معايير الاختيار الصحيح

اختيار الشخص الصالح للموقع المناسب من أهم المسائل الإدارية .. فقد يختار المسؤول إنساناً صالحاً كفوءاً لموقع من المواقع، فيكون سبباً لإنجاح ذلك الموقع وذلك العمل، وقد يقع اختياره على عنصر غير صالح لموقع من المواقع، فيؤدي إلى إفشال الموقع، وإفشال المشروع الذي اختاره له، وأهم العناصر والمعايير التي تدخل في الاختيار الصحيح هي المعرفة والأمانة والكفاءة.
ولقد أشارت ابنة شعيب (ع) على أبيها عندما سقى لهما موسى (ع)، أن يستأجره، وقالت في ذلك: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»[1]، فوصفت موسى بن عمران (ع) بالأمانة والقوة، وهما عنصران أساسيان في الاختيار الصالح.
وعندما رشّح يوسف (ع) نفسه لأمانة خزائن مصر، ذكر لتوجيه هذا الترشيح كلمتين: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»[2]، وهاتان الكلمتان هما: (الحفظ) و(العلم).
و(الحفظ) بمعنى الأمانة، و(العلم) بمعنى المعرفة.
فهذه ثلاث نقاط في معايير الاختيار الأصلح: المعرفة، والأمانة، والقوة (الكفاءة).
ولأمير المؤمنين (ع) في كتابه إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه كلمة جامعة في التعريف بالكفاءة والقوة.
يقول (ع): «وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ؛ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا»[3].
وهو كلام دقيق في التعريف بكفاءة المسؤول وقوته، لا تغلبه الأمور الصعبة الكبيرة التي تواجه المسؤولين، ويبقى هو الأقوى في أي مواجهة ومقابلة للمشاكل والتحديات التي تواجهه.
وفي كلمة أخرى له (ع) في التعريف بالمتقين: «فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ»[4].
وهذه الخصلة من خصائص المدير القوي الكفوء الذي لا يتميز أمام التحديات الصعبة.
والخصلة الأخرى في تحديد الكفاءة القوة في المسؤولين «وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا»، فكما لا يغلبه كبيرها لا يشتّته كثيرها.. إن المسؤول الذي تتشتت عليه الأمور، لا يتمكن أن يجمعها ويهيمن عليها ويديرها وينظمها.. إن الإدارة القوية هي التي تقوم بتجميع شتات الأمور وتنظيمها وترتيبها بحسب الأولويات والاستحقاقات.
وهذه الخصال أيضاً من خصال القوة؛ كما الخصلة المتقدمة.
ونقرأ في كتاب الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه، عندما ولاه مصر، معايير أخرى في اختيار الصالح نذكرها بإيجاز:
1- التجربة والخبرة في العمل الذي يعهد إليه. يقول (ع): «وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ»[5].
2- الاختيار من البيوتات الصالحة؛ قوله (ع): «مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ»[6].
3- القَدَم في الإسلام؛ قوله (ع): «وَالْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ»[7].
ويعلل الإمام ذلك بقوله: «فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً»[8]. إن تاريخ الإنسان جزء لا يتجزأ من كيانه، فإذا كان تاريخه مشرقاً نظيفاً معروفاً بالصلاح، أمكن الاعتماد عليه والوثوق به.
4- النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين. يقول الإمام (ع) في نفس الكتاب في معايير اختيار الصالح: «فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِكَ»[9].
هؤلاء ينصحون لله ورسوله وأئمة المسلمين فيما يعملون وما يقولون، أما أولئك الذين يبتغون من المواقع زهو الحياة الدنيا ومتاعها، فلا يصلحون لهذه المواقع ولا ينصحون.
5- القيم وفضائل الأخلاق، وهي بلا شك من عناصر الاختيار الصالح.. أما الذين يفقدون فضائل الأخلاق، ويتعاملون مع الناس بفظاظة، ومع مواقع المسؤولية من منطلق المصالح الشخصية، والبطر والرئاء، فلا يصلحون لتحمل أي مسؤولية من مسؤوليات المسلمين.
يقول أمير المؤمنين (ع) في نفس الكتاب: «ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ»[10].
6- الامتحان ولابد أن يسبق الاختيار الامتحان. فلا يختار المسؤولون شخصاً لمهمة قبل أن يعرفوا كفاءته لإدارة ذلك العمل بالامتحان.
يقول علي (ع) في نفس الكتاب: «ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً»[11].
وهو الأسلوب الصحيحلاختيار الأصلح.
وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) في هذا المعنى: «الطُّمَأْنِينَةُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ»[12].
- [1] القصص: 26.
- [2] يوسف: 55.
- [3] نهج البلاغة، الكتاب: 53، من عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لما ولاه على مصر وأعمالها، ص376.
- [4] المصدر نفسه، الخطبة: 84، من خطبة له عليه السلام تمسى بـ (خطبة المتقين)، ص227.
- [5] . المصدر نفسه، الكتاب: 53، من عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لما ولاه على مصر وأعمالها، ص374.
- [6] المصدر نفسه.
- [7] المصدر نفسه.
- [8] المصدر نفسه.
- [9] المصدر نفسه، ص372.
- [10] المصدر نفسه، ص376.
- [11] . المصدر نفسه، ص374.
- [12] . المصدر نفسه، الحكمة: 376، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام ومواعظه، ص486.