد أمين ابن عابدين، حاشية رد المحتار، كتاب السِّيَر، ج4، ص299). (من المحقق)
- [19]. محمد أمين ابن عابدين، حاشية رد المحتار، كتاب السِّيَر، ج4، ص301.
- [20]. محمد البابرتي، العناية في شرح النهاية، كتاب السِّيَر، ج5، ص442.
- [21]. أبو بكر الحدادي، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري، كتاب السِّيَر، ج2، ص257.
- [22]. نصّ عبارة فتح القدير: فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ، وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ، تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ. (كمال الدين محمد بن الهمام، فتح القدير، ج5، ص442). (من المحقق)
- [23]. علاء الدين الكاساني، بدائع الشرائع في ترتيب الشرائع، ج7، ص98.
- [24]. نص عبارة العدوي: فَيَجِبُ وُجُوبًا، أَوْ حَالٌ مِنْ الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَجِبُ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْوُجُوبِ فَرْضًا عَلَى مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ عَلَى الطَّلَبِ الْمُتَأَكِّدِ، وَالْمُرَادُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. (علي العدوي، حاشية العدوي على كفاية الطالب، ج2، ص406). (من المحقق)
- [25]. عثمان البكري، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، ج4، ص225.
- [26]. نصّ عبارة المغني: ثم شرع المصنف في الحال (الثاني) من حالي الكفار، وهو ما تضمنه قوله: (يدخلون بلدة لنا) أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الاسلام ولو بعيدا عن البلد، (فيلزم أهلها الدفع بالممكن) منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين. وقيل كفاية… (فإن أمكن) أهلها (تأهب) استعدادا (لقتال وجب) على كل منهم (الممكن)؛ أي الدفع للكفار بحسب القدرة (حتى على فقير) بما يقدر عليه… لأن دخولهم دار الاسلام خطب عظيم لا سبيل إلى إهماله، فلا بد من الجد في دفعه بما يمكن، وفي معنى دخولهم البلدة ما لو أطلوا عليها. والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع. (محمد بن أحمد الشربيني، مغني المحتاج، ج4، ص219). (من المحقق)
- [27]. علي المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، كتاب الجهاد، ج4، ص118.
- [28]. عبد الله ابن قدامة المقدسي، المغني، كتاب الجهاد، ج9، ص197.
- [29]. عبد الرحمن بن قدامة المقدسي، الشرح الكبير، ج10، ص368.
- [30]. عبد الله ابن قدامة المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، كتاب الجهاد، ج4، ص118.
- [31]. إبراهيم ابن مفلح، المبدع في شرح المقنع، كتاب الجهاد، ج3، ص282.
- [32]. النساء: 75.
- [33]. محمود الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص534.
- [34]. الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج1، ص141.
- [35]. قول الشيخ (رحمه الله): (ويقول أيضاً) يُفهم منه أنه معطوف على المصدر السابق نفسه – أي التفسير الكبير للفخر الرازي – لكننا لم نعثر على العبارة التي نقلها هناك، وإنما هي موجودة في غيره مثل: (محمود الآلوسي، روح المعاني، ج3، ص79). (من المحقق)
- [36]. البقرة: 251.
- [37]. البقرة: 250.
- [38]. البقرة: 251.
- [39]. الحج: 39 – 41.
- [40]. محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج2، ص163، ح1.
- [41]. فضل الله الراوندي، النوادر، ص21. مع اختلاف في اللفظ: (مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ شَهِدَ رَجُلًا يُنَادِي يَا مُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ). (من المحقق)
- [42]. محمد بن يعقوب الكليني، مصدر سابق، ص164، ح5.
- [43]. المصدر نفسه.
- [44]. سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الصغير، ج2، ص50، ح907.
- [45]. سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الأوسط، ج7، ص270، ح7473.
- [46]. جلال الدين السيوطي، جامع الأحاديث، حرف الميم، ج21، ص379، ح23770.
- [47]. عبد الرحمن ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ج1، ص216.
- [48]. المصدر نسه، ص215 – 216.
- [49]. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، كتاب الفرائض، ج4، ص352، ح7889. مع اختلاف في اللفظ: (مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَهْتَمَّ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، فَلَيْسَ مِنْهُمْ). (من المحقق)
- [50]. محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج2، ص164، ح5؛ وكذلك ما رواه فضل الله الراوندي في النوادر، ص21 مع اختلاف يسير في اللفظ. (من المحقق)
- [51]. أحمد البرقي، المحاسن، ج1، ص99، ح29. مع اختلاف يسير في اللفظ: ِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْذُلُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة). (من المحقق)
- [52]. الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص147 – 148.
- [53]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 6 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص28، ح2.
- [54]. عبد الله الحميري، قرب الإسناد، ص71، ح228. ونصّ الرواية بالكامل على النحو التالي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَمَرَهُمْ بِسَبْعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَهُمْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَتَسْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرٍ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي. وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْإِسْتَبْرَقِ وَالْحَرِيرِ وَالْقَزَّ وَالْأُرْجُوَان. (من المحقق)
- [55]. ورد في المصدر المذكور بلفظ (مؤمن) بدلا من (مسلم). (من المحقق)
- [56]. الصدوق، الأمالي، ص485، ح16.
- [57]. الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص224؛ والصدوق، علل الشرائع، الباب 262 باب العلة التي من أجلها يكون عذاب القبر، ج1، ص309، ح1. مع اختلاف يسير في اللفظ بين الثلاثة (ما نقله الشيخ الآصفي هنا، وثواب الأعمال، وعلل الشرائع)، ونصّ الرواية الواردة في ثواب الأعمال على النحو التالي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: أُقْعِدَ رَجُلٌ مِنَ الْأَخْيَارِ فِي قَبْرِهِ، قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا خَالِدٍ إِنَّا جَالِدُوكَ مِائَةَ جَلْدَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا أُطِيقُهَا. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى جَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالُوا: لَيْسَ مِنْهَا بُدٌّ، فَقَالَ فِيمَا تَجْلِدُونِّي فِيهَا؟ قَالُوا: إِنَّكَ صَلَّيْتَ يَوْماً بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَمَرَرْتَ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ. قَالَ: فجلده [فَجَلَدُوهُ] جَلْدَةً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ نَاراً.
- أما نصّ الرواية الواردة في علل الشرائع فعلى النحو التالي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: أُقْعِدَ رَجُلٌ مِنَ الْأَحْبَارِ فِي قَبْرِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّا جَالِدُوكَ مِائَةَ جَلْدَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَقَالَ لاَ أُطِيقُهَا. فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى جَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالُوا: لَيْسَ مِنْهَا بُدٌّ. قَالَ فِيمَا تَجْلِدُونِّيهَا؟ قَالُوا: نَجْلِدُكَ لِأَنَّكَ صَلَّيْتَ يَوْماً بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَمَرَرْتَ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ. قَالَ فَجَلَدُوهُ جَلْدَةً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْتَلَى قَبْرُهُ نَاراً. (من المحقق)
- [58]. نهج البلاغة، الخطبة: 27، من خطبة له عليه السلام يذكر فيها فضل الجهاد، ص35.
- [59]. كما هو مضمون الروايات السالفة الذكر في الكافي والمحاسن وثواب الأعمال والأمالي. (من المحقق)
- [60]. عبد الله الحميري، قرب الإسناد، ص55، ح181.
- [61]. الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص147 – 148.
- [62]. أيُّ دليل عقلي كان. وقد يتألف من أكثر من مقدمتين؛ كما لو كان قياسا مركبا موصولا أو مفصولا، فحينئذ يكون مركبا من قياسين، وبكل الأحوال لا يكون القياس الواحد – من حيث الهيئة – مؤلفا من أكثر من مقدمتين. (من المحقق)
- [63]. إن مسألة الحُسن والقبح العقليين من المسائل الخلافية بين الإمامية والمخالفين أهل السُّنة والجماعة (كالأشاعرة)، فالإمامية يقولون باستقلال العقل في الحكم بحُسن شيء، وقبح آخر، فيحكم العقل مستقلا عن الشرع بحُسن العدل والصدق، وقبح الظلم والكذب، وبما أن هذين الحكمين من إدراكات العقل العملي، فإن الأحكام العقلية من هذا القبيل تستتبع جريا عمليا في الخارج، وبالتالي يحكم العقل مباشرة أيضا بوجوب الحَسن، وحرمة القبيح، فيحكم بوجوب العدل والصدق، وحرمة الظلم والكذب. وهذا كاشف إنّا عن حكم الشرع أيضا، أي أن العقل بهذا الحكم يكشف عن حكم الشرع حتى لو لم يصرّح الشرع به. وعليه؛ نستطيع نسبة هذا الحكم إلى الشرع والقول بأن الشرع يحكم بوجوب العدل والصدق، وحرمة الظلم والكذب. من هنا نستنتج قاعدة مفادها أن (كل ما حكم العقل بوجوبه وضرورته حكم الشرع به أيضا)، لكن لابد أن يكون حكم العقل الذي يحكم به الشرع به أيضا قطعيا وليس ظنيا؛ أي يعتمد على مقدمات بديهية أو برهانية قطعية، وقاعدة الحُسن والقبح العقليين – أي أن العقل يستطيع أن يدرك الحَسَن ويحكم بوجوبه، ويدرك القبيح ويحكم بحرمته – من القواعد العقلية القطعية والمسلّمة عند الإمامية. نعم؛ قد تحصل بعض الخلافات والنقاشات في بعض مصاديق الحَسَن والقبيح. أما المخالفون من أهل السنة والجماعة (كالأشاعرة)، فهم لا يعتقدون بهذه القاعدة، ولا يعترفون بها، وإنما يقولون بأن الحَسَن هو ما حسّنه الشارع، والقبيح هو ما قبّحه الشارع فقط، ولا يمكن للعقل العملي أن يدرك بشكل مستقل الحُسن والقبح أو يحكم باي حكم بناء عليهما. (من المحقق)
- [64]. في الحقيقة هذا الاستدلال الذي ذكره الشيخ (رحمه الله) من نوع القياس المركب الموصول؛ حيث يمكن إرجاعه إلى قياسين متصلين؛ على النحو التالي:
- القياس الأول: وهو قياس اقتراني على هيئة قياس من الشكل الأول:
- الصغرى: كل دفاع الإنسان عن نفسه عند القدرة حَسَنٌ عقلا.
- الكبرى: كل ما حكم العقل بحسنه فهو واجب وضروري عقلا.
- النتيجة: كل دفاع الإنسان عن نفسه عند القدرة واجب وضروري عقلا.
- وكلتا المقدمتين هما حكم العقل العملي.
- القياس الثاني: وهو قياس اقتراني على هيئة قياس من الشكل الأول أيضا:
- في هذا القياس نجعل النتيجة في القياس السابق صغرى في القياس الثاني؛ على النحو التالي:
- الصغرى: كل دفاع الإنسان عن نفسه عند القدرة واجب وضروري عقلا.
- الكبرى: كل ما حكم العقل بوجوبه وضرورته حكم الشرع بوجوبه وضرورته أيضا.
- النتيجة: كل دفاع الإنسان عن نفسه عند القدرة حكمَ الشرع بوجوبه وضرورته أيضا.
- والمقدمة الأولى هي نتيجة حكم العقل العملي كما تقدم في القياس الأول، والمقدمة الثانية هي حكم العقل النظري. (من المحقق)
- [65]. وكذلك يحكم العقل بحُسن العدل. (من المحقق)
- [66]. الأفضل التعبير بـ (يأمر). (من المحقق)