مواضيع

الاتّزان والوقار وضبط الأعصاب في الأزمات

وهي حالة الاستقرار والثبات النفسي إزاء عوامل الإثارة الخارجية القوية التي تواجه الإنسان.

وقد ورد في خطبة المتقين لأمير المؤمنين (ع) في صفة المتقين: «فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ»[1].

والوقار في الزلازل، هو أن لا يهتزّ المؤمن بين يدي الحوادث التي تزلزل نفوس الناس، ويحافظ على ثباته واستقرار سلوكه النفسي ووقاره، مهما كانت هذه الزلازل.

وفي المكاره صبور، فلا يجزع ولا يغلبه الحزن.

وفي الرخاء شكور، لا يصيبه البطر والرئاء.

وليس معنى ذلك بلادة الحس تجاه الأحداث التي تحلُّ بالإنسان، فلا يتأثر بها، وإنما معناه الاستسلام الباطني الكامل لله تعالى في كل ما ينزل عليه من جانب الله.

إنه حالة الاطمئنان الكامل إلى قضاء الله وقدره، وأنه تعالى لا يريد به في كل ما ينزل عليه من قضاء وقدر إلاّ خيراً، وقد ورد في الدعاء: «وَاجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ، رَاضِيَةً بِقَضَائِك»[2]، فلا يجزع، ولا يخاف، ولا يحزن، ولا يقلق حيث يجزع الناس ويخافون ويحزنون ويقلقون، وهو أمر آخر غير بلادة الحس، كما ذكرنا؛ بل يتمتع أصحابها برهافة الحس، بشكل كامل، ولكن سلوكهم النفسي يبقى مستقراً ثابتاً، لا تطرأ الانفعالات الحادة عليه، كما تصيب الناس.

ولا يتملكه الموقع والمنصب، ولا يوحشه لو جرّد من كل ما أوتي من المواقع والمناصب والأموال. لا يغتر بتحشد الناس حوله، ولا يوحشه انفراط الناس من حوله.

يقول أمير المؤمنين (ع): «لَا يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلَا تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً»[3].

وعن الإمام محمد الباقر (ع) لجابر بن يزيد الجعفي رضوان الله عليه: «وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَا تَكُونُ لَنَا وَلِيّاً حَتَّى لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْكَ أَهْلُ مِصْرِكَ، وَقَالُوا: إِنَّكَ رَجُلُ سَوْءٍ لَمْ يَحْزُنْكَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالُوا: إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ يَسُرَّكَ ذَلِك»[4].


  • [1] نهج البلاغة، الخطبة: 184، من خطبة له عليه السلام تمسى بـ (خطبة المتقين)، ص227.
  • [2] ابن طاوس، إقبال الأعمال، ص470.
  • [3] نهج البلاغة، الكتاب: 37، من كتاب له عليه السلام إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء‌، ص351.
  • [4] حسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، ص284.
المصدر
كتاب الثقافة القيادية والإدارية في القرآن والسنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى