مواضيع

بين المسؤولية والرعاية

يكتب أمير المؤمنين علي (ع) إلى أحد عماله الذين تجاوز حدود صلاحياته في عمله:

«أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ، وَلَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ»[1].

إن خطّ المسؤولية مسلسل من حلقات المسؤولية والرعاية، يربط المسؤول والحاكم في الخط الصاعد بمن يتولى أمره، ويكون هو مسترعَى له، وفي الخط النازل يكون مسؤولا عمن يتولى هو أمره يحاسبه ويسائله.

فهو راعٍ لمن دونه ومسترعَى لمن فوقه، مسؤول عن المواقع (النازلة) التي تقع في حوزة مسؤوليته، وفي نفس الوقت هو مسؤول ومحاسب من قبل من يكون فوقه.. وعليه أن يتقبل السؤال والمحاسبة من قبل المواقع الفوقية التي تقع أعلى منه في مسلسل الرعاية والمسؤولية.. كما عليه محاسبة من يقع دونه من مواقع المسؤولية.

ولا يصح له أن يحاسب ويسائل مَن دونه، ثم لا يقبل المساءلة والمحاسبة ممن فوقه.

والمسؤولية كلها سؤال وحساب، يسائِل من دونه في مسلسل المسؤولية، ويتقبل سؤال من فوقه في هذا المسلسل.

وهذا هو التصور الإسلامي الصحيح لمواقع المسؤولية.

إن مواقع المسؤولية مرتبطة بالسؤال والجواب والرعاية والاسترعاء من الطرفين.. ويجري هذا على كل مواقع المسؤولية حتى آخر هذه المواقع وأرفعها؛ وهو ولاية الأمر العامة، فإن موقع الولاية العامة مسترعَى من جانب الله تعالى، وولّي الأمر يخضع للسؤال والجواب من جانب الله، كما يطالب من دونه من المواقع بالجواب والحساب.

إن مواقع المسؤولية مرتبطة من الطرفين بالمسؤولية والرعاية على كل المستويات.. وإذا عرف المسؤولون في النظام الإداري في الإسلام هذه الشبكة المترابطة من المسؤولية والرعاية، في كل المواقع، من دون استثناء، وارتباط هذه الشبكة العظيمة في آخر حلقاته بالله تعالى، إذا عرف أصحاب المواقع هذا الترابط العظيم بين مواقع المسؤولية على هذه الشبكة، وارتباطها جميعاً بالله، انتظم أمر المسؤولية في المجتمع.

يقول أمير المؤمنين (ع) لمالك الأشتر رضوان الله عليه: «فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ»[2].


  • [1] نهج البلاغة، الكتاب: 5، من كتاب له عليه السلام إلى أشعث بن قيس، ص312.
  • [2] المصدر نفسه، الكتاب: 53، من عهد له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي رحمه الله لما ولاه على مصر وأعمالها، ص367.
المصدر
كتاب الثقافة القيادية والإدارية في القرآن والسنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى