مواضيع

التنظيم والتخطيط

من وصية أمير المؤمنين (ع) لولديه الحسن والحسين (عليهم السلام): «أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ»[1].

التقوى والنظم عاملان أساسيان في سلامة المجتمع.

التقوى تحصّن المجتمع من الداخل، وتحفظ حدود الله سبحانه وتعالى بين الناس. والنظم يحفظ الأولويات في العمل، ويحفظ الجهد من الإهدار، ويؤمّن الحاجات الأساسية في المجتمع، ويحقق الإنتاج الكثير بأقل الجهد والزمن، ويطور حركة المجتمع.

والنظم مسألة ضرورية لكل جوانب حياة الإنسان؛ حتى في حياته الشخصية، ولا تختص بالجانب الإداري من المجتمع.. وعلى المسلم أن ينظم حياته ووقته بين العمل والعبادة والراحة والنوم والاهتمام بشؤون البيت والعائلة حتى تنتظم حياته الشخصية.

والتخطيط نحو من التنظيم للمشاريع الكبيرة قبل البدء بها. وعناصر التخطيط؛ تحديد الغايات، والأهداف، ووضع البرامج العملية للوصول إلى الغايات والأهداف، ضمن مراحل من العمل.

والتخطيط الواقعي الدقيق يأخذ بنظر الاعتبار دور الزمان في إنجاز المشروع، والإمكانات اللازمة له، والعقبات التي تعيق العمل، والطريقة الصحيحة لمواجهة العقبات..

وهذا هو معنى التدبير والعلم والحيلة على لسان النصوص الشرعية.

عن رسول الله (ص): «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ! إِذَا عَمِلْتَ عَمَلًا، فَاعْمَلْ بِعِلْمٍ وَعَقْلٍ، وَإِيَّاكَ وَأَنْ تَعْمَلَ عَمَلًا بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ وَعِلْمٍ، فَإِنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ يَقُولُ: <وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثا>»[2].

قالوا: إن امرأة حمقاء في مكة كانت تغزل الصوف، ثم تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً.

وكذلك العمل إذا لم يكن عن تدبير وتخطيط يكون هذا شأنه؛ نقض بعد غزل، وهدم بعد بناء.

وعن أمير المؤمنين (ع): «أمارات الدول إنشاء الحيل»[3].

إن التدبير الصحيح والحيل الصحيحة تحفظ الدول وتبقيها.

وعن أمير المؤمنين (ع) أيضا: «التَّدْبِيرُ قَبْلَ الْعَمَلِ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ»[4]. وإنما يندم الإنسان على جهده وعمله، حيث لا يسبق جهده وعمله بالتدبير والتخطيط الصحيح.

فإذا أعطى الإنسان المشروع اهتماماً في التخطيط والتدبير قبل العمل بشكل موضوعي وعلمي، وفكّر في كل جوانب العمل، لم تواجهه العقبات، إنما يفاجأ الإنسان بالعقبات، إذا لم يخطط من قبل لمواجهتها، ولم يأخذها بنظر الاعتبار.

يقول أمير المؤمنين (ع): «من قعد عن حيلته أقامته الشدائد»[5].

ولربما يغني التخطيط الصحيح عن الإمكانات والآليات الكثيرة، وفي ذلك يروى عن أمير المؤمنين (ع): «التلطف في الحيلة أجدى من الوسيلة»[6].

وليس من عمل ولا مشروع إلاّ وقد جعل الله التخطيط والتدبير السليم والحيلة المناسبة سبيلا إليه.

يقول الإمام علي (ع): «لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ حِيلَةٌ»[7].


  • [1] . نهج البلاغة، الكتاب: 47، من وصية له عليه السلام للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله، ص362.
  • [2] . الحسن بن الفضل الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص458.
  • [3] عبد الواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، حكمة: 8028، ص348.
  • [4] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص388.
  • [5] عبد الواحد الأمدي، مصدر سابق، حكمة: 10630، ص463.
  • [6] المصدر نفسه، حكمة: 4957، ص243.
  • [7] .محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج8، ص144.
المصدر
كتاب الثقافة القيادية والإدارية في القرآن والسنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى