مواضيع

العلاقة النفسية بالكفار

– الاستعلاء على الكفار

والنقطة الأولى التي تثير انتباهنا في علاقة المسلمين بالكفار في القرآن، تأكيد القرآن على حالة الاستعلاء للمسلمين في علاقتهم بهم.

يقول تعالى: >وَلاٰ تَهِنُوا وَلاٰ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ<[1].

ومن العجب أن هذه الآية التي تصف موقع المسلمين من الكفار بـ (الاستعلاء)، نزلت بعد نكسة أحد، ولم تنزل بعد نشوة المسلمين في معركة بدر.

إن النكسة مهما كانت مرة لم تغير من واقع الاستعلاء في العلاقة بالكفار، إذا كان المسلمون يؤمنون بالله – حق الإيمان – ويؤدون استحقاقات الإيمان من العمل الصالح.

إن الاستعلاء في علاقة المسلمين بالكفار حالة مشروطة، وليست من الحالات الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل.

وشرط الاستعلاء الإيمان ومتطلبات الإيمان، والآية الكريمة المتقدمة صريحة في ذلك >إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ<.

وإذا ضعف تمسك المسلمين بهذا الشرط والتزامهم به وبمتطلباته، فقدوا هذا الموقع الذي وصفهم الله به من الكفار.

2- النهي عن الانبهار بالكفار

يقول تعالى: >وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمٰا تَأْكُلُ الْأَنْعٰامُ وَالنّٰارُ مَثْوىً لَهُمْ<[2].

هذا نموذج من استغراق الحياة المادية للكفار يذكرها القرآن حتى لا ينبهر المسلمون بهم ولا يتهيبوهم، فهم يتعاملون مع المتع الحسية تعاملا غريزياً، وبرغم كل مظاهر المدنية والحضارة يبقون في قفص اللذة الراهنة لا يستطيعون الخروج والتحرر منها، ولا يعقلون من هذه الدنيا غير هذه اللذات الحسية التي يتمتعون بها.

يقول تعالى: >إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّٰهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاٰ يَعْقِلُونَ 22 وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمۡ خَيۡرًا لَّأَسۡمَعَهُمۡ ۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ<[3].

هؤلاء الكفار انغلقت مسامع قلوبهم عن الاستماع إلى دعوة الله، وعميت أبصارهم عن رؤية آيات الله في الكون، وصاروا لا يستجيبون إلا لهتاف الجسد من جوع وشبع وعطش وريّ واستمتاع بالجنس وتكاثر الأموال.

ومن هنا ينهى القرآن عن الانبهار بالكفار، يقول تعالى: >فَلاٰ تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَلاٰ أَوْلاٰدُهُمْ إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهٰا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كٰافِرُونَ<[4].

هذه الأموال والأولاد تضاعف من عذاب الكفار بالدنيا وتعلقهم بها، ولا ينبغي أن تكون مدعاة لإعجاب المسلمين وانبهارهم… ولا ينبغي أن تنشدّ إليها نفوس المؤمنين وعيونهم.

يقول تعالى: >وَلاٰ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا<[5].

3- تحريم مودتهم ومحبتهم

يقول تعالى: >لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمٰانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ<[6].

هذه الآية تقرر أن موالاة الكفار لا تجتمع في قلب الإنسان مع الإيمان، والمؤمن لا يمكن أن يميل قلبه إلى الكافر حتى لو كان مرتبطاً به بالنسب إلى درجة الأبوة أو البنوة.

ولا يمكن أن يحب من يحادد الله ويشاققه، وقد كان المؤمنون بعد الإسلام يقاتلون آباءهم وإخوانهم، فلا يزيدهم ذلك إلاّ ثباتاً على الحق.

والقرآن ينهى عن ولاية الكافر ومودته حتى لو كان الأب أو الابن أو الأخ أو الزوج.

يقول تعالى: >يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمٰا جٰاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ<[7].

4- البراءة من الكفار

يقول تعالى: >قَدْ كٰانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرٰاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قٰالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّٰا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمّٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ كَفَرْنٰا بِكُمْ وَبَدٰا بَيْنَنٰا وَبَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةُ وَالْبَغْضٰاءُ أَبَداً حَتّٰى تُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ<[8].

والبراءة من الكفار من أهم العناصر التي تحدد نوع العلاقة بالكافر، ويأمرنا القرآن أن نتخذ إبراهيم (ع)  خليل الرحمن أسوة لنا في البراءة من الكافرين.

وقد أعلن إبراهيم (ع)  موقفه من الكفار في ثلاث نقاط:

أ. البراءة منهم >إِنّٰا بُرَآؤُا مِنْكُمْ<.

ب. الكفر بهم >كَفَرْنٰا بِكُمْ<.

جـ. التصريح بالعداوة والبغضاء المستمرة الدائمة حتى يعلنوا إيمانهم >وَبَدٰا بَيْنَنٰا وَبَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةُ وَالْبَغْضٰاءُ أَبَداً حَتّٰى تُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ<.

هذا الشعور بالانفصال الكامل عن الكفار يصدر عن الإيمان العميق بالله والارتباط الصادق به، والولاء الصادق لله تعالى ورسوله والمؤمنين.

وإبراهيم (ع)  يمثل هنا القدوة الحسنة والمثال التاريخي الحي في البراءة من الكفار والانفصال عنهم، والقرآن يصفه بالأسوة لأسرة التوحيد كلها >مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ<[9]، فينبغي أن نقتدي به في البراءة من أعدائنا ونترك موالاتهم ومحبتهم ونحاكي أبانا عليه السلام في مواجهة الكفار وإعلان الانفصال عنهم والبراءة منهم… يقول تعالى: >قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ 1 لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ 2 وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ 3 وَلَآ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمۡ 4 وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ 5 لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِیَ دِينِ<[10].

5- النهي عن الركون إلى الكفار

وكما ينهى الله تعالى المسلمين عن قبول نفوذ الكفار على بلادهم، كذلك ينهى المسلمين عن الركون إلى الظالمين، والكفار المحاربون من أبرز مصاديق الظالمين.

يقول تعالى: >وَلاٰ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ<[11].

والركون إلى الكافر بمعنى المطاوعة والسكون إليه وقبول ولايته وسلطانه والانقياد إليه، كما يسكن الإنسان الى من يتولاه…

والركون مسألة نفسية، والنهي في هذه الآية من النواهي التي تتعلق بالأمور النفسية الداخلية، ومفاد ذلك هو أن لا يشعر المسلم في نفسه بالاطمئنان والسكون والارتياح الى الكافر والثقة به، ولا يجد في نفسه الميل إليه، ولا الرغبة في مطاوعته ومجاراته ولا ينزع إليه.


  • [1] آل عمران: 139.
  • [2] محمد: 12.
  • [3] الأنفال: 22 – 23.
  • [4] التوبة: 55.
  • [5] طه: 131.
  • [6] المجادلة: 22.
  • [7] الممتحنة: 1.
  • [8] الممتحنة: 4.
  • [9] الحج: 78.
  • [10] الكافرون.
  • [11] هود: 113.
المصدر
كتاب النصر الإلهي ومنهج التعامل مع الأعداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى