مواضيع

ترك الإنسان ما لا يعنيه

الإدارة اختصاص، واعتناء.

ومعنى الاختصاص؛ أن يتفرغ لما يختص به من الأمور، فلا يتدخل المسؤول الصحي في الشؤون العلمية والجامعية، ولا يتدخل مدير الجامعة في شؤون المحروقات.. لكلٍّ اختصاصه في دائرة عمله، وتتوزع الأمور على المسؤولين حسب اختصاصهم.

ومعنى الاعتناء؛ أن يهتم المسؤولون بما يعنيهم، وما ينبغي أن يدخل في دائرة اهتماماتهم، فإذا تجاوز المسؤولون دائرة اعتناءاتهم، وانشغلوا بما لا يعنيهم، ولا ينفعهم في دنيا ولا آخرة، تحولت حياتهم من إنتاج إلى استهلاك..

إن الجهد الإداري في دائرة الاختصاص والاعتناء إنتاج، والجهد الذي يبذل خارج هذه الدائرة استهلاك، وعلى المسؤولين أن يحترزوا حالة الاستهلاك في جهودهم.

عن أمير المؤمنين (ع) للحارث الهمداني رحمه الله: «وَاقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ»[1]، فإذا ٍقصر المسؤول رأيه وعمله فيما يعنيه ويهمّه – موضع الاهتمام والاعتناء في عمله – واحترز عما لا يعنيه، كان رأيه وعمله منتجاً، وفي غير هذه الحالة يكون رأيه وعمله من استهلاك الرأي والجهد.

عن رسول الله (ص): «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ؛ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»[2].

إن الدخول فيما لا يعني الإنسان محرقة للعمر والجهد، والإسلام يُحمّل الإنسان مسؤولية كل أيام عمره، وكل جهده، وشبابه. فليس له جهد فائض ولا عمر فائض يضعه في غير موضع الحاجة والضرورة.

عن أبي ذر رحمه الله: قال لي رسول الله (ص): «أَلاَ أُعَلِّمُكَ بِعَمَلٍ خَفِيفٍ عَلَى اَلْبَدَنِ ثَقِيلٍ فِي اَلْمِيزَانِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْكَ قَالَ هُوَ اَلصَّمْتُ وَحُسْنُ اَلْخُلُقِ وَتَرْكُ مَا لاَ يَعْنِيكَ»[3].

هناك مؤسسات إعلامية كبيرة عملها الرئيسي تشويش آراء الناس، وافتعال الأحداث من خلال الضجيج الإعلامي.

هذه المؤسسات الإعلامية متخصصة في افتعال الأزمات؛ لإشغال الرأي العام وإلهائه عن الاهتمامات الحقيقية للأمّة.

والأمة يجب أن تواجه هذه الأحداث المفتعلة بوعي وحذر، وتتجنّب الدخول فيها حتى لا تنشغل عن قضاياها المصيرية.

وعلى القائد أن يحذّر الناس من هذه القضايا التي لا تعنيهم؛ لئلا تجد المؤسسات الإعلامية فرصة افتعال الأزمات والأحداث المفتعلة.

إنّ إقبال الناس والرأي العام على هذه الأزمات المفتعلة إمارة الفراغ الفكري والسياسي والثقافي في حياة الناس.

يقول تعالى في صفة عباد الرحمن: >وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً<[4]، إن عباد الرحمن يتميزون بالانشغال في الاهتمامات الحقيقية، ولا يشغلهم اللغو والبطر الفارغ من حولهم.


  • [1] نهج البلاغة، الكتاب: 69، من كتاب له عليه السلام إلى الحارث الهمداني، ص397.
  • [2] . عبد الله بن جعفر الحميري، قرب الإسناد، ص67.
  • [3] . ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر، ج1، ص107.
  • [4] الفرقان: 72.
المصدر
كتاب الثقافة القيادية والإدارية في القرآن والسنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى