هل للإسلام ثقافة إدارية؟

جدول المحتويات
– أهمية البحث عن الثقافة الإدارية
أصبح البحث عن مفردات الإدارة والقيادة، وأخلاقية الإدارة وثقافتها في التصور الإسلامي ضرورة لابدّ منها في عصرنا الحاضر، وخاصة بعد دخول الإسلام معترك الحياة، فكانت له دولة، وكيانات سياسية، وحركات، وأحزاب، ومقاومات، ومؤسسات إنسانية عامة وثقافية، وانتفاضات، وثورات، ودخل كقوة محركة كبيرة لتحريك وتثقيف الشعوب المضطهدة في العالم.
لقد دخل الإسلام المعركة الحضارية ككيان متحدٍ يرفض مطاوعة المؤسسات والأنظمة الاستكبارية في العالم، ويمتلك قدرة عالية على قيادة الشعوب وتحفيزها.
ولذلك فمن المفيد أن نبحث عن هذه القيادة الإلهية التي تستمد مفرداتها من التصور الإسلامي للإنسان، والأصول الثقافية التي تعتمدها هذه القيادة والإدارة.
نتحدث هنا باختصار عن المبادئ العامة للثقافة الإدارية في التصور الإسلامي. ونطرح التساؤلات التالية:
ما هي الآلية الصحيحة للقيادة والإدارة في التصور الإسلامي؟ وما هي صفات القائد؟ متى يلين للناس؟ ومتى يكون شديداً حازماً؟ كيف يشرك الناس في القرار، وما هي حدود الشورى؟ كيف يتعامل القائد مع طبقات المجتمع؟ ما هي المصادر التي يمكن أن يعتمدها الباحثون لدراسة ثقافة القيادة والإدارة في الإسلام؟
سوف نحاول إن شاء الله أن نلقي بعض الضوء على هذه النقاط وغيرها من النقاط التي تهمنا في هذه الدراسة.
في الثقافة الإسلامية كل إنسان يحمل بدرجة من الدرجات مسؤولية القيادة والقرار انطلاقاً من قوله (ص): «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[1].
ولذلك فإن أمثال هذه الدراسات لا تقتصر فائدتها على طبقة معينة في المجتمع، وإنما تفيد كل إنسان يعيش في هذا المجتمع بدرجة من الدرجات.
2- العلاقة بين منهج السيادة وثقافة الإدارة
لأنّ الإسلام دين قيادة وحكم وسيادة، فلا يمكن أن تتم هذه العناصر على الأرض ما لم يعط اهتماماً بمقومات ومفردات الإدارة والقيادة.
ومما لا شك فيه أنّ القيادة وحدها بدون عناصر الإدارة والتنظيم تؤدي إلى سقوط القيادة، وتشتت الجماعة.
وإننا إذا قلنا إنّ الحاكمية على الأرض ملازمة للإسلام، وإنّ التنازل عن عنصر الحاكمية والقيادية يعني التنازل عن الرسالة نفسها، فإنّ هذا يقودنا إلى ضرورة وجود الثقافة الإدارية والتنظيمية التي في هذا الدين.
وفي القرآن الكريم اهتمام واسع بتأكيد وتعميق القيادة، والسيادة، والحاكمية في هذا الدين، وثقافة القيادة والسيادة.
يقول تعالى: >وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ<[2].
ومن المؤكد أن المستضعفين إذا أصبحوا قادة للعالم، أو حسب التعبير القرآني (أئمة)، فلا بد أن يكون لديهم منهج واضح لإدارة الأمم التي ستصبح تحت مسؤوليتهم وسلطانهم.
والمستضعفون الذين سيصبحون حكاماً وأئمة على الناس لابد أن يكونوا مؤهلين للقيادة والإدارة على وجه الأرض تأهيلاً كاملاً.
ويقول تعالى: >وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا<[3].
وهذا دعاء من أدعية القرآن، ولكنه يتضمن الطبيعة القيادية في هذا الدين، فإنّ الداعي هنا يسأل الله تعالى أن يكون قائداً للمتقين.
فقد تشبعت روحه وعقله بحاكمية الإسلام، وأن الإنسان المسلم هو المؤهّل لاحتلال مركز القيادة في المجتمع والعالم.
يذكرنا هذا الدعاء الرقيق بما ورد في دعاء الافتتاح: «اللّٰهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلىٰ طَاعَتِكَ، وَالْقَادَةِ إِلَى سَبِيلِك»[4].
ويقول تعالى على لسان أنبيائه وهم يخاطبون أقوامهم: >فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ<[5].
الأنبياء يأمرون أقوامهم بتقوى الله ثم بطاعتهم، وتقوى الله هي طاعة الله في الحلال والحرام، وطاعة الأنبياء هي الالتزام بولايتهم وحكمهم.
وهذه حقيقة سارية في كل رسالات الله: (تقوى الله وطاعة الأنبياء).
3- بين الثقافة الإدارية وعلم الإدارة
إنّ الحديث عن الثقافة الإدارية في الإسلام لا يعني أنّ القرآن سيبحث علم الإدارة بحثاً منهجياً علمياً، ولا نتوقع أن نجد المبادئ العامة لهذا العلم في آياته.
لأن ميدان القرآن الأول وموضوعه الأساس هو الثقافة والمعرفة والهداية والدعوة إلى الله. ورغم كل ما تعرّف عليه العلماء من لفتات علمية هامة في القرآن، وقضايا علمية دقيقة لم يعرفها الإنسان إلاّ في وقت متأخر جدا، مع ذلك فإنّ القرآن كتاب ثقافة ومعرفة ودعوة وتوحيد، وليس كتابا في العلوم التجريبية والإنسانية وغيرها.
إن رسالة الآيات الكونية في القرآن تنبّه الإنسان إلى آيات الله تعالى في الكون، حتى لا نفقد رهافة إحساسنا بآيات الله تعالى بسبب تكرار هذه الآيات علينا وطول الألفة وتكرار المشاهدة فنمر عليها غافلين لا تحرك مشاعرنا، ولا تستجيش إحساسنا بوجوده تعالى >وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ<[6].
ومن دعاء الإمام الحسين (ع): «روعتني بعجائب حكمتك، وأيقظتني لما ذرأت في سمائك وأرضك، وبدائع خلقك، ونبهتني لشكرك وذكرك»[7].
وعندما نبحث نحن عن الثقافة الإدارية في الإسلام لا نتوقع من القرآن أن يعطينا الأسس النظرية لعلم الإدارة، وكل ما نطلبه في هذا البحث هو تشخيص ومعرفة الثقافة الإدارية في الإسلام، وليس علم الإدارة.
إننا قد نجد في القرآن لفتات من علم الذرة وأخرى من علم الفيزياء، والكيمياء، والطب، ولكنها كلها تجري ضمن مناهج الثقافة العقائدية. وكما قلنا يبقى كتاب الله للمعرفة والثقافة والهداية والدعوة إلى الله والتوحيد، وليس كتابا في العلوم التجريبية والرياضية والإنسانية رغم كل هذه الآيات وأهميتها.
لأن هذه العلوم ميدانها العقل البشري والتجارب الإنسانية، وقد ترك القرآن هذه المهمة للعقل، حتى يكتشف قوانينها، ويدوّن مناهجها، ويطوّرها بالتجربة الدؤوبة المستمرة.
فكان للعقل البشري دراسة الكون والطبيعة والإنسان، وللقرآن مجاله الآخر وهو هداية الإنسان وتثقيفه وتعبيده لله تعالى وتعريفه بنفسه وبالكون وبالله تعالى، وتنظيم حياته وعلاقته بالله تعالى وبنفسه وبالمجتمع.
اذًا؛ سوف نحاول أن نستخرج من النصوص الإسلامية الأصول والأسس العامة للثقافة والأخلاق الإدارية في الإسلام.
ولا شك أن هذه الأصول والأسس تصلح أن تكون إطاراً لتدوين علم الإدارة طبقاً للثقافة الإسلامية.
- [1] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص38.
- [2] القصص: 5.
- [3] الفرقان: 74.
- [4] محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، الباب 70 من أبواب كتاب الصلاة، ج6، ص472، ح6.
- [5] الشعراء: 108.
- [6] يوسف: 105.
- [7] في نسخة الإقبال بهذا اللفظ: «مَعْرِفَتِكَ وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ فِطْرَتِكَ، وَأَنْطَقْتَنِي لِما ذَرَأْتَ فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ، وَنَبَّهْتَنِي لِذِكْرِكَ وَشُكْرِك». علي بن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، ج2، ص75. وفي نسخة البحار: «وَرَوَّعْتَنِي بِعَجَائِبِ رَحْمَتِكَ وَأَيْقَظْتَنِي بِمَا ذَرَأْتَ فِي سَمَائِكَ وَأَرْضِكَ فِي بَدَائِعِ خَلْقِكَ وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِك». محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج49، ص315. (من المحقِّق).