شروط النصر

جدول المحتويات
إن وعد الله تعالى بالنصر قاطع لا يتردد فيه مؤمن، مهما قست الظروف، وامتدت المحنة، ولكن الوعد الرباني يتحقق عند توفر الشروط التي يطلبها الله تعالى منا. وأهم هذه الشروط هي:
الشرط الأول: مشيئة الله
فنحن نلتقي أولا بقوله تعالى:
>وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَی ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةً وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ 5 وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِیَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ<[1].
فهي مشيئة إلهية قاطعة، ويا لها من مشيئة مباركة! المنّة على المستضعفين من الرجال والنساء والأولاد، وتحويل القوة والسلطان إلى هؤلاء المستضعفين من أيدي الجبابرة والطغاة، والتمكين لهم في الأرض، ثم الشماتة بالطغاة والجبابرة الذين كانوا يتحكمون من قَبْل في دماء المسلمين وأعراضهم، ويستكبرون في الأرض.
إنه الانقلاب الحقيقي في ميزان القوى، وفي أمر الإمامة والقيادة في الأرض إنه إرادة الله: (وَنُرِيدُ).
شروط تحقق المشيئة الإلهية
ولكن إرادة الله تعالى لها شروطها، ومن لطائف التعبير والسياق في القرآن الكريم فصل القضايا عن شروطها أحياناً ليبعث في نفوس المسلمين الأمل، وفي آية أخرى من كتاب الله نقرأ الوعد الإلهي بالتفصيل، ونقرأ شروطه بالإجمال:
>وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً<[2].
وهذه الآية الكريمة تُجمل الشروط في الإيمان والعمل الصالح:
ولا شك أن الإيمان هو الشرط الأول، وهو الأساس والقاعدة لكل جوانب الشخصية المؤمنة الداعية، وهو المنطلق لأفكاره ومفاهيمه وقيمه وسلوكه.
والنصر لا يشذ عن هذه القاعدة، فإن الإيمان بالله تعالى يمنح الإنسان المؤمن الثقة، والقوة، والتوازن، والطمأنينة، والسكينة، وهي أهم القضايا في تحقيق النصر، ولا يتحقق شيء من ذلك من دون الإيمان بالله.
يقول تعالى، فيما يثبّت به فؤاد الفئة القليلة المؤمنة، بعد نكسة أُحُد:
>وَلاٰ تَهِنُوا وَلاٰ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ<[3].
والاستعلاء الحقيقي يتحقق عندما تكون الأمة مؤمنة، وما عدا ذلك بطر، وغرور، وباطل.
ويخاطب (عز وجل) المشركين من قريش، بقوله:
>وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّٰهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ<[4].
الشرط الثاني: العمل
وهو شرط متشعب كثير الأطراف، ويمتاز بصفات كثيرة؛ منها:
الصفة الأولى: التقوى
إن التقوى من أهم صفات العمل؛ وهي التزام حدود الله تعالى. وقد يستغرب بعض الناس الذين لم يألفوا الفكر الإسلامي، ولم يأنسوا بالقرآن الكريم أن تكون التقوى والتزام حدود الله تعالى في الحلال والحرام من أهم شروط النصر، ويتساءل: وما صلة الذنوب والمعاصي؛ سيّما لو كانت خارج حقل العمل والدعوة، بالنصر؟!
إن الذهنية الأوروبية تقف مستفهمة عن علاقة التقوى بالنصر، ولا تفهم أن تكون هناك صلة بين هذا وذاك، ولكن الذهنية الإسلامية التي بلورها القرآن الكريم لا تستطيع أن تفصل بين أطراف الشخصية، ولا تستطيع أن تفصل بين علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالناس وعلاقته بالأشخاص وعلاقته بساحة القتال… إنها في النظرية الإسلامية كُلٌّ مرتبط، فإذا تفكك بعضه تهدم سائره، والقرآن الكريم صريح وواضح في ذلك:
>وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ<[5].
فمعية الله للمؤمنين مشروطة بالتقوى:
>إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَالْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ<[6].
>وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ<[7].
>فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ<[8].
>وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ<[9].
فالشرط الذي يجب أن يتصف به الداعية إلى الله تعالى بعد الإيمان: التقوى، وأي تهاون في ذلك أو تسامح في حدود الله وحلاله وحرامه يسلب عنه صفة الداعية المؤمن، ويخرجه من حظيرة الدعاة إلى الله تعالى.
إن التقوى (دار حصن عزيز، والفسوق دار حصن ذليل) ، فالتقوى تحمي صاحبها في حصن منيع من الشيطان ووساوسه، ومن أهواء نفسه وشهواته، وهي الخطوة الأولى من النصر، فإن ميدان الداعية الأول هو (نفْسُه)، فإذا أنجز مهمته في هذا الميدان، واطمأن من نفسه، وجاهد نفسه، تقع عليه بعد ذلك مسؤولية الدائرة الصغيرة من الجهاد.
ومن العجب أن تكون ساحة الحياة والصراع القائم بين الكفر والإيمان هي الدائرة الصغيرة لجهاد المؤمن، وساحة النفس، والصراع القائم فيها بين التقوى والفجور، هي الدائرة الكبرى لجهاد المؤمن.
الصفة الثانية: الإخلاص
فإنما يعمل الداعية لله، ويقاتل لله، ويتحمل ما يلاقيه في طريقه من العنَت والعذاب لله… وهذا الشرط روح عمل الداعية، وجوهر قيمة عمله. فإذا أدخل الشيطان في نفسه حب الدنيا والنزوع إلى شأن من شؤون الدنيا، وأفقده الإخلاص في عمله، فقد تمكن الشيطان من مصادرة عمله كله.
والله تعالى، حيث يَعِد عباده الصالحين بالمعية الإلهية والهداية، يشترط أن يكون الجهاد من أجله تعالى وفي سبيل مرضاته (عز وجل) :
>وَالَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا<[10].
ويحذّرنا تعالى أن نكون نحن كالذين يخرجون من ديارهم بطراً، ورئاء الناس، وابتغاء متاع من متاع الحياة الدنيا من سلطان، ومال، وشأن غيره.
>وَلاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بَطَراً وَرِئٰاءَ النّٰاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَاللّٰهُ بِمٰا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ<[11].
الصفة الثالثة والرابعة: الصبر والصلاة
قال تعالى: >اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاٰةِ إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰابِرِينَ<[12].
وهما من أهم شرائط العمل، فإن العمل في سبيل الله تعامل مزدوج في آن واحد مع الله ومع الناس.
وتعامل الداعية مع الله صلاةٌ، ومع الناس صبرٌ.
ولابد له من أن يذكر الله تعالى، ويكون على ذكر دائم وصلة دائمة بربه (عز وجل) ، وأن يفزع إلى الله بالدعاء فيما يعتري طريقه من عقبات، ومشاكل، وعوائق، تعوق تقدم الدعوة إلى الله، وفيما يوسوس الشيطان في نفسه. وهذا اللجوء إلى الله (الصلاة)، يمنح المؤمن قوة، وثقة، ويمدّه بإمداد متصل من ربه (عز وجل) ، في طريقه الشائك.
واستمع معي إلى طرف من أدعية الدعاة إلى الله من الأنبياء وعباد الله الصالحين، فيما كان يُلمُّ بهم من متاعب وصعوبات في طريق ذات الشوكة:
>رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنٰا وَبَيْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفٰاتِحِينَ<[13].
وبإزاء تهديد فرعون يتضرع السحرة إلى ربهم بعد أن آمنوا:
>رَبَّنٰا أَفْرِغْ عَلَيْنٰا صَبْراً وَتَوَفَّنٰا مُسْلِمِينَ<[14].
ويفزع قوم موسى إلى ربهم في محنتهم بفرعون:
>رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةً لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ 85 وَنَجِّنَا بِرَحۡمَتِكَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ<[15].
>رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا وَاغْفِرْ لَنٰا إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ<[16].
وهذا هو الطرف الأول: (الصلاة).
والطرف الآخر التعامل مع الناس: (الصبر). إن الصبر تعامل مع الناس، ومع حقائق هذا الكون، وسنن الله تعالى في هذه الأرض.
فإن لله سننا في أرضه، وفي حياة الناس، وفي مسير التاريخ، وما لم يعرف الداعية هذه السنن، ولا يعرف مداخلها ومخارجها، وكيف يتعامل معها، فإنه يفشل في أداء مهمته.
إن الفرد، والمجتمع، والعقول، والعواطف، والاقتصاد، والسياسة، والحكم، والرأي العام، والحركة، والثورة، والمال، والإدارة، والتاريخ… وكل ما يتصل بعالم الإنسان، يخضع لسنن إلهية ثابتة، كما تخضع الأشياء للسنن والقوانين الإلهية، وكما تخضع الجاذبية، والكهرباء، والبخار، وطبقات الأرض، والجبال، والبحار، والجَزْر، والمد، ونبات الأرض، لنواميس وقوانين إلهية ثابتة، كذلك عالم الإنسان بكل تعقيداته.
وما لم يعرف الداعية سنن الله تعالى في حياة الإنسان، والتاريخ، والفرد، والمجتمع، لا يستطيع أن يؤدي مهمته الأداء الحسن المناسب، فإذا عرف هذه السنن، وأحسن معرفتها، بما آتاه الله من نور، وبما يكتسب من تجربة وخبرة في حياته العملية، وخبرات وتجارب العاملين والمجاهدين من قبله… فقد حقق شرطاً هاماً من شروط النصر، فلابد أن يصبر على هذه السنن، ويعترف بها، ويعطي للزمان حقه، ولمراحل العمل حقها الثابت.
فإنّ الفشل أقرب شيء إليه، لو لم يحاول أن يعرف سنن الله في حياة الإنسان، أو حاول أن يعاكس التيار، ويخترق السنن، ويتجاوز مراحل العمل، ويتناسى دور الزمن، ويتجاهل أنه يتعامل مع إنسان آخر له إرادته، ورغبته، وشخصيته، وتتحكم في تكوينه وشخصيته سنن إلهية ثابتة… تماماً كما يفشل الفلاح، لو أنه لم يعرف متى يزرع، وأين يزرع، ومتى يحصد. فإذا تغافل عن سنن الله في وقت الزرع أو وقت الحصاد أو مكان الزرع، فإنه لا يجني من عمله غير الخسران.
وفي رأيي أن الدعاة إلى الله تعالى، لابد أن يلموا إلماما كافيا كاملا بتاريخ الدعاة إلى الله تعالى، وممارساتهم، في حياتهم، ومع الناس، منذ نبي الله نوح (ع) إلى عصرنا، وبصورة خاصة لابد أن يلمّوا إلماما كافيا بسيرة رسول الله (ص) ، ليعرفوا سنن العمل قبل كل شيء. ولابد أن يعيشوا مع الناس، ويتعاملوا مع الناس، ويقرأوا ويسمعوا، ويعملوا في صفوف الناس، ليعرفوا عن كثب سنن الله تعالى في حياة الإنسان…
ثم لابد أن يتزودوا بعد ذلك، بالصبر في التعامل مع الناس، والصبر في مواجهة الظالمين، والصبر في توعية المسلمين، والصبر في تحريكهم، وإعداد العدّة المادية والمعنوية لكل ذلك، وتحمُّل متاعب الطريق، وإعطاء الزمن دوره، والاعتراف بالزمن كعامل أساسي ـ في سنن الحياة ـ لنجاح العمل وتقدمه، والصبر على أخلاق الناس وكلامهم، والصبر على طول الطريق وبُعد الشُّقة، والصبر على الأسلوب، والصبر على المرحلة، والصبر على تحديات الظالمين، والثبات، والإعداد، والاستقامة، والاستمرار، والنَّفَس الطويل الواثق في العمل.
وطبيعي أن هذه المراحل الشاقة من العمل والصبر، لا يمكن أن يجتازها الداعية وحده، فالطريق أبعد من أن يقطعها الداعية إلى الله وحده، والحِمل أثقل من أن يحمله الداعية وحده، فلابد من أن يكون مع الله، ليكون الله معه، ولِيخفف عنه ثقل العمل، ويقرِّب له الطريق الطويل…
ولابد له إذًا من الصلاة، ولابد من أن يفزع إلى الله، ليكون معه في الطريق الشائك، ولابد أن يقترن الصبر بالصلاة، ليصل الغاية في مسيره، بمعية الله تعالى.
>اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاٰةِ إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰابِرِينَ<[17].
فإذا استقام الدعاة إلى الله تعالى على الطريق الصعب، وصبروا، فإن النصر لن يتخطاهم، ورحمة الله تعالى لن تعدوهم.
>إِنَّ الَّذِينَ قٰالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقٰامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاٰئِكَةُ أَلاّٰ تَخٰافُوا وَلاٰ تَحْزَنُوا<[18].
>إِنَّ الَّذِينَ قٰالُوا رَبُّنَا اللّٰهُ ثُمَّ اسْتَقٰامُوا فَلاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ<[19].
واقرأ معي كيف يؤدب الله تعالى نبيه بأدب النبوّة، ويعلّمه ألا يستعجل في طريق الدعوة، ويتعلم الصبر ممن سبقه من أولي العزم من الأنبياء:
>فَاصْبِرْ كَمٰا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاٰ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ<[20].
ومن قوم موسى المستضعفين جعل الله تعالى أئمة وقادة أورثهم سلطان فرعون بما صبروا:
>وَجَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا لَمّٰا صَبَرُوا<[21].
ويأمر الله تعالى رسوله (ص) أن يتّبع ما يوحى إليه، ويصبر مع قومه، وينتظر حكم الله:
>وَاتَّبِعْ مٰا يُوحىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتّٰى يَحْكُمَ اللّٰهُ<[22].
وأحوج ما يكون الداعية إلى الصبر عندما تطول المحنة، وتقسو، فيستخفّه الذين لا يوقنون بالله:
>فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَلاٰ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاٰ يُوقِنُونَ<[23].
وحبذا لو توقفنا لحظات عند هذه النقطة من البحث، فهي من أهم النقاط التي يعاني منها المؤمنون الدعاة، على اختلاف شعوبهم، وأوساطهم، في هذه الفترة القاسية من تاريخهم، ويحتاج فيها المؤمنون إلى وعي اعتقادي لطبيعة المرحلة القاسية التي يمرون فيها، ونشير بهذا الصدد إلى نقطتين مهمتين:
1ـ إن فترة الابتلاء قد تطول على المؤمنين، وقد تكون قصيرة، وطول الفترة وقصرها يخضع لمستوى الإيمان والعمل الذي تقدمه الأمة المؤمنة، ولقوانين إلهية أخرى لا نعرفها، وقد تقسو المحنة والفتنة بالمؤمنين، وعادة تعتبر هذه القسوة مخاضاً للنصر، تنتبه خلالها الأمة، القطاعات الواسعة من الأمة، وتستقطب فيها الطلائع المؤمنة المجاهدة عطف الأمة وثقتها خلال هذه المحنة، والأمة تمنح عطفها وثقتها للعاملين في حالة المحنة أكثر مما تعطيها في حالة اليسر والرخاء.
ومخاض النصر (المحنة) قد يكون قاسياً على المؤمنين، ليس عليهم فحسب، وإنما على ذويهم أيضاً؛ من آبائهم، وأمهاتهم، وزوجاتهم، وأبنائهم، وأقاربهم الآخرين.
وقبل أن نسترسل في إكمال الموضوع أود أن ألفت نظر المؤمنين إلى ضرورة وأهمية الإعداد الداخلي لأسرهم وعوائلهم، فإن المحنة لا تكاد تصيبهم وحدهم، وإنما تصيب عوائلهم وأُسرهم أيضا، فإن كانوا لم يعدوا من قبل أفراد أُسرتهم لمثل هذه الفترات القاسية، فإن خطر التساقط والانهيار في داخل أفراد العائلة المؤمنة ليس ببعيد، وطبعاً؛ لا نريد أن نغفل عنصر الإمداد الإلهي الغيبي للعوائل والأسر الممتحَنة، في معنوياتها، وحياتها المادية، ولكن ذلك لا يعني أن الداعية لا يعد أفراد أسرته لمثل هذه الحالات القاسية التي تمر عليهم من قبل، ليحميهم من التساقط والانهيار، فإن الفتنة سيف ذو حدين، وسُلّم يصعد منه ناس إلى الله، ويهبط منه آخرون إلى الشيطان.
فلكي تكون هذه المحنة في حياة العاملين وأسرهم سُلّماً صاعداً، لابد أن يتفرغوا لإعداد عوائلهم وأسرهم، إعداداً داخلياً، قوياً، في مرحلة سابقة.
ونقطع الحديث عن هذه النقطة لنعود مرة أخرى إلى صلب الموضوع، فأقول: إن فترة المحنة قد تطول وتقسو، ولكن لا ينبغي أن تتناول المحنة إيمان العاملين في سبيل الله بالنصر والتأييد الإلهي في حال من الأحوال، فإن النصر الإلهي حقيقة إيمانية في نفس الداعية، وحقيقة كونية في مشيئة الله تعالى، لن تتبدّل، ولن تتغير.
وقد يعيش العاملون في سبيل الله في ذروة محنة من هذه المحن القاسية التي مرت على الأنبياء، والمرسلين، وعباد الله الصالحين، وجرت بعد ذلك سنّة ثابتة لله، فيكاد الشيطان أن يمس إيمانهم بالنصر، ويزلزل من ثباتهم وثقتهم بالله وهم لا يعلمون أن النصر قريب وشيك منهم، وقد يكون في اللحظات الأخيرة من مخاضه العظيم.
>مَسَّتْهُمُ الْبَأْسٰاءُ وَالضَّرّٰاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّٰى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتىٰ نَصْرُ اللّٰهِ أَلاٰ إِنَّ نَصْرَ اللّٰهِ قَرِيبٌ<[24].
ويحدثنا القرآن الكريم عن السنة الإلهية في حياة العاملين في توقيت النصر، وضخامة الفتنة والمحنة، قبل النصر، وفي حال مخاضه، فيقول:
>حَتّٰى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جٰاءَهُمْ نَصْرُنٰا<[25].
قد يكون النصر قريباً من المؤمنين، ولكن الله تعالى أخفى علمه عنهم؛ لحكمة له تعالى في ذلك، وقد يكون النصر حاصلا بين عشية وضحاها، ولكن الله تعالى حجب علمه عن المؤمنين؛ ليمتحنهم في محنتهم. فلا ينبغي إذًا أن تنال المحنة من إيمان العاملين وثقتهم بالنصر، ولا ينبغي أن يتسرب اليأس إلى روحهم في حال من الأحوال.
>وَلاٰ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِنَّهُ لاٰ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ<[26].
2ـ إن حالة المخاض، وهي المحنة، في حسابات البشرية طريق إلى النصر، وفي حساب الله تعالى غاية قائمة بذاتها؛ بل هي غاية الغايات في تكامل المؤمنين العاملين.
إن هذه المحن قد تطول، وتقسو، ليعلم الله تعالى ـ وهو العالِم ـ الذين جاهدوا من المؤمنين، والذين صبروا تحت وطأة المحنة.
>مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّٰى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ<[27].
فإن الإسلام في حياة الناس فصل وفرقان بين الحق والباطل، وفصل وتمييز بين الخبيث والطيب، ولا يفرّق بين الطيب والخبيث، ولا يميزهما عن بعضٍ أمرٌ أفضل من هذه المحن التي تتعرض لها الأمة، فيصعد قوم، ويهبط قوم آخرون، ومن هذا الصراع بين الحق والباطل، وبين جبهة التوحيد والشرك، فيطيب قوم، ويخبث آخرون.
إذًا؛ هذه المحن هي السُّلّم الإلهي لتكامل المسلمين العاملين في سبيل الله، وطريق الكمال طريق شائك وعسير، ولا يتكامل المؤمن في الرخاء واليسر، وإنما يتكامل في العسر والفتنة والمحنة.
إنه يتكامل تحت السياط والتعذيب وفي ظروف الهجرة القاسية، أكثر مما يتكامل في أي وقت آخر.
ويئنّ العاملون تحت وطأة المحنة، ويستغيثون، وكل ذلك بعين الله تعالى وسمعه.
ولقد قلت من قبل: لو أن الداعية كان يعلم أن اليد التي تعصر قلبه يد أرحم الراحمين لخفّت عليه المحنة، وهان عليه أن ينشر بالمناشير، إذا كان ذلك بعين الله، وبإرادته، ورضاه، وفي سبيل مرضاته، وطريقه الذي يسلكه إلى الله تعالى.
فهذه المحن هي الطريق إلى الجنة، وهي المدارج التي يصعدها الداعية لتزكية نفسه وتطهيرها، وتكميل نفسه، والقرآن الكريم صريح وواضح في هذه الحقيقة، أيّما صراحة ووضوح:
>أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّٰا يَعْلَمِ اللّٰهُ الَّذِينَ جٰاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّٰابِرِينَ<[28].
>أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّٰا يَعْلَمِ اللّٰهُ الَّذِينَ جٰاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَلاٰ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّٰهُ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ<[29].
إنها لسذاجة في نفوس الناس أن يتصوروا أن الجنة، بمنازلها الرفيعة، ميسرة لكل أحد صام وصلّى، دون أن يمتحنه الله في إيمانه، ويعلم المجاهدين منهم والصابرين.
وأنها سنَّة لله تعالى قديمة، فلن تشذ هذه الأمة عن الأمم السابقة، ولن يشذ الدعاة في عصرنا، فيما يتعرضون له من محن وفتن، عن الأنبياء، والأولياء، وعباد الله الصالحين، والمجاهدين من قبل، فيما مسّهم من البأساء والضراء.
>أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّٰا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسٰاءُ وَالضَّرّٰاءُ<[30].
ولو أن العاملين كانوا يعلمون بموقعهم من الله، وما يحيطهم من رحمة الله وهم في ظروف المحنة القاسية، ولو كانوا يعلمون وهم ثابتون، لا يتزلزل لهم قلب، تحت وطأة المحنة: أن ملائكة الله تتباهى بهم، وتهنئهم، لخفّت المحنة عليهم، وآثروا أن تقطع أعضاؤهم في سبيل الله، وتدوم بهم هذه المحنة حتى يأذن الله.
ولو أنهم كانوا يعلمون أن هذه المحن القاسية التي يمرون بها هي النصر الحقيقي لهم، وهي تعدّهم للغاية التي من أجلها خلقوا، وتسلك بهم سبيلا صاعداً إلى الجنة، لم تثقل المحنة عليهم.
إن الغاية والنصر الحقيقي في حساب الله هي هذه المحن، إذا خرج منها المؤمنون العاملون منتصرين، لم يتزلزلوا، ولم يضطرب لهم قلب، وأما النصر في الساحة، فهو فرحة فقط، وشتان ما بين حساباتنا وحسابات الله تعالى.
واستمعوا معي إلى هذه الآيات المباركة من كتاب الله:
>يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَیٰ تِجَٰرَةٍ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٍ 10 تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِی سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ ۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٌ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ 11 يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٍ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةً فِی جَنَّٰتِ عَدۡنٍ ۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ 12 وَأُخۡرَیٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصۡرٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ<[31].
ونقف وقفة قصيرة عند هذه الآيات المباركة… إن الفوز العظيم هو المغفرة، والجنة التي تجري من تحتها الأنهار، والمساكن الطيبة في جنات عدن، والطريق إلى هذا الفوز هو الإيمان والجهاد بكل متاعبه ومشاقه، وببذل الأنفس والأموال. ذلك الخير، ذلك الفوز، ذلك النصر.
وأما الفتح الذي نحبه نحن، ونفرح به، فهو حاصل بالتأكيد، وهو قريب، ويبشرنا به الله تعالى:
>نَصۡرٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ<.
ولا ينبغي أن نشك فيه، ولا يُخلف الله وعده، ولكنّه فرحة فقط، نحبّها، وأمّا الفوز العظيم فهو أمر آخر؛ إنه المحنة، إنه حالة مخاض النصر، إنه الغاية من المخاض.
ولست أريد أن أقول؛ إن ما يكسبه العاملون في فترة المخاض لا تقل فقط عما يكتسبه العاملون في حالة النصر؛ بل أقول: إن الفوز العظيم في المخاض، وما النصر إلاّ فرحة، يحبها المؤمنون، ويبشرنا بها الله تعالى.
وقد قلت من قبل؛ إن المحنة سُلَّم صاعد ونازل، وكما يصعد منه أناس بتوفيق الله، يهبط منه أناس بإغواء الشيطان، ولا يفارق تأييد الله تعالى القلة المؤمنة في محنتهم، ولكنها على كل حال قاسية وصعبة، وبحاجة إلى كثير من الصبر، والثبات، وذِكرِ الله كثيراً، فإنّ ذِكرَ الله يبعث الطمأنينة والسكينة في القلوب.
>الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّٰهِ أَلاٰ بِذِكْرِ اللّٰهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ<[32].
كما أن معايشة الأنبياء والمرسلين والدعاة إلى الله تعالى من السلف الصالح في حياتهم ومحنتهم، تبعث الطمأنينة والثبات في القلوب، ولقد كان الله تعالى يثبّت فؤاد نبيه (ص) ، بما يحكي له من قصصهم ومحنهم وثباتهم على القول الحق:
>وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبٰاءِ الرُّسُلِ مٰا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤٰادَكَ<[33].
وبعد؛ فقد جاء النصر، والحمد لله، في رقعة مباركة من رقاع العالم الإسلامي العريض، وحقق الله وعده، وله الحمد ملء السماوات والأرضين، وعدد أنفاس الخلائق، وله الشكر فوق شكر الشاكرين، وكما يحب تعالى ويرضى.
جاء النصر في هذه الرقعة الإسلامية بعد مخاض قاس، شديد، ومحنة قاسية، ثبت فيها أناس، ولله الحمد، وتساقط فيها آخرون، ونستغفر الله، وثبت فيها المؤمنون حيناً، ولله الحمد، وزلزلوا فيها حيناً، ونستغفر الله. ولسوف يتوالى النصر، إن شاء الله، متلاحقاً، مباركاً، متوالياً…
فقد انتهت فترة الظلمة، أو كادت أن تنتهي، وانقطع نفَس الاستعمار والشيطان والطغاة، وثبت أن نفَس المؤمنين في المعركة أقوى وأطول من نفَس الكافرين، ذلك أن:
>اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمٰاتِ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ<[34].
وفي نهاية هذه المرحلة القاسية من المحنة، نعود إلى الله تعالى لنشكره، ونعتذر؛ شكراً على ما أنعم علينا من الرحمة، واعتذاراً مما سبق منا في مرحلة الفتنة من الضعف، واليأس، والتقاعس، والزلل، وهو الحميد الغفور.
أجل فترة المحنة، هي أصعب فترات التعامل مع الله، وأشدها وقعاً على المؤمنين، وأكثرها أخذاً وعطاء في التعامل معه (عز وجل) .
وقد سبق من المؤمنين العاملين في هذه الفترة كثير من الزلل، والضعف، والخوف، وكادوا أن يجنحوا إلى اليأس، وكادت قلوبهم أن تميل إلى الراحة والعافية، تحت ضراوة المحنة، وزلزلوا أحياناً، وتعثروا أحياناً أخرى، وكادوا أن يستسلموا لتشكيك المشككين، وتثبيط المثبّطين، عندما طالت عليهم الفتنة، وبعدت عليهم الشُّقة… ولكن الله تعالى ثبّتهم، وطمأنهم، وأمدهم بالقوة والإيمان، وأراهم آياته البيّنات، في يقظتهم، وأحلامهم، وأمسكهم من الزلل، وأقالهم من عثراتهم، وأعاد إليهم النافر من قلوبهم، وزجر عنهم الشيطان، وأبقاهم تحت المحنة ما تحملوا، فإذا نفذ صبرهم، أعمى عنهم عيون أعدائهم، وأصمّ آذانهم، وكمّم أفواههم.
ولقد كانوا، برحمة الله، يرون الله تعالى شاهداً وسامعاً وهم تحت السياط، فيخف عليهم وقع التعذيب، ويمرون أحياناً على مرأى ومسمع من أعدائهم فلا يرونهم برحمة الله.
ولقد كانوا يخطئون الخطأة، ويعثرون العثرة، فيسددهم الله. ولقد كانوا يتركون عوائلهم فارين، مهاجرين، أو مقبوضاً عليهم بلا مؤن، ولا حيلة، ولا رزق، فيرزقهم الله.
ولقد كانوا يخافون في غياهب السجون، وفي مآسي الهجرة أن تنحرف عوائلهم، أو كانوا يجزعون لفراقهم، فتعود إليهم عوائلهم أو يعودون إليهم، فيرون أن الله تعالى قد أسبغ عليهم رحمته وحمايته وتسديده.
ولقد كانوا يهاجرون إلى بلاد نائية، يفقدون فيها الأمن، والمال، والأهل، فيرزقهم الله الأمن، والمال، والأهل، والأصدقاء.
ولقد كانوا يخشون على إيمانهم أن يتزلزل، ومن أنفسهم أن يتساقطوا تحت وطأة التعذيب، فيمدهم الله بالإيمان على إيمانهم، وبالنور على نورهم، وبالقوة على قوتهم التي آتاهم من قبل.
ولقد كانوا يخشون ألا تتحمل أجسادهم قسوة العذاب، فيرزقهم القوة، والصبر، والجَلد في إيمانهم.
ولقد كانوا يخافون أن يتعرض الطاغية لأعراضهم، فتُظلم الدنيا في أعينهم، فيعمي الله عيون أعدائهم عن عوائلهم، وأعراضهم، ولا يمسونهم بسوء أو شر.
ولقد كانوا يخافون أن يتركوا من ورائهم آباء عاجزين، وأمهات عجزة، وأبناءً صغاراً، ونساءً لا حيلة لهم في العيش من بعدهم، فيعطف الله عليهم قلوب قوم مؤمنين، فيواسونهم في أرزاقهم، ويقاسمونهم لقمة عيشهم.
الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، عدد أنفاس الخلائق، الحمد لله فوق حمد الحامدين، والحمد لله عدد قطر الماء، والحمد لله كلما حمد الله حامد، وكلما سبّح الله مسبح، والحمد لله عدد الرمل والحصى، والحمد لله عدد أمواج البحار، والحمد لله كلما هبَّت ريح، والحمد لله كلما شرق شارق وكلما غرب غارب، والحمد لله كما يحب ويرضى.
ونستغفر الله مما سبق منا من زلل، وخوف، وميل إلى اليأس والدنيا، ونستغفر الله كلّما هجس في نفوسنا هاجس بأنَّ الله تعالى قد تخلّى عنا، ونستغفر الله من حب الراحة والعافية.
نستغفر الله من سقطات أعمالنا، ومن كبائر ذنوبنا وصغائرها.
>رَبَّنٰا لاٰ تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَلاٰ تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَلاٰ تُحَمِّلْنٰا مٰا لاٰ طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ وَاعْفُ عَنّٰا وَاغْفِرْ لَنٰا وَارْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلاٰنٰا فَانْصُرْنٰا عَلَى الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ<[35].
أجل؛ شُكر، واعتذار، وحمد، واستغفار، في نهاية هذه المرحلة من التعامل مع الله تعالى.
ولنقرأ معاً هذه الآيات البيّنات من كتاب الله تعالى، ونختم به هذا الحديث، فمسك الختام كلام الله.
(بسم الله الرحمن الرحيم)
>إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَ ٱلۡفَتۡحُ 1 وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِی دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجًا 2 فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَاۢ<[36].
>هٰذٰا مٰا وَعَدَنَا اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ<[37].
- [1] القصص: 5 – 6.
- [2] النور: 55.
- [3] آل عمران: 139.
- [4] الأنفال: 19.
- [5] البقرة: 194.
- [6] الأعراف: 128.
- [7] البقرة: 194؛ والتوبة: 36 و123.
- [8] هود: 49.
- [9] الجاثية: 19.
- [10] العنكبوت: 69.
- [11] الأنفال: 47.
- [12] البقرة: 153.
- [13] الأعراف: 89.
- [14] الأعراف: 126.
- [15] يونس: 85 – 86.
- [16] التحريم: 8.
- [17] البقرة: 153.
- [18] فصّلت: 30.
- [19] الأحقاف: 13.
- [20] الأحقاف: 35.
- [21] السجدة: 24.
- [22] يونس: 109.
- [23] الروم: 60.
- [24] البقرة: 214.
- [25] يوسف: 110.
- [26] يوسف: 87.
- [27] آل عمران: 179.
- [28] آل عمران: 142.
- [29] التوبة: 16.
- [30] البقرة: 214.
- [31] الصّف: 10 – 13.
- [32] الرعد: 28.
- [33] هود: 120.
- [34] البقرة: 257.
- [35] البقرة: 286.
- [36] النصر.
- [37] الأحزاب: 22.