معرفة أساليب العدو ووسائله وجنده

جدول المحتويات
مقدمة
وهذه مرحلة أساسية في هذا البحث، وقبل أن ندخل هذا البحث يجب أن ننتبه إلى أننا لا نقصد بالكافر والكفار هنا الأفراد والجماعات غير المؤمنة بالله تعالى وإن كان يصدق عليهم هذا العنوان.
ولكننا نقصد الكيانات السياسية الكافرة المحاربة للمسلمين[1]، كأمريكا وإسرائيل، وأمثالهما من الكيانات السياسية الاستكبارية التي تتصدى لمحاربة المسلمين، ونهب ثرواتهم، وتخريب ثقافتهم واقتصادهم وأمنهم.
أما الأفراد والجماعات غير المحاربة لنا من الكفّار، فهم كفار بالتأكيد، ولكننا لا نقصدهم في هذه المطالعة. وموقفهم من المسلمين يختلف حسب اختلاف الأفراد والجماعات من المحاربة[2] إلى الحياد إلى التحالف والتعاون، ولا ينهانا الله تعالى عن برهم والإحسان إليهم، إن كانوا لا يشهرون السلاح في وجوهنا، ولا يتصدون لمحاربتنا وإخراجنا من ديارنا.
يقول تعالى: >لاٰ يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ<[3].
أساليب العدو
وبعد هذه المقدمة أقول:
يجب أن نعرف العدو ونشخصه، كذلك يجب أن نعرف وسائله وأساليبه التي يستخدمها في محاربتنا، وما لم نعرف أساليب العدو ووسائله لا نستطيع أن نواجهه وندفع أذاه وضره عن أنفسنا.
إن الحد الأدنى من ضرورات المواجهة مكافأة العدو في الوسائل والأساليب، وهو يتوقف على معرفة هذه الوسائل … والحد الأعلى هو الاستعلاء عليه في الأساليب والوسائل، ومفاجأته بمبادرات ومفاجآت جديدة.
والقرآن الكريم يعطي اهتماماً كبيراً للتعريف بالأساليب والوسائل التي يستخدمها العدو في محاربتنا، وفيما يلي نشير إلى طائفة من هذه الأساليب من خلال كتاب الله تعالى:
الأسلوب الأول: الكيد والمكر والخداع
يقول تعالى: >إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً<[4].
ويقول تعالى: >وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّٰهُ وَاللّٰهُ خَيْرُ الْمٰاكِرِينَ<[5].
ويقول تعالى: >يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمٰا يَخْدَعُونَ إِلاّٰ أَنْفُسَهُمْ وَمٰا يَشْعُرُونَ<[6].
وهو أسلوب قديم توارثه الأبناء من الآباء في الكيد والمكر بالمسلمين والتضليل والتغرير والخداع. ومواجهة هذا الكيد والمكر يتطلب الكثير من الوعي والحذر واليقظة والانتباه. ويقرر القرآن بشكل جازم أن كل كيد ومكر من الكفار يعود إليهم بالضرورة، وأنهم لا يخدعون إلا أنفسهم.
الأسلوب الثاني: الصد عن سبيل الله
يقول تعالى: >قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهٰا عِوَجاً<[7].
وفي آية أخرى: >اشْتَرَوْا بِآيٰاتِ اللّٰهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سٰاءَ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ<[8].
وهذا أسلوب آخر للعدوان، وهو الصد عن سبيل الله ومنع الناس من الدخول في دينه، من خلال الاستخفاف بالدين والاستهزاء بالمؤمنين وإلهاء الشباب بالفساد الأخلاقي. ومن أساليب الصدّ عن سبيل الله: إلهاء الناس عن الرجوع الى الله وذكر الله، ودين الله، واللجوء إلى الله، وهو باب واسع من أبواب الإفساد ومحاربة الإسلام.
الأسلوب الثالث: الإشاعة
يقول تعالى: >وَإِذْ قٰالَتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ يٰا أَهْلَ يَثْرِبَ لاٰ مُقٰامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا<[9].
ويقول تعالى: >وَإِذٰا جٰاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذٰاعُوا بِهِ<[10].
من الأساليب التي اتبعها المنافقون في المدينة أسلوب الإشاعة والإرجاف وإذاعة الأكاذيب بين صفوف المسلمين، فقد أشاعوا قتل رسول الله (ص) في معركة أحد؛ حيث أحدث الخبر أثرا بالغاً وسيئاً في نفوس المسلمين، برغم وسائل الإشاعة البدائية آنذاك، بينما تقوم الإشاعة اليوم بطرق علمية ودراسات نفسية واسعة، وهي جزء من الحرب النفسية، التي يتبعها الأعداء ضد الشعوب المستضعفة؛ لقتل الروح المعنوية للفرد والمجتمع.
يقول تعالى: >لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنٰافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاٰ يُجٰاوِرُونَكَ فِيهٰا إِلاّٰ قَلِيلاً<[11].
وهذا التهديد القرآني موجّه إلى الطائفة التي كانت تثير الإشاعات بين صفوف المسلمين، علماً أن مستوى الإشاعة كان بدائياً يعتمد على الجهد الشخصي، ولا تعادل جزءاً يسيراً من الإشاعة المعاصرة من جهة الكم والكيف، فكيف والإشاعة انتقلت من طابعها الشخصي البدائي إلى الحالة العلمية المتطورة المعقدة، وأصبحت تمتلك القدرة على الانتشار الواسع بسبب الآليات الحديثة؟!
الأسلوب الرابع: الإفساد والتخريب
يقول تعالى: >وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً وَاللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ<[12].
وهذا من أوضح الأساليب التي يتبعها الأعداء للنيل من المؤمنين، من خلال نشر الفساد والانحلال الأخلاقي وترويج القيم الفاسدة.
الأسلوب الخامس: الإغفال والإرصاد
يقول تعالى: >وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وٰاحِدَةً<[13].
استغفال المسلمين أسلوب آخر حرص الأعداء على استعماله؛ لأن الوعي واليقظة يبطل مخططاتهم، ويفضح حقيقتهم، والحذر يؤدي إلى فشل وتطويق مخططاتهم. وهم يريدون أن نغفل عنهم من خلال إلهائنا بالمشاكل والفتن الداخلية، وأن نغفل عن أسلحتنا وإمكانياتنا المادية والفكرية لكي ينقضّوا علينا، ويميلوا ميلة واحدة، على حد التعبير القرآني.
يؤكد أمير المؤمنين (ع) على ضرورة اليقظة بقوله: (ضادّوا الغفلة باليقظة)[14]، وهي دعوة صريحة للانتباه من الغفلة التي ضاعفت الانتكاسات، وجعلت الأعداء يطمعون في إغوائنا ونهب خيراتنا عندما يجدوننا غافلين، لا نشعر بالتحديات الجسيمة من حولنا.
إن الأعداء يرصدوننا، ويتحينون فرصة حالات الغفلة في صفوفنا؛ لينقضّوا علينا، ويفاجئونا بالانقضاض المفاجئ، وهو قوله تعالى: >وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ<.
معرفة أساليب ووسائل الشيطان
وإلى جانب ذلك؛ للقرآن اهتمام كبير بفضح الأساليب والوسائل التي يستخدمها الشيطان لتضليل الناس… وغاية القرآن من هذا الكشف والفضح هو تنبيه الناس وتعريفهم بالوسائل والأساليب التي يستخدمها عدونا اللئيم اللعين (الشيطان)؛ ليتمكنوا من مواجهته ومقابلته بكفاءة وقدرة.
أساليب الشيطان
الأسلوب الأول: الخطوات
من هذه الأساليب، أسلوب (الخطوات) التي يتبعها الشيطان في تضليل الناس، فلا يدعو الشيطان الناس إلى عبادته مرة واحدة، وإنما يستدرجهم الى عبادته وطاعته (خطوة خطوة) … فإذا وقعوا في شركه استحوذ عليهم.
ويحذرنا الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان، فيقول: >يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّبِعُوا خُطُوٰاتِ الشَّيْطٰانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوٰاتِ الشَّيْطٰانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشٰاءِ وَالْمُنْكَرِ<[15].
ويقول تعالى: >يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاٰ تَتَّبِعُوا خُطُوٰاتِ الشَّيْطٰانِ<[16].
الأسلوب الثاني: حصار وتطويق الضحية
ومن أساليب الشيطان، أنه يحاصر ضحيته حتى يطوّقها، ويسد عليها سبل الفرار، فإذا حاصرها ضيق عليها الحصار بالتدريج، حتى تكون الضحية في يده وتحت أمره بشكل كامل، لا تملك طريقا للفرار والخروج من الحصار.
ويوضح القرآن هذا الأسلوب من أساليب الشيطان، يقول تعالى: >قٰالَ فَبِمٰا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 16 ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَعَنْ شَمٰائِلِهِمْ وَلاٰ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ<[17].
والشيطان يقعد على طريق الإنسان من كل جانب، ليسد عليه الطريق إلى الله.
الأسلوب الثالث: الرصد والمتابعة
ومن أساليب الشيطان (الرصد)، أنّه يرصد ضحيته من حيث يراها، ولا تراه، ومهمة الراصد استهداف الضحية حينما تنكشف له في مرماه فيرميها.
وينكشف الإنسان للشيطان، متجرداً من الدفاع والمقاومة في ساعات الغفلة، فيصيبه الشيطان، يقول تعالى: >إِنَّهُ يَرٰاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ تَرَوْنَهُمْ<[18].
الأسلوب الرابع: الإغراء والتهييج
ومن أساليب الشيطان الإغراء والتحريك، يقول تعالى: >أَ لَمْ تَرَ أَنّٰا أَرْسَلْنَا الشَّيٰاطِينَ عَلَى الْكٰافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا<[19].
والأز – كما يقول ابن عباس – (الإغراء)[20]، والأزّ التحريك والتهييج الشديد، و لذلك يقال لغليان القدر (الأزيز)[21]، والشيطان يهيّج ضحيته، ويحركها، ويثيرها إثارة شديدة، في الغضب والشهوة، حتى يستحوذ عليها.
الأسلوب الخامس: الوعود الكاذبة والخديعة
ومن أساليب الشيطان، أنّه يعد ضحيته ويمنّيها ويخدعها بالوعود والأُمنيات الكاذبة، فيدفعها إلى السقوط، فإذا سقطت الضحية لا تجد من وعود الشيطان وأمانيه شيئاً، يقول تعالى: >يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَمٰا يَعِدُهُمُ الشَّيْطٰانُ إِلاّٰ غُرُوراً<[22].
ورد عن الصدوق في المجالس عن الصادق (ع) : لما نزلت هذه الآية: >وَالَّذِينَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّٰهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم<[23].
(قال إبليس ) فمن لها؟ فقال الوسواس الخناس: أنا لها قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأُمنّيهم، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها[24].
الأسلوب السادس: الاستفزاز
ومن أساليب الشيطان الاستفزاز، وهو الاستخفاف. إذا استخف الشيطان ضحيته، هان عليه أن يحرّكه ويوجهه كيفما يريد، فإن الذي يضبط الإنسان عن الغي والتسلط، هو عقله ووعيه وضميره وخبرته وحكمته، فإذا جرده الشيطان من ذلك واستخفّه، سهل عليه أمره، وتمكن منه، عندئذ يثيره ويحركه، ويهيجه كما يحب، ويستحوذ عليه كما يريد.
يقول تعالى: >وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَالْأَوْلاٰدِ وَعِدْهُمْ وَمٰا يَعِدُهُمُ الشَّيْطٰانُ إِلاّٰ غُرُوراً<[25].
الأسلوب السابع: التسويل والإملاء
ومن أساليب الشيطان التسويل والإملاء، يقول تعالى: >الشَّيْطٰانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلىٰ لَهُمْ<[26].
و(التسويل): التسهيل، و(الإملاء): الامداد في الآمال والأماني .
ومعنى الآية الكريمة: أن الشيطان يسهّل لهم اقتراف الذنوب ومعصية الله عز وجل، ويمدُّ في آمالهم وأمانيهم، ويطوّل في نفوسهم الآمال، حتى ينسوا الموت، فتستغرقهم عندئذ الدنيا، وتصرفهم عن الآخرة وما بعد الموت .
الأسلوب الثامن: النّزغ
ومن أساليب الشيطان (النزغ). يقول تعالى: >وَإِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطٰانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ<[27].
والنزغ الإفساد، ومنه: (نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي)[28].
وإذا أفسد الشيطان الإنسان، أمكنه أن يستحوذ عليه وتمكّن منه.
الأسلوب التاسع: تزيين الفِتن
ومن أساليب الشيطان التزيين، يزيّن الفِتن للأهواء، كما يهيّج الأهواء تجاه الفِتن. والتزيين من وسائل الشيطان الخبيثة والغريبة، فقد يكون الحلال والحرام من سنخ واحد، فيزين الشيطان الحرام لضحيته، دون الحلال، كما يهيج الشيطان أهواء الإنسان وشهواته تجاه الفِتن بشكل قوي ومؤثر.
يقول تعالى عن التزيين: >وَقَيَّضْنٰا لَهُمْ قُرَنٰاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمٰا خَلْفَهُمْ<[29].
الأسلوب العاشر: الوسوسة
ومن أساليب الشيطان (الوسوسة) و(الخنوس)، يقول تعالى: >قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ 1 مَلِكِ ٱلنَّاسِ 2 إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ 3 مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ 4 ٱلَّذِی يُوَسۡوِسُ فِی صُدُورِ ٱلنَّاسِ 5 مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَ ٱلنَّاسِ<[30].
و(الوسوسة) هي: أن ينفذ الشيطان إلى نفس الإنسان من المسالك والدروب الخفية، بخفاء وتكتم، بحيث لا يثير انتباه الإنسان وحذره، ويختفي داخل نفس الإنسان، فيثير في نفسه الأهواء من دون أن ينتبه إلى موقع الشيطان من نفسه.
يقول تعالى: >فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطٰانُ لِيُبْدِيَ لَهُمٰا مٰا وُورِيَ عَنْهُمٰا مِنْ سَوْآتِهِمٰا<[31].
و(الخنوس) هو: رجوع الشيطان وفراره إذا انتبه الإنسان إلى موقع الشيطان في نفسه، لئلا ينتبه الإنسان إلى الخطر، ويثير في نفسه الحذر.
فالشيطان يدخل في نفس الإنسان بخفاء وتكتم، لا يثير انتباهه وحذره، فإذا انتبه الإنسان إلى موقع الشيطان في نفسه قفل الشيطان راجعا وفر، فإذا غفل الإنسان عاد إلى موقعه الأول من النفس، وهذا هو الخنوس.
وقد روي عن رسول الله (ص) : (إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ)[32].
الأسلوب الحادي عشر: الهَمْز
ومن أساليب الشيطان، (الهمز)، وهو الطعن السريع الذي يتم بخفة وسرعة، وفي كتاب الله: >وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزٰاتِ الشَّيٰاطِينِ 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ<[33].
وللشيطان، بالإضافة إلى هذه الأساليب، وسائل كثيرة يتوسل بها إلى إغواء الناس وتضليلهم، يقوى بها عليهم، يقول تعالى: >وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَالْأَوْلاٰدِ<[34].
وفي دعاء نهار شهر رمضان عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) ذِكْر لعدد من وسائل الشيطان وأساليبه وجُنده:
(وَأَعِذْنِي فِيهِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهَمْزِهِ وَلَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ وَوَسْوَسَتِهِ وَتَثْبِيطِهِ وَبَطْشِهِ وَكَيْدِهِ وَمَكْرِهِ وَحَبَائِلِهِ وَخُدَعِهِ وَأَمَانِيِّهِ وَغُرُورِهِ وَفِتْنَتِهِ وَشَرِكِهِ وَأَحْزَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَشُرَكَائِهِ وَجَمِيعِ مَكَايِدِه)[35].
- [1] فإن الكافر غير المؤمن بالله أعم مطلقا من الكافر المحارب وغيره؛ أي أن الكافر ينقسم إلى فئتين:
- الفئة الأولى: كافر حربي يعادي الإسلام ويتعدى عليه وعلى المسلمين، ويسعى إلى تضعيفهم والقضاء عليهم باي وسيلة كانت؛ سواء بالحرب العسكرية التقليدية أم بغيرها من الوسائل.
- الفئة الثانية: كافر غير حربي وهو بخلافه، فهو لا يؤمن بالله تعالى لكنه لا يحارب المسلمين، وإنما اتخذ طريق السلم والمعاهدة معهم أو السكوتر والحياد.
- ويقصد الشيخ؟رح؟ من كلامه هنا عن الكافر، الفئة الأولى، وهو الكافر المحارب أو الحربي. (من المحقق)
- [2] من المفترض أن لا يكونوا محاربين؛ لأن كلام الشيخ؟رح؟ في الفئة الثانية وهي غير محاربة، لذلك لا ينهانا الله عن برّهم والإحسان إليهم، وبالتالي التعبير بــ (المحاربة)غير دقيق. نعم هذه الفئة إما مسالمة ومعاهِدة أو ساكتة وحيادية. (من المحقق)
- [3] الممتحنة: 8.
- [4] الطارق: 15.
- [5] الأنفال: 30.
- [6] البقرة: 9.
- [7] آل عمران: 99.
- [8] التوبة: 9.
- [9] الأحزاب: 13.
- [10] النساء: 83.
- [11] الأحزاب: 60.
- [12] المائدة: 64.
- [13] النساء: 102.
- [14] عبد الواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، الحكمة: 31، ص427.
- [15] النور: 21.
- [16] البقرة: 208.
- [17] الأعراف: 16 – 17.
- [18] الأعراف: 27.
- [19] مريم: 83.
- [20] الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج6، 820.
- [21] لسان العرب، مادة: أزز.
- [22] النساء: 120.
- [23] آل عمران: 135.
- [24] الصدوق، الأمالي، المجلس الحادي والسبعون، ص465، ح5. وإليك نصّ الحديث: َ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع) قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ- {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، صَعِدَ إِبْلِيسُ جَبَلًا بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ (ثَوْرٌ)، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِعَفَارِيتِهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا يَا سَيِّدَنَا لِمَ دَعَوْتَنَا؟ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَمَنْ لَهَا؟ فَقَامَ عِفْرِيتٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَقَالَ: أَنَا لَهَا بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: لَسْتَ لَهَا. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَسْتَ لَهَا، فَقَالَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ: أَنَا لَهَا، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: أَعِدُهُمْ وَأُمَنِّيهِمْ حَتَّى يُوَاقِعُوا الْخَطِيئَةَ، فَإِذَا وَاقَعُوا الْخَطِيئَةَ أَنْسَيْتُهُمُ الِاسْتِغْفَارَ، فَقَالَ: أَنْتَ لَهَا. فَوَكَّلَهُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (من المحقق)
- [25] الإسراء: 64.
- [26] محمد: 25.
- [27] الأعراف: 200، وفصلت: 36.
- [28] لسان العرب، مادة: نزغ.
- [29] فصلت: 25.
- [30] الناس.
- [31] الأعراف: 20.
- [32] محمد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج9، ص392.
- [33] المؤمنون: 97 – 98.
- [34] الإسراء: 64.
- [35] الطوسي، مصباح المتهجد، ج2، ص211.