مواضيع

القرار

من مواصفات القرار الأساسية:

أن يكون سديداً، صالحاً وناجحاً، نابعاً من حزم وتروٍّ وتدبير.

وأن يكسب ثقة الناس ودعمهم وإسنادهم.

ثم القوة والعزم في التنفيذ وعدم التردد في ذلك.

هذه ثلاثة عناصر أساسية للقرار الناجح.

العنصر الأول: أن يكون القرار سديداً صالحاً؛

ولإحراز ذلك لابد من اتخاذ القرار بالتأني والدراسة المعمقة والنظر في أبعاده، فلا يكون القرار هشاً سريعاً كرد فعل للظروف الطارئة التي تستفز المسؤولين، فتضطرهم لإتخاذ القرار المستعجل؛ بل يجب التخطيط الدقيق، وإجراء مقارنة بين احتمالات الخسارة واحتمالات النجاح.

«يروى أن رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ (ص) فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُسْتَوْصٍ إِنْ أَنَا أَوْصَيْتُكَ؟ حَتَّى قَالَ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثاً، وَفِي كُلِّهَا يَقُولُ الرَّجُلُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص): فَإِنِّي أُوصِيكَ إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ، فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ، فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِهِ، وَ إِنْ يَكُ غَيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ»[1].

وعن أمير المؤمنين (ع): «مَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْظِعَاتِ النَّوَائِبِ»[2].

وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال في وصية لعبد الله بن جندب: «وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ، حَتَّى تَعْرِفَ مَدْخَلَهُ مِنْ مَخْرَجِهِ، قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ، فَتَنْدَمَ»[3].

فالقرار ليس أمراً شخصياً لكي يغامر القائد باتخاذه وتنفيذه؛ بل يشمل مصير الأمة والجماعة التي يقودها، وله آثار سلبية أو إيجابية على وجودها.

ومن هنا يأمر أمير المؤمنين (ع) المسؤولين بالتدبر الشديد قبل وقوع الكارثة بقوله: «وَالتَّدَبُّرُ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَإِنَّهُ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ»[4].

العنصر الثاني: مشاركة الناس في القرار؛

لكي تضمن القيادة دعمهم لها، فالحاكم المستبد الذي يستأثر باتخاذ القرار، ثم ينفرد لوحده في مرحلة تشريعه وتنفيذه، لا يكسب الناس إلى صفه، ومن أسرار الاستشارة كسب الناس.

يتضح هذا المعنى بوضوح أكثر في آية الشورى: >فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ<[5].

ويذكر رسول الله (ص) أهمية الشورى بقوله: «أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يقدم إلاّ رشداً، وما لم يستشر لم يقدم إلاّ غيا[6]»[7].

وعن أمير المؤمنين (ع): «مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا‌»[8].

فالاستشارة تحفظ الإنسان من هلاك الاستبداد، ومن خطر الأخطاء التي تفقد ثقة الناس بقائدهم؛ لأنها تثير الشكوك حول قدرته على إدارة الأمور، وهذه الشكوك وحدها تكفي في تخريب العلاقة بالناس.

ولكن ينبغي أن نفهم أنّ الشورى لولي الأمر، إذا كانت واجبة لقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر)، فهي غير مُلزِمة؛ لعدم وجود دليل على الإلزام؛ ولأن الآية الكريمة تربط التنفيذ والعمل بعزم الرسول (ص): <فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ>.

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ فِي شَيْ‌ءٍ لَمْ يُوَافِقْ رَأْيَهُ: عَلَيْكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ، فَإِذَا خَالَفْتُكَ فَأَطِعْنِي[9].

فإن القائد ينبغي أن يتداول مع أصحابه حول ما يستجد على الساحة من أحداث، ولكن تبقى وظيفته الأساسية اختيار الرأي الأنسب، فإذا عزم فلابد أن تكون الكلمة الأخيرة له، وعلى الجميع أن يطيعوه.

العنصر الثالث: العزم والقوة وعدم التردد؛

بعد مرحلة التروي، وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) قوله: «رَوِّ تَحْزَمْ، فَإِذَا اسْتَوْضَحْتَ فَاجْزِمْ»[10].

وعنه (ع): «اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْحَزْمِ الْعَزْم»[11].

فلابد من الحزم والعزم لوجود التلازم بينهما، فإذا ضعف الحزم ضعف العزم، وإذا اشتدَّ الحزم تضاعف معه العزم.

وهذه الحقيقة يؤكدها (ع) بقوله: «من قل حزمه ضعف عزمه»[12].

فلا يصح التردد في التنفيذ بعد اتضاح الرؤية؛ بل يتوكل على الله وحده ويقدم على العمل.


  • [1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 33 من أبواب من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ج15، ص281، ح1.
  • [2] المصدر نفسه، ح2.
  • [3] حسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، ص303.
  • [4] محمد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج25، ص50.
  • [5] آل عمران: 159.
  • [6] هكذا ورد في النسخة الأصلية لكتاب الشيخ رحمه الله، لكن المنقول في المصادر بتغيير بسيط: (فمن استشار منهم لم يُعدم رشدا، ومن تركها لم يُعدم غَيا). (من المحقق)
  • [7] جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في تفسير المأثور، ج2، ص90.
  • [8] نهج البلاغة، الحكمة: 152، باب المختار من حِكم أمير المؤمنين؟ع؟ ومواعظه، ص438.
  • [9] الحر العاملي، وسائل الشيعة، الباب 24 من أبواب تتمة كتاب الحج، ج12، ص45، ح4.
  • [10] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج78، ص341.
  • [11] المصدر نفسه، ج75، ص11.
  • [12] عبد الواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، حكمة 10858، ص474.
المصدر
كتاب الثقافة القيادية والإدارية في القرآن والسنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى