البشاشة والبشر

عن أمير المؤمنين (ع) في وصيته للأشتر رضوان الله عليه[1]: «وَاخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ»[2].
وفي وصيته لعبد الله بن عباس، وكان عامله على البصرة: «سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَحُكْمِكَ»[3].
إنّ على المسؤولين والحكام أن لا يحجبوا الناس عن أنفسهم أولاً، ولا يجعلوا بينهم وبين الناس حجاباً.
وإذا التقوا بالناس أن يقابلوهم بالبشر، والبشاشة وانبساط الوجه، ولا يقابلوا الناس بوجوه منقبضة.
والإمام يوصي الأشتر ; في وصيته[4]: أن يخفض للرعية جناحه، فلا يستعلي عليهم، ويبسط لهم وجهه، فلا يقابلهم بالانقباض.
وفي وصيته لعبد الله بن عباس، يوصيه أن يسع الناس في ثلاث: في مجلسه، ووجهه، وحكمه، فلا يضيق مجلسه بالعامة من الناس (الجمهور)، ولا ينتقي لمجلسه النخبة، وإنما يفتح مجلسه لعامة الناس، في مواعيد منتظمة، وهذه هي التوسعة الأولى.
والتوسعة الثانية: أن يسعهم بوجهه، والتوسعة بالوجه من أفضل أنواع التوسعة؛ فلا يقبض وجهه في لقائهم، ولا يشعر الناس بالتضايق منهم، والوجوه تنطق للناس بالتوسعة والتضييق.
وإذا وجد المسؤول من أسباب الانقباض شيئاً في نفسه، فعليه أن يحتفظ بالانقباض والحزن لنفسه، ويتعلم أن يظهر للناس البشر والبشاشة، ويحتفظ لنفسه بالحزن والهموم.
يقول الإمام علي (ع) في خطبة المتقين المعروفة في وصف المتقين: «حزنه في قلبه وبشره على وجهه»[5].
وفي كلمة أخرى مروية عنه (ع) في هذا السياق: «إن بشر المؤمن في وجهه، وقوته في دينه، وحزنه في قلبه»[6].
والتوسعة الثالثة في الحكم: فلا يضيق حكمه عن عامة الناس وجمهورهم، وإنما يعم عدله وحكمه الجميع، ويؤثر رضا العامة على رضا الخاصة في الحق.. وهذا هو كلام الإمام (ع): «سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَحُكْمِكَ».
- [1] الوارد في المصادر: أنه من كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله، وليس من عهده إلى مالك الأشتر كما جاء في النص. (لاحظ الهامش التالي). (من المحقق)
- [2] نهج البلاغة، الكتاب: 46، من كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله، ص361.
- [3] المصدر نفسه، الكتاب 76، من وصية له عليه السلام لعبد الله بن عباس عند استخلافه إياه على البصرة، ص401.
- [4] الصحيح: إلى عماله كما ذكرنا أعلاه. (من المحقق)
- [5] الوارد في المصادر: «بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ»، وهو وارد في صفة المؤمن، وليس في خطبة المتقين كما ورد في النص. (نهج البلاغة، الحكمة: 325، ص475). (من المحقق)
- [6] عبد الواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، حكمة: 1552، ص90.