الحسم والقطع بعد الحزم

يحتاج القائد في بعض المواضع إلى الحسم والقطع السريع، وألا يتراجع بعد مرحلة الحزم. فإذا وجد أنّ الموقف لا يتحمل التأخير، فعليه بالتوكل والمبادرة الفورية قبل ضياع الفرصة من يديه.
وأوضح مثال على ذلك هو ما فعله طارق بن زياد عندما ولاه موسى بن نصير طنجة، فجمع معه البربر ثم أمره باجتياز البحر وتحرير الأندلس.
فاجتاز طارق بن زياد البحر بمن معه من البربر، ثم أمر بحرق السفن من ورائهم، وإهلاك الطعام الذي معهم إلاّ طعام يوم واحد.
كانت إسبانيا في وقتها مستعمرة يونانية، وكان الملك يومئذ (لودريق) (لودريك)، فلما أقبل عليهم لودريك بجيش كبير، خطب طارق بن زياد في جيشه، وقال لهم: (أيها الناس أين المفر والبحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس لكم والله إلاّ الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا ردء لكم غير سيوفكم، ولا أقوات لكم غير ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم).
فلما برز الصفان عرف طارق بن زياد لودريك، وقصده بمن معه، فتفرق عن لودريك الجيش، فقتله طارق، والتحم الجيشان، ووقعت الهزيمة في جيش المشركين، وتم لجيش المسلمين الفتح.
وأخذ طارق يتقدم المدينة بعد الأخرى دون أن يستطيع أحد مقاومته حتى وصل إلى الساحل الآخر الشمالي للمحيط الأطلسي (خليج بسكاي)[1].
واستقرت بها دولة وحضارة إسلامية أذهلت أوروبا في العلوم والآداب والفنون.
- [1] عبد الله بن قتيبة الدينوري، تاريخ الخلفاء، ج2، ص85 – 88.