يا للمسلمين !! لغزّة

(بسم الله الرحمن الرحيم)
جدول المحتويات
(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ). النساء/75
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ). التوبة/14
غزّة تستغيث
منذ عدة أشهر وغزّة تستغيث من الحصار الذي تفرضه عليها إسرائيل.
وقد بقيت غزّة ليالٍ طويلة غارقة في الظلام؛ لأن إسرائيل والقيادة السياسية في مصر تمنعان عنها الوقود والطاقة من خلال المعابر البرّية.
وبقيت تعاني من نفاذ القمح والدواء وحليب الأطفال، ويموت المرضى في المستشفيات والأطفال على أيدي أمهاتهم لنفاذ العلاج والحليب والإمكانات الطبية.
ومنذ عدة ليالٍ، غزّة تستغيث تحت النار التي تصبّها إسرائيل عليها من الأرض والسماء والبحر، ولا تجد من يلبّي نداءها؛ من قادة العرب والمسلمين من الذين يملكون القرار السياسي والعسكري والاقتصادي في العالم العربي والإسلامي، غير نفر قليل جداً، ليس بوسعهم أن ينهضوا لوحدهم بالمشروع السياسي والاقتصادي والعسكري المناهض للعدوان الإسرائيلي[1].
حكم من لا يلبّي استغاثة المسلمين
وقد أمرنا الله تعالى بالجهاد والقتال في سبيل الله، كلما سمعنا مسلماً يستغيث المسلمين لينقذوه من أيدي الظالمين المستكبرين، يقول الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}[2].
ويقول رسول الله (ص): (مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ. وَمَنْ سَمِعَ رَجُلاً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ! فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[3].
وعن رسول الله (ص) أنه قال: (مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ! فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[4].
هذا هو حكم الله في تلبية استغاثة المسلمين. ومن رفض التلبية ووقف موقف المتفرجين من مصائب المسلمين، وقد أمكنه الله أنْ يمدَّ إليهم يد العون، وأن ينصرهم، وينقذهم من فتك الظالمين وبطشهم، فليس بمسلم، وهذا حكم واضح في الشريعة.
موقف قادة العالم الإسلامي والعربي من استغاثة غزّة
وويل لحكام العرب والمسلمين من موقف الحساب العسير بين يدي الله تعالى يوم القيامة، إذا جاء الخطاب من رب العالمين: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ}[5] تجاه استغاثة المسلمين الفلسطينيين في غزّة، وقد كانوا يملكون ذلك، إلاّ أنهم وضعوا أيديهم في يد أمريكا وإسرائيل، وتخاذلوا عن تلبية استغاثة غزّة.
لقد وقف حكام المسلمين والعرب إلا القليل منهم، موقف المتفرج على استغاثة غزّة ومأساتها، وكأنّ الأمر لا يعنيهم، وقد أعلنت إسرائيل الحرب على غزّة، حرباً لا هوادة فيها، وأخذت تضرب غزّة بمقاتلاتها ليلاً ونهاراً، وانعقد مؤتمر وزراء خارجية العرب في القاهرة، بعد خمسة أيّام من إعلان الحرب على غزّة، وكأنّهم أرادوا أن يعطوا إسرائيل فرصة كافية، لتُحقق أهدافها في غزّة، قبل أن ينعقد لقاؤهم في القاهرة.
وتمخّض اللقاء عن قرارات ضبابية ضعيفة بالإدانة والاستنكار، وطلب وقف القتال، ومطالبة مجلس الأمن بالتدخل في الأمر، والتهديد بانعقاد مؤتمر القمة العربية إذا لم يتدخل مجلس الأمن، أو تدخلت أمريكا في تعطيل قرار مجلس الأمن!!
إنه موقف مخجل حقاً! ليس من أهل غزّة فقط، الذين يعيشون تحت النار والقتال والقنابل المدمّرة منذ أيّام طوال… وإنّما الخجل أيضاً من العالم الذي يحيطنا، ويرى ما يحل بغزّة من الكوارث التي تجرح الضمير الإنساني في أي مكان، ثم يقتصر ردّ فعل وزراء خارجية العرب بعد عدة أيّام على إدانة إسرائيل ومطالبتها بوقف إطلاق النار، والمطالبة بانعقاد مجلس الأمن، والتهديد بانعقاد مؤتمر القمة العربية، إن لم تستجب المنظمة الدولية لمطالب وزراء خارجية العرب!!!
ويكون ردّ فعل محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، دعوة الأطراف الفلسطينية للتشاور بعد عدة أيّام من القصف والقتل والتخريب. وقد رفضت حماس هذه الدعوة؛ لأنها تعلم أن محمود عباس سوف يتخذ هذا اللقاء وسيلة للتسويق لمشروع السلام والتطبيع والدعوة الى الحوار وإيقاف المقاومة، وقد سمعنا أن قادةً من فتح أنكروا على محمود عباس موقفه الضعيف المتخاذل تجاه عدوان إسرائيل على غزّة.
مؤتمرات القمة العربية
لقد عرف الناس أن هذه المؤتمرات تنعقد وتنفضّ، كلما حلّت بالعرب كارثة، وتنفضّ بقرارات باهتة، ضعيفة، تحمل أكثر ما تحمل: الإنكار والإدانة، وتعكس أكثر ما تعكس: عجز قادة العرب عن اتخاذ أي قرار سياسي أو عسكري او اقتصادي مكافئ ومناهض للعدوان الإسرائيلي، وقادر على الصمود بوجه العدوان.
وقد أصبحت رسالة هذه المؤتمرات امتصاص غضب الجمهور، وليس الوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي وصدّه، ودعم المقاومة في فلسطين، وإعلان الاعتراض على أمريكا؛ لدعمها الثابت للعدوان الإسرائيلي على فلسطين والجولان والأراضي اللبنانية، ورفض السياسة الأمريكية خصوصاً، والغربية عموماً تجاه القضية الفلسطينية، وتهديد أمريكا بالمقاطعة، إذا لم تغير موقفها المعادي للعرب وللمسلمين عموماً.
أقول: لا تحمل هذه المؤتمرات ـ على كل المستويات ـ (وزراء الخارجية، أو القمة) غير هذه المناداة والمناشدة الضعيفة بوقف إطلاق النار، والتنديد، والإدانة الفارغة من أيّة قيمة سياسية وعسكرية واقتصادية… ولذلك لا يتهيّب منها أحد، ولا يأبه لها أحد.
وأمثال هذه المؤتمرات بهذه المثابة من الضعف والعجز واليأس، ضرّها أكثر من نفعها.
وقد كانت ردود الفعل عند القادة العرب في مأساة غزّة – هذه المرة كالمرّات السابقة – التفكير في الإعداد لمؤتمر على مستوى القمة!! وكانت الدوحة هي الفائزة بالاستضافة.
ولكنه كان قراراً معلّقاً لم ينفّذ بعد… وقد قال السيّد حسن نصر الله: (إنّهم لا يقدرون الآن على إقامة هذا المؤتمر؛ لأن لهذا المؤتمر استحقاقات من القرارات الصعبة، المكافئة للعدوان الإسرائيلي، والموقف الأمريكي، وهم غير قادرين على ذلك).
وقد ازدادت المؤتمرات هذه الأيام، على مستوى وزراء الخارجية والقادة (الملوك والرؤساء والأُمراء)، حتى عادت أكثر من الهموم التي تنزل على قلوبنا.
وقد أصبح الناس الذين تنزل بهم هذه الكوارث، يتمنّون أن لا تنعقد هذه المؤتمرات، وأن يتركهم القادة لجراحهم ومصائبهم والكوارث التي تنزل بهم!!
وإن لم تصدّق، فاسأل من تشاء من الناس، من غير الذين يعيشون على فتات موائد القادة، أسألوهم هل يأملون خيراً في هذه المؤتمرات؟ أم يعتقدون أنّها تنعقد وتنفض، كما انعقدت من دون أي عطاء، عدا الإدانة والإنكار، والمناشدة والمطالبة، التي لا يحترمها أحد، ويعلم الجميع أنها فارغة من أيّة قيمة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، وخير لهم ولنا أن يرفعوا مناشداتهم ومطالباتهم من داخل قصورهم، براءة لذمتهم السياسية، ولا يحرجوا الأمة الإسلامية أكثر من ذلك…
أقول: إذا سألت الناس في الشوارع والأسواق، وسألت الجياع والمجروحين الفارّين من بيوتهم في غزّة، تحت وابل القصف في ليالي الشتاء الباردة، فسوف تتحقّق وتتأكد أنني لست مبالغاً عندما أقول إن الناس يتمنّون أن لا تنعقد مثل هذه المؤتمرات، وأن يترك قادة العرب الناس لمصائبهم ولما ينزل بهم من الكوارث.
أ ترى الناس لا يفهمون؟! وأنّ أبواق الإعلام التي تعمل لخدمة الأنظمة، قادرة على أن تسلب الناس الجياع، العراة، المجاريح، عقولهم ووعيهم؟!
فقد اكتمل للناس نضجهم ورشدهم في السنوات العجاف، ولم تعد هذه الأبواق الفضائية قادرة على أن تسلب الناس عقولهم ورشدهم منذ اليوم.
فما أكثر المصائب والكوارث التي تحلّ بالمسلمين!! وما أكثر مؤتمرات القمة التي تنعقد هنا وهناك لمواجهة هذه المآسي والاعتداءات!! وما أكثر خيبة الآمال في هذه المؤتمرات!!!
ولا يمكن، منذ اليوم، أن يتكتّم القادة على نتائج هذه المؤتمرات، ويخدعوا الناس… فقد مضى العهد الذي كان يمكن فيه أن يتكتموا بأعمالهم، وكلماتهم، وعمالتهم لأمريكا، ومداراتهم وتعاونهم مع إسرائيل، دون أن يخزيهم الله، ويفضح أسرارهم ونياتهم على شاشات الفضائيات التي يهتك بعضها أسرار بعض في سباق المنافسات الإعلامية، وسباق الانتماءات السياسية الى هذا المحور أو ذاك.
وهل يوجد اليوم بين الفلسطينيين والعرب وعامّة المسلمين من لا يلِحُّ عليه هذا السؤال من دون أن يلقى جواباً؟ لماذا أغلق قادة مصر معبر رفح على الشاحنات التي تحمل الحليب المجفف لأطفال غزّة، والدواء لمرضاهم ومجروحيهم، والوقود والإنارة لبيوتهم ولسيارات الإسعاف، والقمح لطعامهم، في فترة الحصار التي امتدت عدة أشهر، وغزّة تستغيث، وقادة مصر يتصاممون عن استغاثة غزّة؟
أ لم يسمع حكام مصر استغاثة الشعب الفلسطيني في غزّة وصراخه…؟!
كيف تصامموا عن هذه النداءات والاستغاثات التي رفعها شعب محاصر جريح؟
ترى ممن يخاف حكام مصر؟
هل تعتقد أن الناس لم يسمعوا استغاثة الشعب الفلسطيني، وتصامُمَ حكام مصر عن صراخ الأطفال والمرضى خلال هذه الفترة؟
وعندما أسقطت إسرائيل ـ سهواً ـ بصواريخها جزءاً من الجدار الذي يحجز غزّة عن جارتها مصر… تدفق اللاجئون من أهل غزّة بعوائلهم الى جارتهم مصر؛ فراراً من القصف الإسرائيلي الأثيم، كما تدفّق اللبنانيون إلى سورية في حرب تموز، فتصدّت لهم قوة مصرية وأجبرتهم على العودة إلى غزّة تحت وابل القصف الإسرائيلي.
أ ترى الناس لا يفهمون؟
فماذا يتوقع الناس من حضور الرئيس المصري في مؤتمر الدوحة إذا انعقد؟! وماذا يريد أن يقول الرئيس المصري للمسلمين وللعرب؟!
وماذا يتوقع الناس من مؤتمر وزراء خارجية العرب، الذي انعقد يوم الأربعاء بعد خراب البصرة، لمواجهة الكارثة الإنسانية في غزّة؟!
أ ترى الناس لم يشاهدوا على شاشات الفضائيات اجتماع (ليفني) وزيرة خارجية إسرائيل بالرئيس المصري، ومصافحته الحارة لها، أمام الكاميرات، واجتماعها بـ (أبو الغيط) وزير خارجية مصر، قبل يومين من الهجوم الإسرائيلي على غزّة… وإخبارها لهم بنية إسرائيل على الهجوم على غزّة، ثم لم يشأ حكّام القاهرة أن يخبروا غزّة ـ على الأقل ـ بقرب الهجوم الإسرائيلي؟! أ ترى زارت ليفني القاهرة للمجاملات الدبلوماسية؟!!
وقد صرّح وزير الأمن الإسرائيلي عقيب ذلك؛ أن ليفني أطلعت الحكومات الغربية وبعض الحكومات العربية بعزم إسرائيل على الهجوم على غزّة قريباً، خلال سفرها الى مصر وأمريكا. نقلت ذلك صحيفة (يديعوت احرونوت).
ويتساءل الناس لماذا لم ينبّه حكام مصر جارتهم غزّة عن قرب وقوع العدوان؟!
ترى من ماذا يهاب حكام مصر؟
ولقد تكتم حكام مصر على الخبر، ولكن وزير الأمن الإسرائيلي فضحهم، ولم تشأ إسرائيل أن تحترمهم حتى في هذه الحدود.
فنفى حكام مصر علمهم بالهجوم الإسرائيلي، ليبرروا سكوتهم، ونفت إسرائيل ذلك، وأعلنت أنها أخبرتهم، كما أخبرت أمريكا.
فيا ترى ممن يهاب حكام مصر؟ وهل ترى أن حكّام مصر ينوبون عن إسرائيل في إغلاق معبر رفح والتشديد على غزّة وحكومة حماس؟
هل ترى أن الناس لا يعون هذه الحقائق التي تجري في قصور هؤلاء الحكام؟!
ماذا يجني العرب من هذه المؤتمرات؟!
لقد كان العرب يعقدون الآمال العريضة سابقاً بأمثال هذه المؤتمرات.
ثم عادوا بخيبة أمل عريضة من هذه المؤتمرات.
ثم عادوا يتحسّسون منها، ويتمنّون ألا تنعقد، وأن يترك القادة العربُ، العربَ إلى مصائبهم والكوارث التي تنزل بهم، ويكتفون منهم بالإدانة والاستنكار والشجب من داخل قصورهم، إن شاءوا ذلك؛ براءة لذمّتهم السياسية.
ماذا يجني العرب من هذه المؤتمرات؟
وإليكم طائفة مما يجنيه العرب من هذه المؤتمرات:
1 ـ امتصاص الغضب العارم الذي يتفاعل في نفوس جمهور المسلمين في الحواضر الإسلامية في القاهرة، وبيروت، ودمشق، وطهران، وبغداد، والمنامة، وكابل، وكراتشي، وبمبي، وإسطنبول، والكويت، وجاكارتا، والدار البيضاء، والرباط، والجزائر، وعمّان، ومسقط، وكوالالمبور، وداكار، ودار السلام، وطنجة، وطرابلس، والخرطوم… في هذه البلاد وغيرها من مئات الحواضر الإسلامية أمّة إسلامية حية ويقظة، على أعلى درجات الوعي السياسي والإحساس بالمسؤولية الإسلامية؛ تتألّم، وتشعر بعمق الألم، وتتوجّع من سكوت الأنظمة والحكام، ومداهنتهم لإسرائيل، وعمالتهم لأمريكا، وتريد أن تقفز على الحدود التي رسموها للعالم الإسلامي بالألوان الحمراء والصفراء والسوداء؛ ليحضروا في غزّة، ويغيثوا أهلها بأغلى ما عندهم، ولكن أنّى لهم ذلك؟ ولهذه الحدود المرسومة سَدَنة يحفظونها، ومن وراء هؤلاء السدنة القوة والمال والإعلام، ومن وراء ذلك أمريكا، ومن وراء أمريكا الشيطان.
إنّهم يتألّمون، ويتوجعون، ويسخطون، ويصرخون، عندما لا يجدون سبيلاً لإنقاذ إخوانهم في (لا إله إلا الله، محمّدا رسول الله) في غزّة، من براثن العدوان الصهيوني الحاقد اللئيم الأثيم، وهم كثرة يملؤون الدنيا كلّها، وعدوّهم ضئيل حقير، ولكنّه يتشبّث بأمريكا وإنجلترا وفرنسا… وهم يفرضون على عملائهم عندنا أن يمتصوا غضب هذا الجمهور الساخط بكل سبيل ممكن، كلما تفجّرت هذه الأمة غضباً وسخطاً.
فلا يجد هؤلاء القادة سبيلاً أيسر وأفضل من هذه المؤتمرات التي يتنادون إليها، لتحميهم من غضب الجمهور، ولتمكّنهم من امتصاص هذا السخط العارم الذي يتفاعل في دمائهم وأعصابهم.
إنّ السجون والمحاكم، والأمن، والاستخبارات لا تنفع دائماً. إنّ هذا الجمهور الكبير المليوني، عندما ينزل الى الشوارع هادراً ساخطاً، كالسيل العارم، لا يصدّه الأمن والاستخبارات وشرطة الشغب… والعلاج مؤتمرات القمة، لامتصاص غضب الجمهور، والعمل على تهدئته.
2 ـ إعادة الاعتبار للقادة الذين بقوا يتفرجون على محنة غزّة وحصارها وصراخها واستغاثتها، من دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، أو يتخذ موقفاً، حتى لو كان للإعلام فقط، وهم يشهدون كل يوم أنّ مأساة غزّة تتوسع وتتعمق وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وهم يتفرجون عليها من داخل قصورهم، كما يتفرج حكام موزمبيق، وزامبيا، وبوركينافاسو… وكأنّ الأمر لا يعنيهم، وصراخ الأطفال والمرضى لم يبلغهم.
هؤلاء يجدون فرصة في هذه المؤتمرات وأداةً لإعادة الاعتبار الى مواقعهم ومناصبهم.
ويذهبون إليها، كما لو كانوا يتقدمون الى مواجهة إسرائيل، في الصف المتقدم من الجبهة، في توديع رسمي حافل، ويعودون منها عودة الفاتحين في استقبال إعلامي فخم، وكأنّهم أكملوا تحرير فلسطين، وأنقذوا غزّة وشعبها من براثن العدوان الصهيوني الحاقد، ويُدْلون بتصريحات سياسية وعسكرية رائحين وغادين، في قاعات الشرف في المطارات.
3 ـ فرصة ذهبية لتجّار الأسلحة في العالم أن يتسلّلوا الى أروقة المؤتمر، ويلتقوا بهؤلاء الرؤساء والملوك، ليهوّلوا لهم أمر الإرهاب، والقاعدة، والحضور الإيراني في المنطقة، والهلال الشيعي، وحزب الله، وليس العدوان الإسرائيلي، والأطماع الإسرائيلية، ليبيعوا عليهم صفقات الأسلحة بأغلى الأثمان، وينقذوا أسواق الأسلحة العالمية في الغرب من الكساد، والأسواق المالية من السقوط والركود.
4 ـ تحويل الرأي العام الإسلامي ـ العربي من الأسئلة التي تُلِحّ عليهم، وتطالب بالجواب، وتُقْلق بال هؤلاء القادة إلى قضايا أخرى هامشية، جانبية، لا قيمة لها، بفعل الإعلام، الذي أصبح آلة للتزوير والتحريف، وإلهاء الناس.
إنّ الناس، في كل مكان يتساءلون: لماذا السكوت؟!!
لماذا حكام العرب وحكام المسلمين يسكتون عن كل هذه الجرائم؟!
لماذا إغلاق بوابة رفح على مرضى غزّة وجرحاها وأطفالها وجياعها وحجّاجها طيلة فترة الحصار الطويلة؟!
ولماذا إغلاق بوابة رفح على اللاجئين من غزّة، الذين يبحثون عن نقطة آمنة لعوائلهم وأطفالهم، فتصدهم القوات المصرية بأمر من القيادة المصرية؟
أين شيخ الأزهر من هذه الكوارث؟!
لماذا السكوت عن هذا الانشطار العميق في الصف الفلسطيني؟!
وإذا تدخّلوا لجمع الشمل، تدخّلوا لصالح محمود عباس ولإلغاء حماس وإجبارها على التخلي عن مواقعها السياسية التي كسبتها من خلال آراء الناس وانتخاباتهم؟
لماذا هذا التأييد المطلق من قادة العرب لأمريكا؟!
وتأييد أمريكا المطلق لإسرائيل؟!
وعدوان إسرائيل على فلسطين وسائر بلاد المسلمين؟!
لماذا هذا الإسناد الواسع من الغرب لإسرائيل؟!
ولماذا يسكت حكام المسلمين عن هذا الإسناد والدعم غير المحدود للغرب تجاه إسرائيل؟!
ولماذا لا يستخدمون النفط سلاحاً سياسياً لتعديل الموقف الغربي تجاه القضية الفلسطينية، إلى جانب الاستفادة من النفط في الحقل الاقتصادي؟!
ولماذا هذا التهويل والتسقيط لشعار توظيف النفط في قضايانا السياسية؟ أوَ ليس الغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً، ومجلس الأمن تبعاً لأمريكا، يُسيِّسون العامل الاقتصادي؛ حتى عامل النقل الجوي لصالح قضاياهم، فيخططون للحصار الاقتصادي، ويحرّمون النقل الجوي…؟! أمّا نحن فلا يجوز لنا استخدام النفط في قضايانا السياسية؛ لأنّه من تسييس النفط، وتسييس النفط حرام؟!
ولماذا تحتضن العواصم الإسلامية مثل عمان والقاهرة وغيرهما… التمثيل الدبلوماسي والاقتصادي لإسرائيل، وتمارس إسرائيل أبشع أنواع الجرائم في بلاد المسلمين؟
ولماذا يحظر الاستفادة من الطاقة النوويّة؛ حتى للأغراض السلمية على المسلمين، في حين أن إسرائيل تملك عدداً كبيراً من الرؤوس النووية الجاهزة للإطلاق، بحدود 150 ـ 200 أو أكثر كما يقول الخبراء العسكريون؟
ولماذا ترك حكام العرب غزّة لوحدها تتضور جوعاً، وتتوجع ألماً، وتتفجر غضباً، وتصرخ، وتستغيث، ولم يغثها أحد من هؤلاء القادة الذين يريدون الاجتماع في الدوحة، حتى تأتي من جمعية إنسانية في الغرب تحمل إليهم الأدوية والملابس والقمح والبطاطس في سفينة صغيرة؟
يا للعار وللأسف!! ويا حسرة على المسلمين!!
ولماذا لا يوجّه هذا الغضب الإسلامي العارم في العالم الإسلامي لإنقاذ فلسطين؟ بل يخططون لتعويمه وتفريغه وتحويره وتحريفه؟
ولماذا كل هذا الترف، والتخمة، والتبذير، والإسراف في بيت مال المسلمين، ومن أموال المسلمين، والمسلمون في شرق آسيا وجنوب أفريقيا يتضورون جوعاً… إنّهم يبيعون أولادهم وبناتهم في أفغانستان والهند وبنغلادش لكي يعيشوا؟! يا لغيارى المسلمين!!
ولماذا هذا الإنفاق الهائل على المؤتمرات الدولية في عواصم الدول الكبرى من بيت مال المسلمين، والمسلمون جياع عُراة؟!
لقد بذلوا المليارات من الدولارات للقاء الأديان في أمريكا، ودعوا إليها الرؤساء والملوك من الغرب والشرق، وأنفقوا عليهم من بيت مال المسلمين من الأموال الطائلة ما لا يعلم حجمها إلا الله وحده، ودعوا إليه الرئيس الإسرائيلي عدو الله (شيمون بيريز)، لعنه الله، ليلقي فيهم محاضرة عن سياسة إسرائيل السلمية، ودورها في إشاعة السلام، والتعايش السلمي في المنطقة، ولينصحهم بالتعايش السلمي بين المعتدي والمعتدَى عليه، والغاصب والسليب، والمجرم الجاني والمجنيّ عليه، وليشهد المسلمون من كل الدنيا، لقاء شيخ الأزهر بعدو الله شيمون بيريز، وتبادل السلام والتحية بينهما.
مع كل الأسف!!
ألم يكن من الأفضل أن يُصرف بعض هذا المال على المحاصرين في غزّة لإنقاذهم من المجاعة والموت والظلام، وعلى جياع المسلمين في الهند وبنغلادش والباكستان وأفغانستان، لئلا يبيعوا أولادهم وبناتهم على تجّار الرقيق الأبيض، ليعيشوا؟!!
ولماذا التنكر والتجهم تجاه الحكومة الشرعية القانونية في غزّة، والانفتاح والتعاون مع حكومة محمود عباس أبي مازن، على حساب المقاومة الإسلامية الفلسطينية في غزّة؟!
ولماذا تكتظ السجون في بلادهم بعشرات الآلاف من حملة لا إله إلا الله، والدعاة الى لا إله إلا الله، ثم يطلقون أيدي الفاسدين والخلعاء الساقطين والمستكبرين في أمور البلاد، في الفن، والاقتصاد، والتجارة، والجامعات، والمواقع السياسية والإدارية؟
ولماذا هذه الإثارات الحادة للفتنة الطائفية ودعمها وإسنادها في العالم الإسلامي، وإحداث الفجوات وتعميقها بين المسلمين، في وقت يتعرض فيه العالم الإسلامي لأوسع هجمة سياسية واقتصادية وإعلامية وثقافية من قبل الغرب، والمسلمون بأشدّ الحاجة الى وحدة الصف والموقف والكلمة؟
ولماذا هذه الحرب الإعلامية والسياسية ضد حزب الله والمقاومة الإسلامية؟
ولماذا يلغي هؤلاء الحكام أحكام الله وحدوده وشرائعه، ويحاربونها علانية، ويوجّهون بلاد المسلمين إلى التبعية السياسية والثقافية والاقتصادية للغرب.
ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ و…
ولا تنتهي هذه التساؤلات عند حد. وتتفاعل هذه التساؤلات، وتعتمل في نفوس المسلمين، وتتفجّر عندما تشتد هذه الأزمات، كما تفجرت في العدوان الإسرائيلي على لبنان، واندحار الجيش الإسرائيلي في مقابل المقاومة الإسلامية (حزب الله)، وكما تتفجر اليوم تجاه العدوان الإسرائيلي الوحشي الذي يجري في غزّة، والسكوت المحيّر المخجل الذي يعرفه المسلمون عن هؤلاء الحكّام؟
في مثل هذه الأزمات والانفجارات، والسخط الذي يعتمل في نفوس المسلمين، لا يجد الحكام أداة لتحريف الأفكار والآراء وتحويلها إلى أمور جانبية، هامشية إعلامية، أفضل من هذه المؤتمرات التي تُمكّنهم من اجتياز هذه الموجة العارمة العالمية من سخط الجمهور بأيسر الوسائل وأهونها، والتذرع بها لتجنب الصدمة.
5 ـ وينتهي هذا المؤتمر عادة بمبالغ من المال يتبرع بها هؤلاء القادة لإعادة إعمار غزّة، وترضية خواطر أهل غزّة، كما حصل في العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولكن هذه الأموال تُحَوّل الى محمود عباس (أبي مازن) بطبيعة الحال، كما تحوّلت تبرعات السعودية للبنان إلى السنيورة، ليحجبها عن جنوب لبنان، حيث الخراب والدمار… إنّهم سوف يُقَدِّمون هذه التبرعات إلى محمود عباس ليستخدمها لإعادة غزّة إلى حظيرة الطاعة، وإجبار حركة حماس على التخلّي عن المقاومة وعن موقعها الشرعي في الحكم.
ولا أريد أن أسترسل فيما يجنيه الفلسطينيون والعرب والمسلمون عموماً من مؤتمر الدوحة، إن انعقد، وهي كثيرة، إن أردنا أن نبسط القول فيها، وأن نكشف مخازي الذين باعوا بلاد المسلمين وأسواق المسلمين وثروات المسلمين وأبناء المسلمين لأمريكا؛ بل باعوا ضمائرهم لأمريكا بإزاء ثمن بخس.
ولو كانوا يعتمدون في هذه المواقع على الله تعالى، وعلى شعوبهم، بعد ذلك، لوجدوا سعة ودعماً وإسناداً وقوة، أضعاف أضعاف ما تهبهم أمريكا للإبقاء على مواقعهم في الحكم.
التضامن مع غزة والمقاطعة لأمريكا
ألم يكن بوسع حكّام العرب والمسلمين أن يعلنوا تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في غزّة، ويعلنون أنّهم يقفون مع أهل غزّة في صفِّ واحد، وكل القيادات العربية والإسلامية تقف صفاً واحداً مع الشعب الفلسطيني في غزّة، ويعلنون أن أيّ عدوان على غزّة عدوان على كل العرب وكل المسلمين، والحرب التي تعلنها إسرائيل على غزّة، حرب على العرب والمسلمين جميعاً؟
أ ترى لو أن حكّام العرب وحكّام المسلمين، كانوا يتخذون قراراً بهذه القوة، وبهذا الوضوح، وبهذه الجرأة والشجاعة، في اجتماع لمؤتمر القمة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي… هل كانت إسرائيل تجرؤ على مواصلة هذا القصف والقتل والتخريب لشعب محاصر جريح؟
وكأن إسرائيل، في هذا القصف والقتل والتخريب والغارات الجوية الأثيمة، تتحدى العرب وتتحدى المسلمين جميعاً، مطمئنة أن هؤلاء الحكّام، ليس بوسعهم أن يصنعوا مثل هذا القرار الصعب، وليسوا بمستوى مثل هذا القرار.
وكانت إسرائيل قبل هذا تهددهم بحرب الأيّام الستة، وكأنها كابوس مخيف تخوفهم بها، ولكن بعد حرب تموز (2006) وهزيمتها في مقابل مجموعة صغيرة من المقاومة الإسلامية في لبنان، لم يعد بوسع إسرائيل أن تهدّد العرب بحرب الأيّام الستةً، ولكن إسرائيل تعرف كيف توظّف النفوذ الأمريكي لإرغام قادة العرب على التخاذل تجاه العدوان الإسرائيلي.
ولو كان القادة المسلمون والعرب يملكون الجرأة والشجاعة الكافية، لكان بإمكانهم أن يهددوا الغرب، ومنهم أمريكا بقطع ضخ النفط، ولو كانوا يصنعون ذلك لشهر واحد على الأقلّ، لاختلّت التوازنات الاقتصادية في الغرب، واختلت موازنات الطاقة، وعدل حكّام الغرب، وفيهم حكّام أمريكا عن استراتيجية دعم العدوان الإسرائيلي والوقوف إلى جانب إسرائيل في السلم والحرب.
ولكن قادة الغرب يعلمون جيداً أن ليس بوسع هؤلاء الحكّام أن يتخذوا قراراً بهذه المثابة من الشجاعة والجرأة.
ولو كانوا يهددون المنظمة الدوليّة بالمقاطعة من قبل الدول الإسلامية عموماً، العرب وغير العرب، إذا لم تتخذ المنظمة الدولية موقفاً عادلاً من النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لكان للمنظمة الدولية موقف آخر غير هذا الموقف، ولَاضطُرّت إلى أن تغير من سياستها تجاه العدوان الإسرائيلي.
ولكن المنظمة الدولية واثقة ومطمئنة من أنّ قادة العرب والمسلمين، عدى نفر قليل منهم لا يجرؤون على اتخاذ مثل هذا القرار، وأن بعض القيادات الإسلاميّة تقف موقف المتفرج من مذبحة غزّة وكأن الأمر لا يعنيها.
والنفر القليل الذين يملكون أمر اتخاذ مثل هذا القرار، لا يمكنهم أن ينهضوا بهذا المشروع السياسي لوحدهم في مواجهة إسرائيل والغرب والمنظمة الدولية.
يا قادة العرب والمسلمين!
يا قادة العرب والمسلمين (المعتدلين) كما تسمّيكم بذلك (رايس) وزيرة خارجية أمريكا، لا تغتروا بالدعم الأمريكي، والمشاريع الأمريكية، ولا يغرنّكم وصف (الاعتدال) الأمريكي، ولا تغتروا بالمشروع الأمريكي الوهمي الافتراضي في (الشرق الأوسط الجديد).
إنّ أمريكا لا تستطيع أن تحميكم من غضب شعوبكم، إذا تفجرت هذه الشعوب بالسخط عليكم، وقد عرفتم كيف احترق الشاه في ثورة الشعب الإيراني الغاضبة، وكيف احترق صدام في ثورة الشعب العراقي الغاضبة، ولو كان الشعب العراقي راضياً عن صدام، لما تمكّنت أمريكا أن تحتلّ قصور صدام خلال شهر واحد فقط من بدء الهجوم على العراق… عودوا إلى جبهة شعوبكم، وأحضان أمتكم الإسلامية الشاهدة، الواعية، المباركة، وتوبوا إلى الله.
فإنّكم إذا عدتم الى الله مولاكم الحقّ، وعدتم إلى جبهة شعوبكم، وجدتم في العودة، إلى الله وإلى شعوبكم، حصناً منيعاً، يحصّنكم من بأس أمريكا وغضبها. وهي أعجز من أن تنالكم بسوء، وأنتم في قلوب الناس، وبينكم وبين الناس علاقة الثقة والمودّة والتعاون والتناصر.
حكم الله في الكيان الصهيوني
إنّ هذا الكيان، كيان كافر، غاصب، معتدٍ، لا يزال يمارس العدوان على المسلمين منذ ستين سنة وإلى الآن. وقد ارتكب خلال هذه الفترة السوداء من تاريخ إسرائيل من المجازر والمذابح، والقتل، والتخريب، ما سوّد به صفحات تاريخه الأسود.
وقد أمرنا الله بقتال المعتدين، وقتال الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم، وخربوا بيوتهم وقتلوهم. يقول تعالى:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتل}[6].
ويقول تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً}[7].
ويقول تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}[8].
إنّ هذه الآيات، آيات محكمات من كتاب الله، لا يناقش في دلالتها على وجوب قتال إسرائيل فقيه لم يبع آخرته بالدنيا.
وليس للقيادات الإسلامية والعربية الاعتذار بعجزهم مجتمعين عن قتال إسرائيل، وعلى الأقل دفع عدوانها عن المسلمين في غزّة، وفلسطين والجولان ولبنان، فإنّ حرب تموز لم تبق لأحد منهم عذراً، وأتمّت الحجة على القيادات العربية والإسلامية جميعاً… فقد أدخلت إسرائيل في هذه الحرب كل آلياتها العسكرية؛ من السلاح الجوي والبري والبحري، فلم تحقق نجاحاً في مواجهة جماعة صغيرة، من المقاومة الإسلامية في لبنان، وكانت تطلب – بداية – أن تقضي على (حزب الله) قضاءً كاملاً، فلم تفلح، وحاولت أن تحقق نصراً في هذه المعركة، فلم يشأ الله تعالى ذلك، فخرجت مهزومة مندحرة، ولا تزال تعاني من تلك العقدة التي تمكنت منها في حرب تموز.
وطائفة من القيادات العربية والإسلامية اليوم، تقيم علاقات سياسية وتجارية مع إسرائيل، وتتبادل معها السفارات، وهو عمل يتقاطع بشكل واضح مع صريح كتاب الله في وجوب القتال والجهاد، وحرمة التعاطي معهم في العلاقات الإنسانية والتجارية والسياسية.
يقول تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[9].
والتولّي هنا، بقرينة صدر الآية الكريمة، هو التعاطي في الأمور الإنسانية والسياسية وفي القسط…
العلاقة مع أمريكا
والعلاقة مع أمريكا من نوع العلاقة مع إسرائيل، فلا تزال أمريكا واقفة إلى جانب إسرائيل، تدعمها، وتسندها، وتزوّدها بالمال والسلاح، وتوظّف لها قدراتها وإمكاناتها الإعلامية والسياسية، وتستخدم لصالحها حقّ الرفض في مجلس الأمن، إذا شاء مجلس الأمن أن يتخذ قرارا ضد إسرائيل. وما أقلّ ذلك!!
وهذه القضايا لا تخفى على أحد اليوم.
ودعم إسرائيل وإسنادها من ثوابت السياسة الأمريكية واستراتيجيتها، التي لا تتبدل بسقوط حزب وفوز حزب آخر في الانتخابات الأمريكية، وبانتهاء رئاسة شخص وظهور شخص آخر في موقع الرئاسة الأمريكية، إنّه من الثوابت التي لا تتغير في السياسة الأمريكية.
وفي الهجوم الإسرائيلي الغادر من الجو على غزّة، وما جرى من التخريب والقتل والقصف، لم ينطق الرئيس الأمريكي بوش (لعنه الله) بكلمة واحدة تُشعر بعدم رضا أمريكا عن هذا الهجوم الغادر الذي تقوم به إسرائيل على غزّة، ويصرح ويقول: إنّه يتفهّم المجازر التي تقوم بها إسرائيل، وأن حماس هي السبب في كل ذلك… ولم ينطق (أوباما) الرئيس الجديد بكلمة واحدة، تعبّر عن عدم رضاه ـ على الأقل ـ بما تقوم به إسرائيل في غزّة.
وقد وضع حكّامنا وقياداتنا، في أكثر البلاد العربية وكثير من البلاد الإسلامية غير العربية، أيديهم في يد أمريكا، وينظمون سياساتهم الخارجية والاقتصادية والنفطية في إطار الثوابت السياسية لأمريكا.
أيّها المسلمون!
أيّها المسلمون؛ يا أمّة رسول الله (ص)، يا خير أمة أُخرجت للناس، أيتها الأمة المعتدلة الشاهدة القيّمة على الإنسانية كلّها {وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[10]، لم يبق لكم أمل في هؤلاء الحكّام، الذين وضعوا أيديهم في يد الأمريكان، وباعوا لهم دنياهم وآخرتهم، وضمائرهم وشعوبهم وبلدانهم وثرواتهم وخيراتهم… لم يبق لكم أمل في هؤلاء، ولا ثقة فيهم.
إنّهم ليسوا لكم بأولياء… إنّما أولياؤكم الذين يقيمون الصلاة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون حدود الله في الأرض، ويجاهدون أعداء الله، والأمناء على حدود الله وأموال المسلمين وثرواتهم، والذين لا يبيعون دينهم وآخرتهم بدنياهم.
وهؤلاء الذين تخاذلوا عن المسلمين الفلسطينيين في غزّة، وتركوهم تحت رحمة المقاتِلات الإسرائيلية، تصب عليهم النار والموت، وتصامموا عن استغاثة مليون ونصف مسلم في غزّة، كما تصامموا عن استغاثة الشعب اللبناني والمقاومة اللبنانية، وتركوهم تحت رحمة نيران إسرائيل في تموز سنة (2006) …
هؤلاء ليسوا لكم بأولياء، إنما أولياؤكم الغيارى على دين الله، وكرامة الإسلام والمسلمين، والمدافعون عن حريم الإسلام والمسلمين، والمرابطون عند ثغور بلاد المسلمين.
انزلوا إلى الشوارع، واصرخوا بموت أمريكا وإسرائيل، وطالبوهم بمقاطعة أمريكا وإسرائيل، إن لم تكونوا تأملون منهم الجهاد والمقاومة… لا تخافوهم، ولا يُضللنكم الإعلام المضلّل الذي يعمل لتلميع وجوه هؤلاء… اصرخوا في وجوههم، واملؤوا قلوبهم خوفاً ورعباً، وأشعروهم بحضوركم القوي المليوني الحاشد في الساحات، ويقظتكم وغيرتكم على كرامة الإسلام والمسلمين، وتهيؤكم الكامل للإسراع إلى نجدة المسلمين في فلسطين، وفي كل رقعة من أقاليم العالم الإسلامية… ولا يخدعنكم وعّاظ السلاطين الذين يُعرّفونهم بأنهم أولياء أمور المسلمين وأن طاعتهم واجبة… إنّهم ليسوا لكم بأولياء، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[11].
- [1] من المناسب أن نلفت هنا إلى أن هذا العدوان الذي أشار إليه الشيخ (رحمه الله) على غزة وفلسطين هو غير العدوان الذي أشرنا إليه في بحث (مشروعية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال) في أحد الهوامش. فهذا الذي تحدث عنه هنا كان على حياته (رحمه الله) وما أشرنا إليه هناك كان بعد وفاته بسنوات في أكتوبر 2023.
- [2] النساء: 75.
- [3] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج2، ص164، ح5.
- [4] الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 59 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ج15، ص141، ح1.
- [5] الصافات: 24.
- [6] البقرة: 190 – 191.
- [7] النساء: 75.
- [8] البقرة: 193.
- [9] الممتحنة: 9.
- [10] البقرة: 143.
- [11] المائدة: 55.