من هم أعداؤنا؟ ما هي أساليبهم؟ ما هو الموقف منهم؟

الفصل الثاني: من هم أعداؤنا؟ ما هي أساليبهم؟ ما هو الموقف منهم؟
من هم أعداؤنا؟ وما هي أساليبهم؟ وما هو الموقف منهم؟
هذه ثلاثة أسئلة خطيرة، حساسة في علاقتنا اليوم بأعدائنا، ولنبدأ بالإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة تباعاً.
أولاً: من هم أعداؤنا؟
من السذاجة أن لا يعرف الإنسان عدوه، أو لا يعرف أساليبه ووسائله، ولا يعرف كيده ومكره وشعاراته، وما يخفى تحت هذا الشعار من مكر وكيد…. فقد دخل الاحتلال بلادنا للنهب وإذلال الأمة وتخريب ثقافتها وعمرانها تحت شعار وعنوان (الاستثمار)، وهو عنوان يعكس العمران والإصلاح والبناء؛ بخلاف ما يعمله وينويه المستعمر الكافر، تدليساً في العناوين…
وما أكثر المآسي التي ارتكبها الغزاة المحتلون في العالم الإسلامي تحت هذا العنوان!! وأمتنا بحاجة إلى وعي وإدراك سياسي دقيق لاختراق هذه الشعارات وكشف الزيف الذي تستبطنه هذه الشعارات.
واليوم تدخل أمريكا العالم الإسلامي تحت شعار جديد تمخضت عنه الدراسات الاستراتيجية في أمريكا في التعامل مع العالم الإسلامي… وهذا الشعار الجديد هو (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان)، تحت هذا الشعار تخفي أمريكا كل نواياها وأهدافها، وكل أعمال النهب والسطو الواسعة على العالم الإسلامي، وتعمل على فرض قيمومتها على العالم الإسلامي.
تدخل بالمدرعات والمقاتلات الجوية العالمَ الإسلامي، وتمارس الاحتلال على المسلمين علانيةً وبشكل سافر، وتمارس النهب والسطو على ثرواتهم… ويعنونون ذلك بعنوان الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب.
وخير مثال على ما نقول (العراق وأفغانستان)، والحبل على الجرار[1]، مادام المسلمون في غفلة سادرين.
ومسؤوليتنا الإلهية بين يدي الله تعالى، أن نكشف الوجه الحقيقي لأمريكا وسائر دول الاستكبار الغربي والشرقي، ونسقط عنها الأقنعة الشعارية والإعلامية التي تتستر بها، ونكشفها بوجهها الحقيقي لأمتنا وشعوبنا، ونسمي الأشياء بأسمائها، ونقول ونعلن أن أمريكا لم تأت إلى بلادنا محررة بل محتلة، وأنها هي السبب في كل مصائبنا ومشاكلنا…
وأن العالم الإسلامي لا يحتاج الى قيّم يمارس القيمومة عليه من وراء البحار… وأن الاستكبار العالمي يعمل لتمكين قبضته من العالم الإسلامي، ونهب ثرواته، وإذلال شعوبه واستضعافهم، وفرض نفوذه السياسي والاقتصادي عليهم تحت هذه العناوين الفارغة المفضوحة.
وأن مشاكل العالم الإسلامي، التي سببها أمثال: حزب البعث، وحكم صدام في العراق، وعصابة الطالبان في أفغانستان، وعصابات الإرهاب والفتن الطائفية، من إفرازات ونتائج الحضور الأمريكي في المنطقة.
ثانياً: ما هي الأساليب التي يستخدمها العدو؟
إن الأساليب التي يستخدمها العدو، هي من حيث الجوهر والروح نفس الأساليب التي كان يستخدمها الطغاة والجبابرة من قبل؛ من الخداع والمكر والكيد، ولكن بآليات متطورة وإمكانات أعظم.
إن العدو هو العدو، وما يستخدمه من مكر وكيد هو ما كان يستخدمه من قبل، لا فرق، إلا انه تمكن اليوم من أن يستخدم العلم والتقنية الحديثة لتطوير آلياته وإمكانياته.
ولا بد لنا، في هذه المواجهة المصيرية بيننا وبين أعدائنا، أن نعرف جيداً أساليبه وآليات عمله، ومن دون ذلك لن نتمكن من مقارعته ومواجهته، ولن نتمكن من أن نحصن أنفسنا ومجتمعنا منه.
ثالثاً: ما هو الموقف من الأعداء؟
بعد تشخيص العدو ومعرفة أساليبه، لابد من معرفة الموقف الصحيح الذي ينبغي أن نتخذه من العدو؛ لكي نحمي أنفسنا والأجيال القادمة من خطر العدو وأساليبه.
ويمكن إيجاز الموقف من العدو في نقاط أهمها:
1- عدم التهيّب من العدو
يجب أن لا نتهيب من العدو، ولا تصيبنا الهزيمة النفسية منه، فإن أعداءنا لا يحرصون على شيء كما يحرصون على ذلك؛ من خلال وسائل الإعلام التي يوظفونها لتضفي عليهم حالة من الهيمنة والقوة المطلقة التي لا تقهر. هذه الحملة الإعلامية في تضخيم حجم العدو جزء من الحرب النفسية التي غايتها قتل الروح المعنوية لدى المسلمين، حتى يكبر الكافرون في أنفسهم، وبمقدار ذلك يفقدون الثقة بأنفسهم وقدراتهم العقلية والنفسية والعلمية والعسكرية.
في هذه المواجهة ينبغي أن نحافظ على موقع الاستعلاء الذي وصفنا الله به: >وَلاٰ تَهِنُوا وَلاٰ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ<[2].
2- عدم الاستهانة بالعدو
إن الاحتراز من التهيّب من العدو يجب أن لا يؤدي الى حالة الاستهانة بالعدو، فإن الاستهانة بالعدو تؤدي إلى حالة الغفلة والاسترخاء، وهي حالة ضارة مهلكة، ومن مظاهر الاستهانة بالعدو الجهل بأسباب القوة عنده وعدم تقديرها حق قدرها.
كما حدث مثل ذلك للبلاد العربية في نكسة حزيران، فقد كان من أسباب هذه النكسة الاستهانة بقدرات العدو وإمكانياته، وعدم وجود دراسة دقيقة لإمكانياته العسكرية، وعدم الإعداد الكافي لمعركة من هذا النوع، والغرور والعُجب الكاذب بالذات، وكانت النتيجة الهزيمة العسكرية والنفسية المُرّة التي أصابت الانظمة العربية في هذا التاريخ.
3- تطوير إمكانياتنا في مقاومة العدو
إن العدو اليوم يمتلك إمكانيات وآليات متطورة لمواجهة المسلمين، وعلينا أن نعمل لتطوير إمكانياتنا وقدراتنا العسكرية والاقتصادية والعلمية في هذه المواجهة بالاستفادة من معطيات العلم في المجالات الإعلامية والعسكرية والاقتصادية، وبذل الجهد في تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي.
يقول تعالى: >وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَعَدُوَّكُمْ<[3].
ولا سبيل لنا للخروج من قبضة النفوذ السياسي والاقتصادي للعدو إلا بتحقيق الاكتفاء الذاتي العام في جميع المجالات العلمية والاقتصادية، ولا سبيل لنا لتحرير بلادنا وأسواقنا وأمتنا من سلطان العدو ونفوذه إلا بتحقيق الكفاءات العلمية، التي تحقق بدورها الاكتفاء الاقتصادي، وهو في الغالب السبيل إلى تحقيق الاستقلال السياسي للبلاد.
4- حرمة الركون الى العدو
ومعنى الركون: الاستسلام، والسكون، والاطمئنان، والانفتاح، والثقة بالعدو. يقول تعالى: >وَلاٰ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ<[4].
وللركون مصاديق كثيرة تجاه العدو؛ منها: الركون الثقافي، وهو الانفتاح الثقافي غير المشروط تجاه الثقافة الغربية والشرقية، والتعامل معها بإيجابية.
ومنها الركون الاقتصادي، وهو الانفتاح غير المشروط تجاه زحف العجلة الاقتصادية لدول الاستكبار الاقتصادي في بلادنا، وقبول نفوذ هذه الدول الاقتصادي في أسواقنا.
5- التحصين تجاه الغزو الثقافي الغربي
نواجه اليوم غزوا ثقافياً واسعاً قادماً من الغرب. ويتقدم هذا الغزو باتجاه العالم الإسلامي بآليات متطورة ومتقدمة ويدخل من دون صعوبة تذكر عقر دورنا، ولا نستطيع نحن اليوم أن نسيّج بيوتنا وعوائلنا وأبناءنا وبناتنا تجاه هذا الغزو الثقافي القادم إلينا، إلاّ أن نحصن أبناءنا وبناتنا وعوائلنا بالتقوى والتثقيف، فإن التقوى والثقافة القرآنية حصون حصينة منيعة، تمنع أهلها من أمثال هذه الفتن والأهواء، وتمنحهم درجة عالية من المقاومة ضد هذا الغزو وتحصّنهم تجاهه.
6- الاستعانة بالله
وأخيراً، وأولاً الاستعانة بالله تعالى، والثقة به، والاعتزاز به، والاعتماد عليه، فإن ذكر الله تعالى يمنح المؤمنين قوة لا تضاهيها قوة في ساحة المواجهة والمقارعة، وتبعث في نفوسهم الطمأنينة وتهبهم المقاومة والصمود والاستعلاء.
ونحن اليوم في مواجهة شرسة مع أعداء الإسلام، ونحن أحوج ما نكون إلى مثل هذه الحالة من الاتّكال على الله، والثقة والاستمداد من حوله وقوته، والاطمئنان إلى تأييده ونصره لعباده المؤمنين في هذه المواجهة المصيرية.
يقول تعالى: >يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّٰهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ<[5].