الأناة

هي حالة غير (الحزم) إلاّ أنها تلتقي بالحزم.
وحقيقة الأناة: عدم التعجل.
وما يصيب الناس من التعجّل والاستعجال يكون في أمرين: في البدء بالعمل قبل أوانه، والبدء بالعمل قبل أوانه يفسد العمل؛ كمن يزرع في غير الموسم، ولكل مشروع ولكل عمل ظرفه الخاص، فإذا دخل صاحبه في المشروع في غير ظرفه، أفسد على نفسه المشروع، ويحبط عمله.
وأكثر ما يصيب الإنسان الإحباط، في الأعمال السياسية والثورية وفي حركة المعارضة السياسية وفي المشاريع الحركية، لهذا السبب.. فقد ينجح قائد في تحريك الشارع وإثارة الناس للاعتراض والثورة على نظام فاسد، ويتحرك معه الشارع، ويحقق ما يريد.. وقد يتحرّك آخر فلا يستطيع أن يصنع شيئاً، ولا يحرك ساكناً في الشارع.. والفرق الزمن والظرف.. ولو تأنّى الثاني ودرس الظروف الموضوعية للثورة، لم يواجه الإحباط، فإن للثورة ضد أي نظام فاسد ظرفها الخاص، فإذا بدأ بها قبل ظرفها لم تنجح الثورة.
ولكن ليس معنى ذلك الخلود إلى الراحة، والاستكانة للنظام الفاسد، وإنما معنى ذلك ترحيل الاعتراض والثورة والحركة ضمن مراحل من العمل والإعداد والتحضير لها.
وهذه هي الأناة الأولى في العمل؛ انتظار الظرف الزمني المناسب، وترحيل العمل ضمن مراحل، وليس الركون والسكون والسكوت.
وعن هذه الأناة يقول أمير المؤمنين (ع): «إِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا»[1] ومعنى الكلمة: انتظار الوقت والظرف المناسب للعمل، وعدم التعجل في العمل، وترحيل العمل والتخطيط له ضمن مراحل.
والأناة الثانية: الأناة في جني الثمار، وكما يضر التعجل الأول، يضر التعجل الثاني، فمن يريد أن يقتطف الثمرة قبل أوانها يقتطفها فجّة، وعندئذ يصيبه الإحباط، ولو أنه تأنّى في اقتطاف الثمرة إلى أوان نضجها، لم يلحقه هذا الإحباط.
وعن هذه الأناة يقول أمير المؤمنين (ع): «من تأنى أصاب ما يتمنى»[2].
إن الذي يتأنى في إنجاز النتائج لوقتها، يحققها بأفضل الأشكال.
ومهما يكن من أمر؛ فإن للزمن وظروف العمل دوراً في البدء بالعمل وترحيله واستنجاز النتائج المطلوبة منه، ومن يتجاوز (الزمن)، يواجه حالات الإحباط كثيراً.. وسوف يأتي الحديث عن هذه النقطة تحت عنوان آخر.
- [1] المصدر نفسه، الخطبة: 53، من عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لما ولاه على مصر وأعمالها، ص382.
- [2] لم نعثر عليه في المصادر. نعم؛ نقله الشيخ البهائي في كشكوله (ج1، ص126) بلفظ (من تأنّى أصاب ما تمنى) وادعى هناك أنه لأمير المؤمنين من الباب الأخير لنهج البلاغة (أي باب الحكم)، لكننا لم نعثر عليه هناك أيضا. والحديث في عهدة الراوي. وقريبا منه نقل البعض عن النبي الأعظم (ص): (من تأنّى أصاب أو كاد، ومن عجّل أخطأ أو كاد). (محمد تقي الشوشتري، بهج الصباغة، ج13، ص295؛ وحيدر الآملي، تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم، ج2، ص491). (من المحقق)