مواضيع

العلاقة الاجتماعية بالكفار

الفقرة الأخيرة في البحث هي العلاقة السلوكية الاجتماعية للمسلمين مع الكافرين كما يصورها القرآن الكريم.

1- حرمة الاستعانة بالكفار

يقول تعالى: >يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا بِطٰانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاٰ يَأْلُونَكُمْ خَبٰالاً وَدُّوا مٰا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضٰاءُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ وَمٰا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ<[1].

يحرّم القرآن الاستعانة بالكفار واتخاذهم أعواناً ومستشارين لأسباب تشير لها الآية، فهم لا يألون جهداً في إيذاء المسلمين وإضرارهم، وتخريب أفكارهم وأسواقهم ومجتمعهم، وكلما توغلوا في صفوفنا زادونا خبالاً وفساداً وحيرة. والتعبير القرآني عجيب: >وَدُّوا مٰا عَنِتُّمْ<، إنهم يتمنون مشقتنا وعنتنا، ويعملون ويخططون ليضاعفوا من تعبنا وإرهاقنا، وقد تشبّعت نفوسهم بالحقد والكره والبغضاء علينا حتى أنها تُفلت من أفواههم دون اختيار أحياناً.

وإذا كان الكفار يحملون هذه المشاعر تجاهنا، فكيف نستعين بهم ونتخذهم مستشارين وبطانة لنا وأصدقاء –نضع فيهم ثقتنا – ونمكّنهم من أسرارنا وثرواتنا وقيمنا وأخلاقنا وعوائلنا وتراثنا؟!

2- الإعراض عن الكفار

يأمرنا القرآن الكريم بالإعراض عن الكفار، وأن لا ننشغل بهم، ولا نتوقف عندهم، فإن من اهتمامات الكفار الهاء المسلمين وإشغالهم عن أنفسهم بمسائل وإثارات جانبية.

إنهم يجيدون خلق الإثارات التي تلهي المسلمين، وافتعال الأحداث التي تؤدي إلى الاختلاف والفتن داخل المسلمين. ولذلك يأمرنا الله تعالى ألّا نتوقف عندهم، وأن نمر عليهم ونتجاوزهم ونعرض عنهم، وذلك أقوى لإفشال مهمتهم في خلق الإثارات والإشاعات والاختلاف والانشقاق.

يقول تعالى: >فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّٰى عَنْ ذِكْرِنٰا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا<[2].

ويقول تعالى: >وَإِذٰا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمّٰا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطٰانُ فَلاٰ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ<[3].

إنّ همهم من الخوض في آيات الله إثارة المشاكل، وافتعال الجدال الضار في صفوف المسلمين، واستدراج المسلمين إلى دوامة الجدال والحوار العقيم والاستهلاك الداخلي في المسائل الجانبية. والمسألة دقيقة، فلا ينبغي التوقف عندهم والاهتمام بهم وبما يحملون من إثارات، ويجب الإعراض عنهم… وفي نفس الوقت لا يجوز الاستهانة بهم وإهمال مراقبتهم.

والصحيح هو الأمران معاً: الإعراض عنهم، ومراقبة أعمالهم وتصرفاتهم.

ويقول تعالى في منهج مواجهة المؤمنين لهؤلاء الكفار: >وَإِذٰا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقٰالُوا لَنٰا أَعْمٰالُنٰا وَلَكُمْ أَعْمٰالُكُمْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لاٰ نَبْتَغِي الْجٰاهِلِينَ<[4].

والتعبير عن أدائهم الإعلامي والثقافي بـ (اللَّغْوَ) تعبير دقيق ومعبر، إنهم لا يحملون في أدائهم الإعلامي والثقافي لنا غير اللغو. ولا يجوز لنا الخوض في اللغو الباطل، الذي لا يأتينا بغير الاستهلاك للعمر وللجهد، ويؤدي إلى إفساد العلاقات الاجتماعية والسياسية.

3- الغِلظة في التعامل

كما أن من أدب الإسلام الرقة في التعامل مع المؤمنين، وخفض الجناح لهم، كذلك من تعليمات الإسلام الغِلظة في التعامل مع الكفار والمنافقين (الكيانات الاستكبارية الكافرة وأئمة الكفر).

يقول تعالى: >مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى الْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ<[5].

وليس بين هذه الرحمة وتلك الغلظة والشدة تناقض في السلوك.

إن السلوك الأول من رحمة الإسلام وهو اللين والرحمة في التعامل مع المؤمنين. والسلوك الثاني من حكمة الإسلام في التعامل مع الكفار المحاربين والمنافقين لئلا نطمعهم في أنفسنا.

إن النهج الإسلامي الاجتماعي هو المقاطعة والمفاصلة مع المحاربين من الكفار والمنافقين، وللمقاطعة والمفاصلة الاجتماعية سلوك خلقي خاص وهو الغِلظة والشدة في التعامل.

كما أن منهج الإسلام في العلاقة مع المؤمنين هو الولاء والمواصلة والتعاون والتواصل، وللولاء والمواصلة سلوك أخلاقي هو البِرّ والرحمة والرقة واللين. وكل منهما حسن في موقعه.

4- نفي السبيل للكفار على المؤمنين

يقول تعالى: >وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً<[6].

إن السبيل هو النفوذ والسلطان، وقد نفى الله تعالى كل نفوذ وسلطان للكافرين على المؤمنين.

وواضح أن هذا النفي ليس على ظاهره نفياً تكوينياً؛ أي ليس بمعنى أنه لم يخلق الله للكافر نفوذاً على المسلمين، فما أكثر نفوذ الكافرين على المسلمين في فترات التاريخ، وما أكثر نفوذ الكافرين على المسلمين في الأسواق والتجارة والاقتصاد وفي الشؤون العسكرية وفي الإعلام والسياسة اليوم وقبل اليوم… إن أمريكا تستخدم نفوذها اليوم على العالم الإسلامي من وراء البحار، فتنصب وتعزل، وتدير الانقلابات العسكرية وتهدد، فهو أمر قائم في حياتنا… فما معنى نفي السبيل إذن؟

إن معنى (النفي) هنا (النهي) و(نفي الشرعية)، ومعنى الآية الكريمة: إن الله تعالى حرّم على المسلمين أن يقبلوا للكافرين نفوذاً على جيوشهم وأسواقهم وحكوماتهم وثقافتهم… وعليهم أن يرفضوا كل نفوذ وسلطان للكافر عليهم.

وليس ذلك بمعنى رفض التعامل مع الكافر بصورة متكافئة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، وإنما هو بمعنى رفض قيمومة الكافر ونفوذه على المسلمين.


  • [1] آل عمران: 118.
  • [2] النجم: 29.
  • [3] الأنعام: 68.
  • [4] القصص: 55.
  • [5] الفتح: 29.
  • [6] النساء: 141.
المصدر
كتاب النصر الإلهي ومنهج التعامل مع الأعداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى