مواضيع

الموقف من العدو

النقطة الأخيرة في هذا الفصل هي تحديد الموقف من العدو.

بعد أن يشخص القرآن هوية العدو، ويكشف أساليبه، يحدد لنا الموقف منه.

ويحرص القرآن على بيان الموقف المعبر عن حالة الرفض النفسي، والمواجهة العملية، والتصدي له، والمقابلة لأساليب العدو بالوسائل المكافئة.

وهذه أمثلة قرآنية تبين الموقف الصحيح من العدو:

أ. الردع عن موالاة العدو

يقول تعالى: >يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمٰا جٰاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ<[1].

هذه الآية الكريمة تبين أن أعداء الله تعالى هم أعداء المؤمنين >عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ<، وهي معادلة واضحة، ومن متطلبات التوحيد. فمن كان عدواً لله فهو لا محالة عدو للمؤمنين. ولا يعزل المؤمنون أنفسهم عن ساحة المواجهة القائمة بين أعداء الله وبين أنبياء الله ورسله، كما كان يفعل بنو إسرائيل؛ حيث قالوا لنبيهم: >فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقٰاتِلاٰ إِنّٰا هٰاهُنٰا قٰاعِدُونَ<[2]، فعزلوا أنفسهم عن ساحة المواجهة والمعركة.

وفي قوله تعالى: >تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ< إشارة إلى وجوب نفي المودّة من قلوبنا لهم؛ لأنها من الموالاة والمودّة المحرمة.

والنقطة الأخرى الهامة التي تبيّنها الآية هي بيان دليل العداء وسببه >وَقَدْ كَفَرُوا بِمٰا جٰاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ<؛ أي أن الكفر بما جاءهم رسول الله (ص)  من الحق من عند الله هو دليل عدائهم لله وللمؤمنين، إن الأيمان والكفر بما جاء رسول الله (ص)  من الحق من جانب الله يحدد تماماً وبشكل دقيق السلام والعداء، وما إذا كان الناس يقفون منا موقف المسالم والقبول أو موقف الرفض والعداء.

إن الكفر والإيمان دليل الحرب والسلام ودليل العداء والمودّة.

ب. العداء

يقول تعالى: >إِنَّ الشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا<[3].

إن الشيطان عدو للإنسان، وهذه حقيقة واضحة جاء بها الأنبياء جميعا من عند الله، ولكن ماذا ينبغي أن نعمل تجاه هذه الحقيقة القديمة؟ يقول تعالى: >فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا<.

أي نتعامل معه معاملة العدو، ولا نركن إليه، ولا ننقاد له، ونحذر منه، ونواجه كيده ومكره بالوعي والقوة والحذر. والشطر الثاني: >فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا< يتبع الشطر الأول: >إِنَّ الشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ<.

جـ. تجنب المودة القلبية

يقول تعالى: >هٰا أَنْتُمْ أُولاٰءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاٰ يُحِبُّونَكُمْ<[4].

وهي دعوة صريحة إلى تفريغ القلوب من التعلق والإعجاب بالكافرين، لأنهم لا يحبوننا ولا يريدون لنا الخير، ولن يحبونا، مهما حاولنا استرضاءهم، فلا يجوز أن نعطيهم المودة من قلوبنا؛ فإن المودة جزء من الولاء. ولا يمنح المؤمنون ولاءهم إلا لله ورسوله وأوليائه والمؤمنين.

د. الحذر

يقول تعالى: >هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ<[5].

الحذر من أهم المواقف التي يقررها القرآن تجاه العدو، وهو مجموعة من الإجراءات الاحترازية التي نأمن بها كيده وسطوته، من خلال وعي دقيق لخطوات الشيطان والاحتراز عن الغفلة تجاه وسائل الشيطان وأساليبه.

ومن ينام عن عدوه تنبّهه المصائب التي تنزل به من ناحية العدو. عن أمير المؤمنين (ع) : (من نام عن عدوه نبهته المكائد)[6]، وهو يتطلب اليقظة والحذر. إن من الخطأ أن يستهين الإنسان بعدوه فينشغل عنه، كما أن من الخطأ أن يستعظم الإنسان عدوّه ويهوّل أمره.

وعنه (ع)  أيضا: (لا تستصغرن عدواً وإن ضَعُف)[7].

هـ. رفض طاعة العدو

يقول تعالى: >وَلاٰ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَاتَّبَعَ هَوٰاهُ وَكٰانَ أَمْرُهُ فُرُطاً<[8].

الموقف الآخر من العدو هو حرمة طاعته والخضوع لأوامره ونواهيه. إن هؤلاء الكفار قد حجبهم الله عن الهدى، وأغفل قلوبهم عن ذكره؛ بسبب سيئاتهم وذنوبهم وإعراضهم عن الله، فعاقبهم الله تعالى بالإغفال والحجب والعمى والصمم.

فلا يجوز اتباع هؤلاء الذين أغفل الله قلوبهم وحجبهم عن ذكره، إنهم لا يزيدون الناس إلا شقاءً وبعدا عن الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولأوليائه الذين أمر الله تعالى بطاعتهم… وأيّ طاعة أخرى في غير هذه الطاعة فهو من الشرك في الطاعة، والشرك في الطاعة يخرج صاحبه عن دائرة التوحيد.

و. المقاطعة الكاملة

يقول تعالى: >قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ 1 لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ 2 وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ 3 وَلَآ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمۡ 4 وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ 5 لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِیَ دِينِ<[9].

إنها المقاطعة الكاملة، لا هوادة فيها ولا تراجع عنها، ولا مهادنة فيها للكافرين، مقاطعة في الدين والمنهج والحياة والأخلاق والثقافة والمعاشرة والعبادة والاقتصاد والنفوذ.

إن هذه السورة تلغي كل ألوان اللقاء بالكافرين، وتقطع كل جسور الولاء بيننا وبينهم.


  • [1] الممتحنة: 1.
  • [2] المائدة: 24.
  • [3] فاطر: 6.
  • [4] آل عمران: 119.
  • [5] المنافقون: 4.
  • [6] عبد الواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، الحكمة: 1017، ص630. مع اختلاف في اللفظ: (من نام عن عدوّه انتهته المكائد). وفي تصنيف غرر الحكم: (مَنْ نَامَ عَنْ عَدُوِّهِ أَنْبَهَتْهُ [نَبَّهَتْهُ‏] الْمَكَايِد). عبد الواحد الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، الحكمة: 7687، ص334. وفي عيون الحكم والمواعظ لليثي: (مَنْ نَامَ عَنْ عَدُوِّهِ أَنْبَهَتْهُ الْمَكَايِد). علي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، الحكمة: 7668، ص441. (من المحقق)
  • [7] عبد الواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، الحكمة: 67، ص746.
  • [8] الكهف: 28.
  • [9] الكافرون.
المصدر
كتاب النصر الإلهي ومنهج التعامل مع الأعداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى