مواضيع

دراسة عن الطرفين الآخرين في المعركة

هذه دراسة عن المساحتين الرسمية والشعبية. والآن نتحول إلى حالتين أخريين، وهما الجبهة الاستكبارية المتمثلة في إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا. وجبهة المقاومة الإسلامية المتمثلة في حزب الله وحماس وسائر أجنحة المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان لتكتمل أطراف هذه الدراسة.

جبهة الاستكبار والغطرسة

ولعل أفضل تعبير عن هذه الحالة من الاستكبار: الغطرسة وفقدان المنطق، واستخدام منطق القوة… إنّ إسرائيل تختطف منّا ما يقرب من (10.000) رهينة، وفيهم الأطفال والنساء المحظور أسرهم في كل الأعراف الدولية، ولا تحاسبهم أمريكا على ذلك، ولا أنظمة الاستكبار الغربية، فإذا اختُطف منهم جندي واحد في غزة أو جنديان في لبنان، أحرقوا غزة ولبنان بصواريخهم ومقاتلاتهم والقنابل الفسفورية، ودمروا هذه البلاد وتلك، واختطفوا منهم خلقا كثيرا، وتقف أمريكا إلى جانب إسرائيل، وتقول إن إسرائيل ما دامت تدافع عن نفسها، فهي لا توافق على قرار وقف القتال في مجلس الأمن.

عشرة آلاف أسير عربي مسلم في سجون إسرائيل لا يحركون الضمير الأمريكي، وثلاثة أسرى إسرائيليين بيد الفلسطينيين وحزب الله يهتز الضمير الأمريكي لأجلهم!!

كيف نتعامل مع هذه الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية؟

وما هو تكليفنا الشرعي تجاه هذه الحالة الاستكبارية الفاقدة لكل القيم الأخلاقية والإنسانية والعرفية؟

منهج التعامل مع نظام الاستكبار العالمي

هناك منهجان للتعامل مع نظام الاستكبار العالمي، هذان المنهجان هما: (التفاوض) و(المقاومة).

وتميل الأنظمة العربية والإسلامية – في الغالب – إلى منهج التفاوض؛ بل تتبناه وتدافع عنه.

وتميل الشعوب في الغالب الى منهج المقاومة، وتعتقد أنّ منهج التفاوض مع إسرائيل لا يحقق شيئاً، وأن إسرائيل في كل تفاوض بينها وبين الأنظمة العربية، أخذت منهم ولم تعطهم شيئاً.

وماذا جنى الفلسطينيون – الجناح المفاوض – من التفاوض مع إسرائيل؟! إسرائيل تنقض العهود والمواثيق مرة بعد أخرى، وأمريكا تقف معها في كل نقض وحنْث وانتهاك للعهود، وتنقض كل قرار لمجلس الأمن لا تقره إسرائيل.

إن التجربة المريرة الطويلة، في التعامل مع الاستكبار العالمي، تحكم بفشل هذا المنهج وسقوطه وعدم جدواه.

إن نظام الاستكبار العالمي يحكم بالعنف، والقوة، والاستكبار، والإرهاب، والاستبداد؛ استبداد النظام الاستكباري بالشعوب والدول المستضعفة.

إنه يسمح لطرف أن يمتلك ما يقرب من ثلاثمائة رأس نووي جاهز للتفجير والتخريب، ولا يسمح للطرف الآخر أن يمتلك تقنية استخدام الطاقة النووية في الأمور السلمية (الكهرباء والطب وغير ذلك).

ويسمح لطرف أن يحتفظ في سجونه الرهيبة بما يقرب من عشرة آلاف أسير عربي مسلم، يختطفهم من أحيائهم وبيوتهم ومدارسهم ومراكز عملهم.

ثم يضيق صدره وحلمه بثلاثة جنود إسرائيليين يختطفهم (حزب الله) و(حماس).

يسمي المقاومة الإسلامية التي تدافع عن بلدها وبيوتها: (إرهاباً)، ويبرّر لإسرائيل التخريب الواسع في لبنان وغزة.. والعنف والإرهاب والاستيطان في أحياء المسلمين ومدنهم.

وفي ضوء ذلك من حقنا أن نتساءل كيف: يمكن التفاوض مع نظام من هذا النوع؟

ولا تختص هذه الذهنية المتغطرسة بأمريكا، إنها خاصية (النظام الاستكباري) أينما كان هذا النظام من القارات الخمسة، ومن حقب التاريخ.

إن المنطق الوحيد، في مثل هذه الحالات، هو مواجهة القوة والاستكبار والغطرسة بالمقاومة… ولا يفهم النظام الاستكباري غير هذه اللغة على الإطلاق.

المقاومة المسلحة والمقاومة الاقتصادية

إن قطع النفط عن أنظمة الاستكبار العالمي لشهر واحد فقط، من قبل الدول الإسلامية، يهدد النظام الاقتصادي في أنظمة الاستكبار العالمي في الغرب بالكامل، ويخضعهم لمنطق العدل والحق.

إن هؤلاء الذين يرمون بيوت الناس بالحجارة، بيوتهم من زجاج… إنّ نظام الاستكبار العالمي شديد التأثر بالعوامل الضاغطة الاقتصادية، ولكن ماذا نفعل إذا كان حكامنا قد أعطوهم العهود والمواثيق أن لا يدخلوهم في مآزق اقتصادية وسياسية مهما كلف الأمر، ويصرّحون بأننا لا نستخدم النفط في السياسة، وعارضوا استخدام النفط في السياسة حتى في عدوان إسرائيل على مصر والأردن وفلسطين وسوريا في عدوان (1967 م)[1].

إن المقاومة ليست بمعنى إلغاء الطرف الآخر، ولسنا نريد أن نلغي الطرف الآخر الآن، ولكننا نستخدم المقاومة في مقابل الإلغاء.

نحن لا نريد الإلغاء لأحد، ولا نرضى لأحد أن يلغينا، وهذا هو جوهر منطق المقاومة الإسلامية الحديثة.

المقاومة ثقافة وإيمان

المقاومة ليست تنظيماً بشرياً فقط، ليتأثر بالضربة العسكرية، وبالاعتقال والاضطهاد والمطاردة… إنها ثقافة وإيمان، وتنظيم بشري قائم على الثقافة والإيمان، ولا يمكن القضاء على التنظيم البشري القائم على الثقافة والإيمان إذا كانت الثقافة تعتمد الأصول الموضوعية في التفكير والتنظير والعمل.

والمقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان تنظيم بشري قائم على الثقافة والإيمان، ومثل هذا التنظيم لا يسقط بالضربات العسكرية، مهما كانت قاسية.

يسقط منهم مقاتل في ساحة القتال، فيحل محلّه عشرة، ويسقط منهم عشرة، فيحلّ محلهم مائة.

وأقرب مثال على ذلك انتفاضة الحجارة في الشارع الفلسطيني… إن إسرائيل التي كسرت شوكة الجيوش العربية في حزيران عام (67)، لم تتمكن أن تقضي على هذه الانتفاضة التي يقودها المراهقون الفلسطينيون في شوارع غزة.

الوسائل الإسرائيلية للقضاء على المقاومة

إن إسرائيل تدرك هذه الحقيقة جيدا، ولذلك فهي تتوسل بوسائل معقدة وملتوية للالتفاف على المقاومة… وإليك نماذج من هذه الوسائل:

1- إن الغاية من الضربات الموجعة التي وجهتها إسرائيل من الجو للأحياء الشعبية في بيروت وصور والجنوب اللبناني وغيرها، إن الغاية من هذه الضربات كانت تأليب الناس على المقاومة.

2- إثارة الفتنة الطائفية في لبنان بين الشيعة والسنة؛ لتطويق (حزب الله) في الإطار الطائفي العازل، وإثارة الأوساط السنية في لبنان وخارجه ضد حزب الله؛ لعزله عن الأوساط الإسلامية السنية، وبالتالي إضعافه.

3- ضرب البنى التحتية في لبنان من محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومحطات الوقود، والجسور، وشبكة تمديد المياه، وشبكة الكهرباء، والمواصلات؛ بهدف إضعاف الحالة الاقتصادية في لبنان، وبالتالي إضعاف المقاومة.

4- وأخيراً ممارسة مختلف الضغوط السياسية؛ الدولية والإقليمية والعربية واللبنانية؛ لتجريد حزب الله من سلاحه، وإنهاء المقاومة واحتكار السلاح للفئات والجماعات الموالية لإسرائيل وللغرب.

فشل هذه الوسائل

ولشدّ ما تعجّب قادة إسرائيل عندما وجدوا أن هذه الخطط باءت بالفشل جميعاً أو غالباً، ولم تَعُدْ إسرائيل بحصيلة من هذه الخطط الواسعة، وعاد الناس الذين قصفت إسرائيل بيوتهم وشرّدتهم إلى الأردن وسوريا… عادوا إلى أنقاض بيوتهم والفرحة تغمرهم، وهم يرفعون أصابعهم إشارة إلى النصر، وزاد هذا النصر من تماسك المسلمين شيعة وسنة، ورصّ صفوفهم في مواجهة التحديات الأمريكية – الإسرائيلية أكثر من ذي قبل.

إن الجمهور الذي تلقّى هذه الضربات الموجعة في لبنان من إسرائيل، وانهارت بيوتهم على رؤوسهم؛ كانوا يستخرجون شهداءهم من تحت الأنقاض، ويعلنون عن تضامنهم مع المقاومة، وعزمهم على مواصلة المقاومة.

أما الذين كانوا يعيشون في القصور، في أمان وسلام، ولم يصبهم أذى من القصف الإسرائيلي الوحشي، فكانوا يتذمّرون من حزب الله، ولا يخفون سخطهم وغضبهم على المقاومة.


  • [1] وحتى اليوم يرفض زعماء العرب استخدام هذا السلاح ورفعه في وجه إسرائيل رغم المذابح التي ارتكبتها وترتكبها في حق الشعب الفلسطيني والمقاومين في العالم. وكذلك لا يرفعونه في وجه أي دولة غربية استكبارية معتدية على دولة عربية أو إسلامية، والاحتلال بكل أنواعه من قبلهم تعاني منه الدول الفقيرة والمخالفة للاستكبار العالمي. علما أنه لو استخدمت هذه الدول العربية المصدرة للنفط هذا السلاح في وجه هؤلاء لاستطاعت أن تركّع تلك الدول خلال فترة قصيرة دون استخدام أي سلاح ودون إراقة أي دماء ودون بذل أي جهد. لكن كما تحدث الشيخ (رحمه الله)، فإن هذه الدول وهؤلاء الزعماء والقادة لم يكونوا ليتسلموا مناصبهم أو ليبقوا فيها لولا أنهم عملاء وأتباع لتلك الدول الاستكبارية، ولولا تعهّدهم بعدم مواجهتهم.
المصدر
كتاب مقاومة الاحتلال الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى