إقبال القلوب وإدبارها

جدول المحتويات
للقلوب إقبال وإدبار.
في حال الإقبال ينشط القلب لذكر الله، ويبتهج بالإقبال على الدعاء والمناجاة، ويرق، ويشرق، وينتعش ويتفاعل مع ذكر الله، ويستغرق، صاحبه في الصلاة والدعاء، والمناجاة من غير ان يملّ، ويملكه الخوف من الله والرجاء لله والشوق والأنس بالله .. وينقطع إلى الله.
وفي حالات الإدبار يكسل الإنسان عن الذكر والدعاء والمناجاة وتلاوة القرآن والصلاة .. ولا يجد الشوق والإقبال على ذكر الله تعالى.
وهاتان الحالتان موجودتان في كثير من الناس بدرجات متفاوتة في الإقبال والإدبار.
وقد روي عن الإمام الرضا (ع): إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها[1].
كيف نتعامل مع حالات الإقبال والإدبار
على الإنسان أن ينتهز ساعات الإقبال، ويشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن والصلاة والمناجاة، فإن القلوب تنفتح ساعات الإقبال، وعلى صاحبه أن ينتهز حالة انفتاح القلب فيقبل على الله ويتلقّى من عند الله النور، والهدى والبصيرة، وشرح الصدر، والرقة، والخشوع، فإن القلوب إذا انفتحت على الله أفاض الله عليها من رحمته وفضله ما لا يدخل في الوصف ..
وإذا شعر الإنسان بالكسل والإدبار والفتور عن الصلاة والذكر والدعاء عليه ان يقتصر على الفرائض ولا يكره نفسه على النوافل، فإن الفرائض كافية للإبقاء على سلامة القلوب ارتباطها بالله، وإكراه القلوب على الذكر والدعاء في هذه اللحظات تترك انطباعاً سلبياً في نفس الإنسان تجاه العبادة والذكر والدعاء.
عن أمير المؤمنين: إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض[2].
وعن الإمام الصادق (ع): إن القلب يحيى ويموت فإذا حيى (يعني نشط) فأدبه بالتطوع (يعني النوافل) وإذا مات (يعني الفتور والكسل) فاقصره على الفرائض[3].
الحالة الصحية والمرضية للقلوب في الإقبال والإدبار
إن وجود حالة الإقبال والإدبار عند الإنسان حالة طبيعية، ولكنه إذا وجد ان حالات الإقبال في توسع وتنامي وحالات الإدبار في تقلص فتلك حالة صحية عند صاحبها، وإذا وجد العكس وعرف من نفسه ان حالة الإقبال في ضمور وتقلص، وحالة الإدبار في تمدد وتوسع فتلك حالة مرضية، ينبغي ان يبادر إلى علاجها.
وعلاج هذه الحالة يتم بمعرفة عوامل الإدبار وعوامل الإقبال في القلوب، فإذا عرف الإنسان هذه وتلك حاول أن يكافح في نفسه وحياته عوامل إدبار القلوب ويتخلّص منها، ويلتزم عوامل الإقبال، وينعش بها قلبه.
وقد ورد في النصوص الإسلامية ذكر عوامل إقبال القلوب وإدبارها بتفصيل، لا يسعنا ذكرها هنا، إلاّ أننا نحاول أن نشير إلى طائفة من عوامل الإقبال والإدبار من خلال النصوص الإسلامية.
عوامل إدبار القلوب
هذه العوامل كثيرة وهي تؤدي إلى إدبار القلوب، وقسوتها ومرضها وموتها بالتدريج.
ومن أهم هذه العوامل:
- الذنوب والمعاصي: فهي تسلب النور من القلوب، وتؤدي إلى ضمور القلب وسوادها ودنسها.
يقول تعالى: <كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ14 كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ>[4].
إن الذنوب والسيئات تغلب على قلوب أصحابها فتكون ريناً ودنساً وخبثاً، فتفقد قلوبهم حالة الإشراق والإقبال والطهارة وتحجبها عن الله.
<كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ>[5].
عن الإمام موسى بن جعفر (ع): أوحى الله إلى داود (ع): يا داود، حذّر وأنذر أصحابك عن حب الشهوات، فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني[6].
وعن رسول الله (ص): إذا أذنب العبد نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب صقل منها، فإن عاد زادت حتى تغطه في قلبه[7].
وعن أمير المؤمنين علي (ع): ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب، إلاّ لكثرة الذنوب[8].
وعن أمير المؤمنين (ع): طهروا أنفسكم من دنس الشهوات تدركوا رفيع الدرجات[9].
وعن أمير المؤمنين (ع): لا وجع أوجع للقلوب من الذنوب[10].
والمقصود بالوجع المرض، والمعنى لا مرض أفسد للقلوب وأكثر إضراراً به من الذنوب.
وعن الإمام الباقر (ع): ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة (الخطيئة)، إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به، حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله[11].
وهذه هي حالة انتكاسة القلوب، وعامل هذه الانتكاسة الذنوب تبدأ بالقلب بالتدريج حتى ينتكس القلب تماماً، فيكون أعلاه أسفله، ويكون أسفله أعلاه، فيرى الحق باطلاً، ويرى الباطل حقا. وهذا هو معنى انتكاسة القلوب.
ومن مناجاة الإمام زین العابدين (ع):
إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي،وأمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي[12].
- ومن عوامل إدبار القلوب انتهاك حرمات الله والتجرئ على الله .. وواضح أن انتهاك حرمات الله والتجرئ عليه تعالى لا يكون إلاّ بارتكاب الذنوب والمعاصي، وإنما أفردناه بالذكر، لأنه ليس كل ذنب انتهاكاً لحرمات الله، واجتراءً على الله .. فقد يخفى المذنب ذنبه، وهو خائف من الله، يتكتم بها .. وقد يُشهرها إشهاراً ويرتكبها علانية .. وهذا هو مصداق انتهاك حرمات الله والاجتراء على الله، وبحكم مبارزة الله تعالى.
عن رسول الله (ص): الطابع (المقصود بـ(الطابع): حالة طبع القلوب التي يقول عنها الله تعالى <كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ>[13]) معلّق بقائمة العرش، فإذا انتهكت الحرمة، وعمل بالمعاصي، واجترأ على الله بعث الله على الطابع، فيطبع الله على قلبه، فلا يعقل بعد ذلك شيئاً[14].
- ومن عوامل إدبار القلوب اتباع الهوى، فإنه يحبس الإنسان في دائرة الهوى الضيقة، ويمكن الهوى من الإنسان، فيكون الإنسان أسيراً للهوى لا يتمكن أن يحرر نفسه من سلطانها وأسرها.
يقول تعالى: <أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ>[15].
أولئك يختم الله على أسماعهم وقلوبهم، ويجعل غشاوة على أبصارهم، ولا يهتدون .. وبعكس ذلك مخافة الهوى والتحرر من سلطان الهوى فإنها من عوامل عروج القلب إلى الله.
- ومن عوامل إدبار القلوب أكل الحرام، فإن للجسم علاقة وثيقة بالروح والقلب .. فيفسد الروح أكل الحرام وينعشه أكل الطيب الطاهر الحلال.
لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين (ع) وأحاطوا به من كل جانب، حتى جعلوه في مثل الحلقة، فخرج (ع) حتى أتى الناس، فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا، حتى قال لهم: ويلكم ما عليكم ان تنصتوا إليّ، فتسمعوا قولي، إنما أدعوكم إلى سبيل الرشاد .. وكلكم عاص لأمري غير مسمع قولي، فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم[16].
وعن رسول الله (ص): العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل، وقيل على الماء[17].
- ومن عوامل إدبار القلوب الغش والخيانة.
عن الإمام علي (ع): شر ما ألقي في القلوب الغلول[18].
- الحب والبغض في غير الله، وهو نحو من الهوى والرغبة الملحّة في شيء، في غير مرضاة الله، والافتتان بشيء أو شخص.
وعن علي أمير المؤمنين (ع): من عشق شيئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه[19].
إن الولع بالشيء أو بالشخص والافتتان بهما في غير حب الله تعالى يسلب القلب الرؤية الشفافة الصحيحة فيرى الانحراف فيه استقامة والباطل فيه حقاً والقبيح فيه جميلاً .. وهذا نحو من أنحاء اختلال الرؤية .. نعوذ بالله منها.
- الحقد: إن الحقد من أهم عوامل تلوث القلوب، يسلب القلب رقته وصفائه، ويبدله عنه بظلمات الحقد والبغضاء، إذا كان ذلك في غير الله.
عن أمير المؤمنين علي (ع): طهروا قلوبكم من الحقد فإنه داء موبئ[20].
ومن أراد أن يريح قلبه من هذا المرض، فعليه ان يطرح الحقد من نفسه .. عن أمير المؤمنين (ع): من طرح الحقد استراح قلبه ولبّه[21].
- التكبر والترفع على الحق:
يقول تعالى: <الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ>[22].
- تكذيب الأنبياء فيما جاءوا به من الحق .. كذلك كل تكذيب للحق عناداً وجدالاً، يقول تعالى: <ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ>[23].
إن تكذيب آيات الله وأنبياء الله يترك في قلب المكذبين ريناً يحجبهم عن الله، وعن الحق، فلا يرون بعد ذلك الحق، ولا يميزون بين الحق والباطل، جزاءً على تكذيبهم لما عرفوا أنه الحق من آيات الله وأحكامه.
ويقول تعالى: <تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ>[24].
- ومن عوامل إدبار القلوب الجهالة والجهل والامتناع من التعقل والتفكير.
قول تعالى: <كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ>[25].
ويقول تعالى: <أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ>[26].
إن القلوب إذا فقدت خاصية التفكير والتعقل عميت، فلا ترى بعد ذلك الحق حقاً والباطل باطلاً.
- ومن عوامل إدبار القلوب المراء والخصومة في العلاقات الاجتماعية.
عن علي (ع): إياكم والمراء والخصومة، فإنهما يمرضان القلوب على الأخوان وينبت عليهما النفاق[27].
- الحرص والطمع من عوامل إدبار القلوب وانتكاسها.
عن رسول الله (ص): إياكم واستشعار الطمع، فإنه يشوب القلب شدة الحرص، ويختم على القلوب بطبائع حب الدنيا[28].
إن الحرص والطمع يلصقان الإنسان بالدنيا إلصاقاً ويقيدانه بمتاع الدنيا تقييداً، فيفقد خاصية العروج والانطلاق.
- من عوامل إدبار القلوب الفتن، فإن القلوب تزيغ في الفتن، إذا كان لم يحصنها التقوى والتقوى من أهم عوامل سلامة القلوب واستقامتها في الفتن.
عن أمير المؤمنين (ع) في التحذير من الفتن: ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف، والقاصمة الزحوف، فتزيغ قلوب بعد استقامة، وتضلّ رجال بعد سلامة[29].
عن رسول الله (ص): تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب اشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة، ما دامت السماوات والارض، والآخر أسود مُربادا (أي مائلاً إلى الرمادي). لا يعرفمعروفاً، ولا يُنكر منكراً إلاّ ما أشرب من هواه[30].
إن القلوب إزاء الفتن تنقسم إلى طائفتين: قلوب تقاوم الفتن وتنكرها، فلا تضره فتنة، مهما كانت ولو عاش صاحبه الدهر كله، وقلوب تزيغ في الفتن، وتنقاد لها، فتفقد الرؤية، فلا ترى المعروف معروفاً، ولا المنكر منكراً.
- وفرة المال ومتاع الحياة الدنيا من أسباب إدبار القلوب، فإنها تشغل صاحبها، شاء أم لم يشأ بها، اللهم إلاّ الأوحدي من الناس الذين لا تشغل الدنيا قلوبهم مهما كان نصيبهم من متاع الحياة الدنيا، ويمكنهم الله تعالى من الترفع عن الدنيا، والاستهانة والانصراف عنها إلى الله، إلاّ ما يقع منها في امتداد مرضاة الله، وهؤلاء أقل من القليل. وأما غالب الناس فإن الدنيا إذا فتحت أبوابها وخزائنها عليهم، تشغلهم وتحجبهم عن الله تعالى وعن أنفسهم.
عن أمير المؤمنين علي (ع): إن كثرة المال مقساة للقلب[31].
وقد كان سلمان الفارسي متحسراً عند وفاته، فسئل عن تحسّره وتأسفه عند الموت، فقال: ليس تأسفي على الدنيا، ولكن رسول الله (ص) عهد إلينا، وقال: وليكن بلغة أحدكم كزاد الراكب، وأخاف ان نكون قد جاوزنا أمره وحولي هذه الأساود، وأشار إلى ما في بيته، وقال: هو دست وسيف وجفنه[32].
- اعتزال جماعة المؤمنين في جمعاتهم، وجماعاتهم وتجمعاتهم الراشدة الهادية، فإن عدم مشاركة جماعات المؤمنين وبشكل خاص صلاة الجمعة یسلب النور من قلبه.
عن رسول الله (ص): من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه[33].
- مجالسة المترفين والفارغين والبطالين .. فإن هذه المجالس تبعد الإنسان عن الله، وتحجبه عنه تعالى وتفسد قلب الإنسان .. وقد ذم رسول الله (ص) – كما في بعض الروايات – مجالس الموتى.
فقيل له يا رسول الله، وما الموتى؟ قال: كل غني مترف[34].
وهذه المجالس تميت القلوب، كما روي عنه (ص)[35].
- خلوة الرجال بالنساء، والحديث معهن فإن هذه الخلوات من إشراك الشيطان، يستدرجهم إلى السقوط في معصية الله.
وقد روي عنه (ع) أنها من عوامل إفساد القلوب[36].
- ومن عوامل إدبار القلوب الثرثرة وكثرة الكلام فإن الإنسان إذا كثر كلامه دخل في اللغو والباطل لا محالة.
وقد كان الصالحون من عباد الله يضبطون الكلام الذي يتكلمونه ويقيسونه قياساً دقيقاً ويفرضون سيطرتهم على كلماتهم، وليس العكس.
روي عن رسول الله (ص): لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن (في) كثرةالكلام بغير ذكر الله قسوة القلب. إن أبعد الناس من الله القلب القاسي[37].
وعن أمير المؤمنين (ع): من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار[38].
- ومن عوامل إدبار القلوب مرافقة الحكام الظالمين .. فإن الدخول معهم في أعمالهم ومصاحبتهم يؤدي إلى إدبار القلوب وقساوتها، إلاّ أن يكون من أجل دفع الضر والظلم والحيف عن المؤمنين.
- ومن عوامل إدبار القلوب طول الأمل في الحياة الدنيا فإنه يزيد من حرص الإنسان وطمعه وينسيه الموت وينسبه ذكر الله ويلهيه بالدنيا .. وكل هذه الأمور من عوامل إدبار القلوب وقسوتها.
روى ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن علي بن عيسى مرفوعاً فيما ناجى الله عز وجل من الحديث القدسي موسى (ع): يا موسى، لا تطوّل في الدنيا أملك، فيقسو قلبك، والقاسي قلبه مني بعيد[39].
وعن أمير المؤمنين (ع): من يأمل ان يعيش غداً فإنه يأمل ان يعيش أبداً، ومن يأمل ان يعيش أبداً يقسو قلبه ويرغب في دنيا[40].
هذه عشرون نقطة من عوامل إدبار القلوب جمعناها من النصوص الإسلامية من الكتاب والسنة. وهي تؤدي إلى حالات الفتور عن العبادة والكسل عن الصلاة والدعاء والمناجاة، وعدم الرغبة في ذكر الله، وهي حالة مرضية بلا شك .. وعوامل هذه الحالة المرضية هي التنبه إلى هذه النقاط واجتنابها.
عوامل إقبال القلوب على الله
نتحدث الآن عن عوامل إقبال القلوب على الله، في ضوء النصوص الإسلامية، كما تحدثنا عن عكسها من قبل .. ومعرفة هذه النقاط والنقاط السابقة عليها، والالتزام بها، وتجنب النقاط السابقة عليها كافية في تنشيط القلوب للذكر والعبادة، وإقبالها على الله.
- وأول هذه النقاط التقوى.
عن أمير المؤمنين (ع): إن تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم، وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم، وجلاء غشاء أبصاركم[41].
وعن المسيح عيسى بن مريم (ع): اجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات[42].
إن للتقوى أثراً عظيماً في صفاء القلوب، وتطهيرها وشفافيتها وطهرها، كما أن للذنوب والمعاصي دور كبير في دنس القلوب ورينها وانتكاستها.
- ذكر أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع) حكمة تجمع بين الذكر والتقوى في عمارة القلوب.
فقد روى عنه أنه (ع) قال في وصيته لابنه الحسن (ع): أوصيك بتقوى الله – أي بُنيّ – ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره[43].
ومن أفضل الذكر ذكر الله تعالى في الخلوات، فإنه يرقق القلب ويفتحه على فيوضات رحمة الله.
عن الإمام الباقر (ع): تعرض لرقّة القلب بكثرة الذكر في الخلوات[44].
وفي ذكر الله جلاء للقلوب عن أمير المؤمنين (ع): إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة[45].
إن ذكر الله يسمع القلوب ويفتح منافذ سمعها وبصرها بعد الوقرة والعمى.
وعنه (ع) أيضاً: أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله[46].
- من عوامل إقبال القلوب وانفتاحها وبصرها: التفكر.
عن الإمام الحسن (ع): التفكر حياة قلب البصير[47].
وعنه (ع) أيضاً: عليكم بالتفكر، فإنه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة[48].
إن الله تعالى جعل قلب الإنسان خزائن معرفة، ما لم يفسد الإنسان قلبه، وجعل مفتاح هذه الخزانة التفكير كما عن الإمام الحسن (ع): فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة[49].
ومن دون التفكير القلب يموت، وإذا مات القلب فصاحبه ميت بين الأحياء.
- ومن عوامل الإقبال العلم والمعرفة والحكمة.
عن رسول الله (ص) في الحديث القدسي: إن الله عز وجول يقول: تذاكر العلم بين عبادي مما تحيا عليه القلوب الميتة، إذا هم انتهوا فيه إلى أمري[50].
إن مذاكرة العلم الذي يؤدي إلى معرفة الله تعالى وتداوله تحيي القول الميتة.
وعن أمير المؤمنين (ع): أحيي قلبك بالموعظة .. ونوّره بالحكمة[51].
- ومن عوامل الإقبال على الله: التوبة والاستغفار.
من المناجاة المروية عن الإمام زين العابدين (ع) المعروفة بمناجاة التائبين: إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي، وأمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي[52].
وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): إن للقلوب صدءاً كصدأ النحاس، فأجلوها بالاستغفار[53].
- ومن عوامل إقبال القلوب على الله تلاوة القرآن واللجوء إلى القرآن، فإن القرآن يحيي القلوب الميتة، ويضيء القلوب المعتمة.
عن رسول الله (ص): إن هذه القلوب تصدأ، كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء. قيل: وما جلاؤها؟ قال: كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن[54].
وفي حديث آخر عن رسول الله (ص): جلاء هذه القلوب ذكر الله وتلاوة القرآن[55].
وعن أمير المؤمنين (ع): إن الله سبحانه لم يعط أحداً بمثل هذا القرآن .. وفيه ربيع القلب وينابيع العلم[56].
وفي كلمة أخرى في نفس المورد عن أمير المؤمنين: إن الله سبحانه لم يعط أحداً بمثل هذا القرآن، وما للقلب جلاء غيره[57].
- من عوامل إقبال القلوب على الله مجالسة العلماء بالله والصالحين.
عن أمير المؤمنين (ع): لقاء أهل المعرفة عمارة القلوب ومستفاد الحكمة[58].
وعنه (ع) أيضاً: عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول[59].
وعنه (ع) أيضاً: معاشرة ذوي الفضائل حياة القلوب[60].
وعن المسيح عيسى بن مريم (ع): يا بني إسرائيل، زاحموا العلماء في مجالستهم .. فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر[61].
- الموعظة والزهد في الدنيا.
فإن الموعظة جلاء للقلوب وتذكير وتوعية لها وبالموعظة تحيی القلوب الميتة وتنتعش القلوب الخاملة الفاترة.
وبالزهد يتحرر الإنسان من أسر الدنيا وفتنتها، وإذا تحرر الإنسان من الدنيا انتعش قلبه ونشط للعبادة والذكر.
عن أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع): أحيي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة وقوّه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام[62].
- ذكر الموت: وهو يقصّر أمل الإنسان في الدنيا، ويذكّره بالله تعالى وبنفسه.
وتذكير النفس بالموت عامل قوي لتجهيز الإنسان وإعداده للرحلة الشاقة الصعبة، التي تلي هذه الدنيا، ويتغافل عنها الإنسان، وهو يتخيل أنه إذا تغافل من الموت ونسي الموت، يتركه الموت وشأنه، ومثل الإنسان في ذلك مثل طير (القبج) يخفي رأسه في الثلج إذا طارده الصياد، ويتصور أنه إذا اختفى عنه الصياد، يختفي هو عن الصياد، فينقض الصياد عليه فجأة ويمسكه .. وكذلك الإنسان.
إن ذكر الموت تنبيه وإنذار دائم للإنسان للإعداد والتحضير للسفر الطويل العسير الذي يفاجئه، وهو لا يعلم متى، وكيف يكون أمره في هذا السفر الشاق.
وهذا التنبيه والانذار من عوامل ترقيق القلوب، وإزالة الحجب عنها وتوجيهها إلى الله والى نفسها.
عن رسول الله (ص): إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، إذا أصابه الماء. قيل: وما جلاؤها؟ قال: كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن[63].
وعنه (ص): أكثروا ذكر الموت فما من عبد أكثر ذكره إلاّ أحيى الله قلبه، وهوّن عليه الموت[64].
عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع): ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة، ويقوي القلب بمواعد الله، ويُرق الطمع، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص، ويحقّر الدنيا[65].
وعن أمير المؤمنين (ع): أوصيكم بذكر الموت، وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتم عما ليس يغفلكم؟ وطمعكم فيمن ليس يمهلكم؟ فكفى واعظاً بموتى عاينتموهم[66].
- البكاء من خشية الله:
إن شهقة بكاء من خشية الله في جوف الليل يذيب جليداً من تراكم الذنوب عند الله في عمر الإنسان، فيزيله كله، وكأنها تفجره مرة واحدة، فيقبل العبد على الله من غير حجاب يحجبه عنه تعالى.
عن رسول الله (ص): عوّدوا قلوبكم الرقة، وأكثروا من التفكر والبكاء من خشية الله[67].
إن البكاء من خشية الله يستنزل رحمة الله على عبده، ويفتح قلب العبد لاستقبالها.
عن أمير المؤمنين (ع): بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء[68].
وعنه (ع) أيضاً: البكاء من خشية الله ينير القلب، ويعصم من معاودة الذنب[69].
فإذا لم يجد الإنسان البكاء في نفسه وعينيه فليتباك فإنه مفتاح البكاء، والبكاء مفتاح الرقة، وبرقة القلوب تنزل رحمة الله تعالى على عباده من غير حساب.
عن الصادق (ع): إن لم يجبك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ.[70]
- الإحسان وإطعام المساكين ورعاية الأيتام وتفقدهم:
فإن هذه الأمور ترقق القلوب بطبيعة الحال، وإذا رقّت القلوب أقبلت على الله.
شكى رجل إلى رسول الله (ص) قساوة قلبه، فقال له رسول الله (ص) – كما في الرواية -: إذا أردت ان يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأساليتيم.[71]
وكل إحسان وتفقد للمستضعفين والفقراء ورعايتهم وقضاء حوائجهم بحكم ذلك.
- اكتساب اليقين من عوامل إقبال القلوب على الله فإن العجز في اليقين يسلب النشاط عن الإنسان في الإقبال على الله، وكلما ازداد الإنسان طمأنينة ويقيناً اشتد إقباله على الله وشوقه إلى الله وأنسه بالله، وعمر قلبه بذكر الله وخشيته.
فإن اليقين نور في القلوب كما في الرواية عن أمير المؤمنين (ع)[72].
وعنه (ع) أيضاً: أحيي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين[73].
وهذه وصفة كاملة في إحياء القلوب وتقويتها وتحديد الشهوات والسيطرة عليها.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
عن أمير المؤمنين (ع): من رأى عدواناً يعمل به، ومنكراً يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد اُجرَ، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الظالمين هي السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين[74].
إن بعض الناس يتصورون أن القلوب تستنير باليقين في خلوات الذكر فقط، وهو صحيح، ولكن ليس حصراً، فإن الله تعالى إذا وجد عبده في وسط زحام المجتمع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحافظ على حدود الله وحلاله وحرامه، ويعرض نفسه لمساءة الناس ومقتهم له، بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإن الناس يزعجهم ان يراقبهم أحد فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فيكرهونه ويمقتونه، ويعوضه الله تعالى عن هذه الكراهية والرفض في وسط المجتمع بنور اليقين في قلبه.
- التقشف في المعيشة يمنح الإنسان التواضع في نفسه والخشوع في قلبه .. وبعكس ذلك الترف في المسكن والملبس والطعام والتظاهر والترائي به يورث النفس الخيلاء والغرور الكاذب والبطر والرئاء والاستعلاء على الفقراء والمستضعفين.
عن أمير المؤمنين (ع) وقد شوهد عليه إزار خَلِق مرفوع، فقيل له في ذلك، فقال: يخشع له القلب وتذل به النفس، ويقتدى به المؤمنون[75].
وعلينا ان نعرف ان وظيفة الإمام في اللباس والسكن والمطعم يختلف عن غيره من عامة الناس .. فقد أنكر الإمام (ع) على عاصم بن زياد الحارثي تقشفه ومشاركته لأهله وبنته.
فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك!
فقال له (ص): ويحك إني لست كأنت. إن الله تعالى فرض على أئمة العدل ان يقدّروا أنفسهم بضعف الناس كيلا يتبيغ (أي لا يثيره فقره ولا يهيجه ضعفه وحرمانه بالفقير فقره[76].
على أن حالة الترف في المأكل والملبس والطعام والتظاهر به حالة مكروهة على كل حال من الإمام ومن الرعية، ويورث القلب حالة الخيلاء والغرور والاستعلاء على المؤمنين.
- الدعاء: فإن الله تعالى يرزق بالدعاء عباده ما يطلبون من رقة القلوب وخشوعها وإقبالها على الله، ويرزقهم حبه والأنس به والشوق إليه، والثقة به والتوكل عليه.
من مناجاة للإمام زين العابدين (ع)، كما في الرواية: وسقمي لا يشفيهإلاّ طبك، وغمي لا يزيله إلاّ قربك، وجرحي لا يبرؤه إلاّ صفحك، ورين قلبي لا يجلوه إلاّ عفوك[77].
- التوكل على الله حالة نفسية، وليست حالة لفظية، وكلمة (التوكيل) تعبير عن تلك الحالة النفسية، وهي إيكال الأمور جميعاً إلى الله .. وهذه الحالة هي حالة الثقة المطلقة بالله وبسلطانه وحكمته ورحمته، فيوكل الإنسان الله في كل أموره، في حياته وفي زواجه، وفي عائلته، وفي تجارته، وفي مستقبله، وفي دراسته، واثقاً بأن الله تعالى لا يجزي إلاّ ما فيه خيره وصلاحه، وواثقاً بأن الله يقبل التوكيل من عبده، فيطمئن الإنسان إلى هذه الوكالة الإلهية التي طلبها العبد من ربه، فيسلّم أمره كله لله تعالى بثقة واطمئنان .. وهذه الثقة والاطمئنان بالله تعالى تستقر في قلب العبد بهذا التوكيل (توكلت على الله).
ويعم هذا التوكيل كل مساحة حياة الإنسان، ويتوكل الإنسان على الله تعالى في كل شؤون حياته، وفي دنياه وآخرته.
وبسبب هذا التوكيل، في هذه المساحة الواسعة من حياته، تستقر الثقة بالله والتسليم لله في قلب العبد، ويتمرس الإنسان في وضع الثقة بالله تعالى في كل شؤون حياته.
وهذه الثقة المطلقة الواسعة بالله تعالى تنعش قلب العبد، وتنوره باليقين.
ولسنا نحتاج إلى توضيح أن التوكل ليس بديلاً عن العمل والجهد والتخطيط والمواصلة، وإنما هو بديل عن الغرور الكاذب الذي يصيب الإنسان إذا أصاب نجاحاً في حياته فيتصور أنه بجهده حقق هذا النجاح، وبديل عن الخوف عن العقبات والمعيقات التي تعترضه في الطريق، وبديل عن المخاوف التي تنتاب الإنسان لما يضمره له المستقبل، فلا يعرف كيف يؤول أمره، تجاه هذه العقبات والمعيقات، وتجاه المخاوف التي تواجهه في المستقبل .. وتجاه المخاوف التي تنتاب الإنسان من الخطأ في المحاسبات. فإن الإنسان إذا أقدم على عمل تجاري – مثلاً – ووضع رأس ماله في ذلك العمل، يجري بصورة دقيقة، فيقدم إذا كان الحساب ايجابياً، ويحجم إذا كانت نتيجة المحاسبة سلبية .. فإذا أخطأ في المحاسبة، ويتفق ذلك كثيراً للإنسان، فسوف يخسر رأس ماله وجهده وعمره من غير أي مردود مالي.
ومعنى التوكل: أن الإنسان يعلم ان هذا النجاح والتوفيق ليس من فكره وجهده، وإنما كان من عند الله فلا يملكه الغرور، ويعرف ان الله تعالى يتولى عنه إزالة العقبات والمعيقات التي لا يراها أولا يقدر على إزالتها بجهده، ولا تدخل في محاسبته، وأن الله تعالى يؤمن له المستقبل المجهول، كما أمن له الحال والماضي، وما عليه إلاّ أن يحاسب حساب المستقبل بقدر ما يفهم، ويوكل أمر ما لا يدخل في المحاسبة مما يضمره المستقبل له إلى الله، ويبذل جهده في التخطيط والمحاسبة والاستفسار، فإذا كانت النتيجة إيجابية يقدم متوكلاً على الله (وإذا عزمت فتوكل على الله)، فيزيل التوكل الغرور من نفس الإنسان، ويبدله بالثقة بالله، ويطمأن إلى تسديد الله تعالى له، ورعايته له، وتوفيقه إياه، وتأييده له، ودفاعه عنه، فيمضي في حمله بهذه الثقة المطلقة في جهد وعمل مدروس مخطط منظم من غير غرور، لا يخاف شيئاً إلاّ الله، ولا يثق بشيء إلاّ الله. <وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً>[78].
والتوكل بهذا المعنى العميق ينشأ قلب الإنسان إنشاء توحيدياً، ويعمق حالة التوحيد والثقة بالله والتسليم لأمره في عمق ضمير الإنسان وقلبه.
سأل رسول الله (ص) جبرئيل عن التوكل على الله، فقال: العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع واستعمال اليأس عن الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكل[79].
وعن علي (ع): حسبك من توكلك أن لا ترى لرزقك مجرياً إلاّ الله سبحانه[80].
وسئل الإمام الصادق (ع) عن التوكل، قال: أن لا تخاف مع الله شيئاً[81].
وعن أبي بصير عن الإمام الصادق (ع)، قال ليس شيء إلاّ وله حدّ، قلت: جعلت فداك، فما حد التوكل؟ قال: اليقين، قلت: فما حدّ اليقين؟ قال: أن لا تخاف مع الله شيئاً[82].
سأل رجل رسول الله (ص) عن دابته يعقلها ويتوكل على الله، أو يرسلها ويتوكل على الله، فقال له (ص): اعقلها وتوكّل[83]. التوكل بهذا المعنى من خير ما يعمق الإنسان التوحيد والثقة بالله في قلبه.
عن الإمام أمير المؤمنين (ع): أصل قوة القلب التوكل على الله[84].
- الحلم وكظم الغيظ، يحرران القلب من سلطان الغضب والانفعالات النفسية الشديدة .. وهذه العملية تؤكد سلطان الإنسان على أهوائه وانفعالاته النفسية.
عن الإمام العسكري (ع): لم يعرف راحة القلب من لم يجرّعه الحلم غصص الغيظ[85].
فإذا تجرع الإنسان غصص الغيظ بالحلم تمكن من انفعالات نفسه .. والسيطرة على النفس في حال الانفعال غاية من الغایات الصعبة. فلربّ جريمة كبيرة يرتكبها الإنسان في ساعة غضب وانفعال .. والأداة المفضلة للتمكن من حالات الانفعال في النفس هو الحلم .. وهو من خير ما يدعم الإنسان به قلبه ويحرره الغضب.
- النظر في العواقب: الإنسان ينشأ عن الارتجال الكثير من الجهالات التي يرتكبها السريع والتفاعل النفسي، وفوران الهوى والشهوات، فيفسد بذلك دنياه وآخرته وقلبه وروحه وجسمه، وليس فقط دينه وقلبه وإنما يفسد أيضاً مستقبله في هذه الدنيا ويفسد جسمه كذلك.
وإذا توقف الإنسان عن هذه الحالات ونظر إلى البعيد وتأمل في عواقب الأمور، ولم تمتلكه لحظة الانفعال والشهوة كان ذلك أصلح لدنياه وآخرته وجسمه وروحه وقلبه.
وهذه وقفة تعقّل وتأمّل لعواقب الأمور، وبعدٌ في النظر، يدعم القلب ويحفظه.
عن الإمام الصادق (ع): النظر في العواقب تلقيح القلوب[86].
- وأخيراً نختم هذه النقاط بهذه الوصفة الشاملة لإصلاح القلوب: الجوع، والقنوع، والعزم، واليقظة.
وهذه أربعة، وأية أربعة في صلاح القلوب وتنشيطها للذكر والعبادة والإقبال على الله تعالى.
عن أمير المؤمنين (ع): تأدم بالجوع، وتأدب بالقنوع، تداوی داء الفترة في قلبك بعزيمة (عزم) ومن كری الغفلة من ناظرك بيقظة[87].
وبعد هذه عشرون نقطة في إصلاح القلوب وتنشيطها للذكر والدعاء، وإقبالها على الله وخلاصها من الفتور والكسل.
وإذا ضممنا هذه العشرين إلى النقاط العشرين التي ذكرناها من قبل في مكافحة حالات الإدبار والكسل في العبادة والذكر والفتور عن الإقبال على الله .. كان منهجاً متكاملاً للإقبال على الله تعالى ومكافحة حالات الكسلوالفتور.
علامات إقبال القلوب
تلك كانت عوامل إقبال القلوب أما الآن فنتحدث عن علامات إقبال القلوب على الله.
وقد وردت في نصوص الأحاديث المروية عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) طائفة من هذه العلامات يستطيع الإنسان ان يعرف بها سلامة قلبه واستقامته وإقباله على الله.
- التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت.
روى الطبرسي في تفسيره عن رسول الله (ص)، قال: لما نزلت هذه الآية: <فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ>[88] سئل رسول الله (ص) عن شرح الصدر ما هو؟ قال: نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له صدره وينفسح.
قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟
قال (ص): نعم، الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت[89].
وعنه (ص) أيضاً لابن مسعود: يا ابن مسعود، فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فإن النور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح.
فقيل: يا رسول الله، فهل لذلك من علامة؟
فقال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الفوت. فمن زهد في الدنيا قصّر أمله فيها، وتركها لأهلها[90].
وهذه ثلاث علامات.
- وان تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك.
عن أمير المؤمنين (ع): لا يسلم لك قلبك حتى تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك[91].
نتائج إقبال القلوب
بین النتائج والعلامات تداخل شديد .. ولكننا ما دمنا في سياق مقال توجيهي ولسنا في سياق تقسيم فني لهذا الموضوع، فلا نتوقف كثيراً عند نقطة التفريق بين العلائم والآثار.
وها نحن نستعرض طائفة من الروايات الإسلامية دون ان نتوقف عندها بالشرح والتعليق.
- الرقة والصفاء والصلابة:
عن رسول الله (ص): إن لله تعالى في الأرض أواني، إلاّ وهي القلوب، فأحبها إلى الله أرقها، وأصفاها وأصلبها. أرقها للأخوان، وأصفاها من الذنوب، وأصلبها في ذات الله[92].
وهذه ثلاثة خصال من نتائج سلامة القلوب وإقبالها على الله: الرقة في التعامل مع الاخوان في مقابل الفظاظة، وصفاء القلوب من الذنوب، ومعنى صفاء القلوب أن هذه القلوب لا تدخلها نية الذنب والعزم عليه.
- سراج يزهر:
عن رسول الله (ص): قلب المؤمن أجرد، فيه سراج يزهر، وقلب الكافر منكوس[93].
وهذا السراج الذي يزهر في قلوب المؤمنين هو النور الذي يودعه الله تعالى في قلوبهم فيرون ما لا يرى الآخرون.
- وعاء المعرفة:
عن أمير المؤمنين (ع) في كلمته المعروفة لكميل (ع): يا كميل: إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها[94].
إن القلوب أوعية المعرفة والخير والحق، فما كان في حياة الإنسان من خير وفضيلة فهو نابع من هذا الوعاء، وخير القلوب أوعاها وأكثرها استيعاباً للمعرفة والقيم والنور والخير والحق.
وعن أمير المؤمنين (ع): اعلموا ان الله سبحانه لم يمدح من القلوب إلاّ أوعاها للحكمة، ومن الناس إلاّ أسرعهم إلى الحق إجابة[95].
وهو أفضل هذه الآثار جميعاً .. فإن القلب إذا سلم من الأمراض كلها، وصفا، وطاب، واستقام، وخلص لله، فلا تجد فيه غير الله <قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ>[96].
وليس معنى ذلك أن صاحب هذا القلب يعتزل المجتمع والسوق، والعائلة، والسياسة، والعلاقات الاجتماعية والعائلية، وإنما يضعها جميعاً في امتداد العلاقة بالله. فإذا تتبعت نياته لم تجد في جذورها وأصولها غير الله، فإذا أحب أحبّ لله، وإذا أبغض أبغض في الله، ولا تعرف له فيما عدا ذلك حباً أو بغضاً، وإذا رضي يرضى لله، وإذا غضب غضب لله، ولا تجد له فيما دون ذلك رضىً أو غضباً، إلاّ أن يكون في امتداد رضى الله تعالى وغضبه.
والآن فلنستمع إلى هذا الحديث الذي يرويه ثقة الإسلام الكليني عن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله: إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
قال: القلب السليم الذي يلقى ربه، وليس فيه أحد سواه، وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط[97].
وعن أبي عبد الله الصادق (ع): القلب حرم الله، فلا تُسكن حرم الله غير الله[98].
وهذه صفة خاصة للقلب، فإن الجوارح تسعى وتتحرك في الحياة باتجاهات وشؤون شتى فيما أباحه الله تعالى وأجازه، أما القلب فهو حرم الله تعالى، ولا ينبغي أن يحلّ فيه حب لغير الله وتعلّق بسواه.
والتعبير عن (القلب) في النص (بالحرم) دقيق ومعبّر، فإن الحرم منطقة آمنة ومغلقة على كل غريب، لا ينال أهلها سوء أو خوف، ولا يدخلها غريب، وكذلك القلب حرم الله الآمن لا يدخله حب آخر غير حب الله ولا يمسّ فيه حب الله سوء أو خوف، ولذلك فإن الصدّيقين والأولياء من عباد الله يخلصون الحب لله، ولا يجمعون بين حب الله وحب آخر، مهما كان، إلاّ ان يكون في امتداد حب الله.
وفي المناجاة التالية نلمس لوعة الحب وصدق الإخلاص في الحب في كلمات زين العابدين (ع): سيدي إليك رغبتي، وإليك رهبتي، وإليك تأميلي، وقد ساقني إليك أملي، وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك انبسطت رغبتي، ولك خالص رجائي وخوفي، وبك انست محبتي، وإليك ألقيت بيدي، وبحبل طاعتك مددت رهبتي، يا مولاي بذكرك عاش قلبي، وبمناجاتك برّدت أمل الخوف عني[99].
فالإمام (ع) في هذه المقطوعة من المناجاة يربط رغبته ورهبته وأمله كلها بالله، ويعكف بهمته كلها عليه تعالى، ويجعل له خالص رجائه وخوفه.
روي عن رسول الله (ص): أحبّوا الله من كل قلوبكم[100].
وفي الدعاء عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع): اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك، وخشية منك، وتصديقاً لك، وإيماناً بك، وفرقاً منك، وشوقاً إليك[101].
وإذا كان حب الله والشوق إليه ملأ قلب العبد فلا يبقى في قلبه محل شاغر لحب آخر غير حب الله، إلاّ أن يكون في امتداد حبه تعالى، وهو في الحقيقة من حب الله والشوق إليه.
وفي الدعاء عن الإمام الصادق (ع) عند حضور شهر رمضان: صل على محمد وآل محمد واشغل قلبي بعظیم شأنك، وارسل محبتك إلي حتى ألقاك وأوداجي تشخب دما[102].
وهو بمعنى إخلاص الحب لله حتى يكون حب الله هو الشغل الشاغل للقلب وهمه الذي لا يفارقه.
- السلامة من حب الدنيا:
القلب السليم هو القلب الذي يعبر الدنيا ويعيشها كما يعيشها سائر الناس، ولكن يسلم منها، ولا يتعلق بها.
عن الإمام الصادق (ع) في تفسير القلب السليم: هو القلب الذي سَلم من حب الدنيا[103].
- النية الصادقة:
صدق النية من آثار سلامة القلب وإقباله على الله. والنية الصادقة هي النية التي يطابقها العمل، وإلاّ تتحول من النية إلى أمنية .. وصاحب القلب السليم هو الذي يطابق عمله نيته .. وهذا التطابق من نتائج سلامة القلب.
عن الإمام الصادق (ص): صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم، لأن سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النية لله في الأمور كلها[104].
- رؤية الملكوت:
عن رسول الله (ص): لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى الملكوت[105].
وليس يرى الإنسان الملكوت بعينه التي في رأسه، ولكن يراها بعينه التي جعلها الله تعالى في قلبه.
وقد روي عن الإمام زين العابدين (ع): إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته.[106]
فإذا سلم للعبد قلبه، واستقام له، وأقبل على الله فتح الله على قلبه بصيرة يرى بها ملكوت السماوات، كما أراه رسوله وخليله إبراهيم (ع).
<وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ>[107].
- السماع إلى الملكوت:
عن رسول الله (ص): لولا تمرّغ قلوبكم، وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع[108].
والذي يحجب قلوبنا عن سماع الملكوت هو حجاب الذنوب والتعلق بالدنيا.
ومن يفتح الله تعالى مسامع قلبه لا يتردد في معرفة الحق والباطل فيما يتحدث به الناس، وعرف أن ذا الكلام حق وصدق، وذا الكلام باطل وكذب .. ولم يتردد في ذلك لحظة واحدة، وإنما يحجب الناس عن معرفة الحق والباطل والصدق والكذب تراكم الذنوب والسيئات والحب والبغض في غير الله على قلوبهم.
عن علي (ع): اسمعوا أيها الناس، وعوا، واحضروا اذان قلوبكم تفقهوا[109].
إن القلب إذا استقام وسلم أقبل على الله وصفا من الحب والبغض في غير الله، وسلم يسمع الحق حقاً ويسمع الباطل باطلاً فلا يتردد في تمييز الحق من الباطل والكذب عن الصدق.
عن الإمام الصادق (ع): إن لك قلباً ومسامع، وإن الله إذا أراد ان يهدي عبداً فتح مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه، فلا يصلح أبداً، وهو قول الله تعالى: أم على قلوب أقفالها[110].
عن الإمام زين العابدين (ع) – فيما يروى عنه من المناجاة -: اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا من الذين أرسلت عليهم ستور عصمة الاولياء، وخصصت قلوبهم بطهارة الصفاء، وزينتها بالفهم والحياء في منزل الأصفياء وسيّرت همومهم في ملكوت سماواتك حجباً حجباً حتى ينتهي إليك واردها[111].
إن أصحاب القلوب الصافية السليمة ينتزعون همومهم واهتماماتهم من الحياة الدنيا وما فيها من المتاع، فيعينهم الله تعالى فيسيّر همومهم واهتماماتهم مما يطلبه الناس من متاع الدنيا وزخرفها إلى ملكوت سماواته ويرفع عنهم الحجب التي تحجب الناس عن الله حجاباً حجاباً حتى ترد همومهم واهتماماتهم إلى الله (حتى ينتهي إليك واردها)، وتلك غاية لا ينالها إلاّ الأنبياء والصديقين من عباد الله، فلا تبقى لهم في هذه الدنيا حاجة ولا رغبة، وتصعد كل رغباتهم إلى الله، وتكون حاجتهم رضوان الله ولقاءه ومناجاته وجواره.
- كمال الانقطاع إلى الله:
في المناجاة الشعبانية، وهي من غرر المناجاة عن أمير المؤمنين (ع):
إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك[112].
وأي انقطاع إلى الله هذا الانقطاع؟ إن الانقطاع إلى الله دائماً بمعنى ان ينقطع الإنسان عن كل شيء وينقطع إلى الله ..
ولكن التعبير هنا (كمال الانقطاع إليك) وكأن للانقطاع مراحل ومستويات والذي يطلبه أمير المؤمنين (ع) من الله في هذه المناجاة هو كمال الانقطاع إلى الله، حتى لا يبقى لغير الله في نفس الإنسان عين ولا أثر من قريب أو بعيد.
- اختراق حجب النور:
ثم يطلب أمير المؤمنين (ع) من الله تعالى في المناجاة المتقدمة ان ينير بصر قلبه بضياء من عنده یمكنه من النظر إليه تعالى، حتى يخرق بصره الذي في قلبه حجب النور حجاباً حجاباً حتى يصل إلى الله تعالى معدن العظمة والجلال والجبروت.
والحجاب حجابان حجاب ظلمة وحجاب نور، والإمام (ع) يتجاوز في هذا الدعاء حجب الظلمة من الذنوب والسيئات والتعلق بالدنيا والأنا والأنانية يتجاوز هذه الحجب إلى حجب النور والمعرفة، كما لو أراد أحد أن ينظر إلى الشمس في وضح النهار فليس يمنعه من النظر إلى الشمس حجاب ظلمة، وليس في النور ظلام، وإنما الذي يحجبه عن نور الشمس هو شدة وهج الشمس ونوره .. وهذا هو حجاب النور الذي يحجب عمش العيون من النظر إلى الشمس.
والإمام (ع) هنا يتجاوز حجاب الظلم، ويطلب منه تعالى ان يهبه في بصره الذي في قلبه نوراً يخترق به حجب النور فيصل إلى ذي الجلال والجمال والجبروت ومعدن العظمة.
- أصحاب القلوب الطاهرة يظلهم الله في ظل عرشه:
في الحديث القدسي: سأل موسى بن عمران (ع) ربه تعالى فقال: يا رب، من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لا ظل إلاّ ظلك؟ فأوحى الله إليه، الطاهرة قلوبهم[113].
- شرح الصدر:
يقول تعالى: <فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ>[114].
من نتائج إقبال القلوب على الله شرح الصدر، وإذا شرح الله تعالى صدر عبد من عباده، اتسع صدره لما ينزل إليه من النور والمعرفة من جانب الله تعالى فيتسع صدره للمعارف الإلهية لما لا يطيقه الآخرون.
وهذا هو الشرح الأول.
والشرح الثاني يشرح صدوره لنزول البلاء، فيطيق من الابتلاء النازل من عند الله ما لا يطيقه الآخرون.
- هيام القلوب:
في مناجاة الإمام زين العابدين (ع): فاجعلنا ممن هيمت قلبه لإرادتك، واجتبيته لمشاهدتك[115].
الهيام من أشد درجات الحب، فقد المحب فيه استقراره ويكون كالظمآن الذي لا يقر له قرار إلاّ ان يرتوي من الماء .. ولذلك جاء في معاني الهيام الظمأ الشديد .. والإمام هنا يدعو الله تعالى ان يجعله ممن هيّم قلبه وسلب استقراره وقراره في حبه، فلا يكون له قرار إلاّ بلقائه ولا يشبع من ذكره ومناجاته، ولا يطيق ان يفارق ذكر الله والوقوف بين يديه في الخلوات.
وإن من عباد الله من يترقب الليل ليخلو إلى ربه – سبحانه وتعالى – بالمناجاة والدعاء، ويبثه همومه وشكواه في فراقه ويناجيه، ويذكره ذكر الحبيب لحبيبه .. أولئك هم الذين هيّم الله تعالى قلوبهم بحبه، لا يريدون من الله غير الله، ولا يطيقون مفارقة ذكر الله، ولا يستقر لهم قرار حتى يأذن الله لهم بلقائه.
وأود ان اقدم هذه اللوحة الفريدة في مناجاة المحبين التي وصلت إلينا فيما وصلت من تراث الإمام زين العابدين (ع)
إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً؟ ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولا؟
إلهي فاجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك، وأخلصته لودّك ومحبتك، وشوّقته إلى لقائك، ورضّيته بقضائك، ومنحته النظر إلى وجهك، وحبوته برضاك، وأعذته من هجرك وقلاك، وبوأته مقعد الصدق في جوارك، وخصصته بمعرفتك، وأهلته لعبادتك، وهيّمت قلبه لإرادتك، واجتبيته لمشاهدتك، وأخليت وجهه لك، وفرّغت فؤاده لحبك، ورغّبته فيما عندك، وألهمته ذكرك، وأوزعته شكرك، وشغلته بطاعتك….).
ويصعب عليّ ان أقطع هذا المسلسل الذهبي من كلمات الإمام علي بن الحسين في الحب لله والوله بالله والهيام.
- قلوب المؤمنين حدائق الشوق إلى الله:
إن قلوب عباد الله الصالحين وصدورهم (القلوب هي الصدور) حدائق تنبت منها أشجار الشوق إلى الله تعالى والأنس بالله.
يقول الإمام زين العابدين (ع): إلهي فاجعلنا من الذين ترسخت (توشحت) أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون، وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون، ومن حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون، وشرائع المصافاة يردون، قد كُشف الغطاء عن أبصارهم، وانجلت ظلمة الريب عن عقائدهم وضمائرهم، وانتفت مخالجة الشك عن قلوبهم وسرائرهم، وانشرحت بتحقيق المعرفة صدورهم، وعذُب في معين المعاملة شربهم، وطاب في مجلس الأنس سرّهم، وأمن في موطن المخافة سربهم، واطمأنّت بالرجوع إلى ربّ الأرباب أنفسهم، وتيقّنت بالفوز والفلاح أرواحهم، وقرّت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم، واستقرّ بإدراك السؤل ونيل المأمول قرارهم، وربحت في بيع الدنيا بالآخرة تجارتهم.
إلهي ما ألذّ خواطر الإلهام بك على القلوب، وما أحلى المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب، وما أطيب طعم حبك، وما أعذب شرب قربك، فأعذنا من طردك وإبعادك، واجعلنا من أخصّ عارفيك، وأصلح عبّادك وأصدق طائعيك وأخلص عُبّادك[116].
ولست أريد هنا الوقوف للتأمل عند هذه المناجاة التي هي رائعة من روائع أهل البيت في الدعاء والمناجاة، ولكن أودّ ان أقف قليلاً عند هذه الجملة التي يبدأ بها الإمام علي بن الحسين (ع) مناجاته: إلهي واجعلنا من الذين ترسّخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم، فإن صدور أولياء الله – كما يظهر من كلام الإمام – حدائق ذات بهجة، وذات ثمار طيبة، وإن صدور الناس علی أنحاء: فمن الصدور مكاتب ومدارس للعلم، والعلم خير ونور، ولكن على ان يبقى الصدر حديقة للشوق إلى الله، ومن الصدور متاجر وبنوك وبورصات للمال تزدحم بالأرقام وجداول الإحصاء وحسابات الربح والخسارة. والمال والتجارة خير بشرط ان لا يكون الشغل الشاغل لقلب الإنسان وصدره، ولا يكون همّه الذي لا يفارقه ومن الصدور أراض سبخة نبت فيها الشوك والحنظل والسموم والأحقاد والصراع على المال والسلطان والكيد والمكر بالآخرين ومن الصدور ملاهٍ وملاعب، والدنيا لهوٌ ولعبٌ لطائفة واسعة من الناس.
ومن الناس من ينشطر صدره إلى شطرين: شطر للسموم والأحقاد والمكر والكيد، والشطر الآخر للهو وللعب فإذا أقلقه الشطر الأول وسلب راحته واستقراره لجأ إلى الشطر الثاني، واستعان باللهو لكي ينقذ نفسه من عذاب الشطر الأول.
وأما صدور أولياء الله، فهي حدائق الشوق – كما يقول زين العابدين – ذات بهجة وثمار طيبة. وقد ترسّخت فيها أشجار الشوق وامتدت فيها جذورها فليس الشوق إلى الله أمراً طارئاً يزول إذا ألحّ عليه الهوى أو أقبلت وتزينت له الدنيا، ولا يخفّ هذا الشوق، ولا تذبل أوراقه إذا ضاقت بصاحبه الدنيا، وتراكمت عليه الابتلاءات، فإن أشجار الشوق إذا كانت راسخة في هذه الصدور تبقى مورقة وخضراء ومثمرة رغم كل العقبات والمتاعب.
وحالة الشوق حالة خفة الروح، وهي حالة معاكسة للتثاقل والركون إلى الدنيا التي تتحدث عنها الآية الكريمة <مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ>[117].
إن النفس تثقل وتترهل كلما تعلق الإنسان بالدنيا ورضيها، وركن إليها فإذا تحرر من الدنيا ونزع نفسه (ليس معنى التحرر من الدنيا تركها، فقد كان رسول الله (ص) متحررا من الدنيا وهو يعمل لتمكين الدعوة من الدنيا وإخضاع الدنيا لها) منها خف فجذبه حب الله تعالى والشوق إليه.
ولنقف عند هذا الحد من استعراض صور الحب والشوق والأنس من نصوص أدعية أهل البيت وننصرف إلى غير ذلك من مباحث الحب الإلهي[118].
- القلوب المطمئنة:
يقول تعالى: <أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ>[119].
وهي تحصل بالإنابة والرجوع إلى الله، وذكر الله، فإذا أناب العبد إلى الله ورجع إليه، ولم يعرض عنه، وذكَرَه، ولم يغفل عنه تعالى رزقه الله الاطمئنان في قلبه جزاء للإنابة والذكر.
وأتلو عليكم الآية من سورة الرعد قبلها وبعدها ليستقيم لنا فهم آية الرعد: <وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ 27 الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ>[120].
لقد طلب الكفار من رسول الله (ص) ان ينزل الله عليه آية ليؤمنوا بها فيقول الله لهم إن الهداية والضلالة من الله، وليس بالآيات النازلة .. وان الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ثم يبين لهم أن مشيئة الله تعالى في هداية الناس وإضلالهم ليس اعتباطياً، وإنما هي سنة من سنن الله الثابتة التي لا تتبدل ولا تتحول فمن أناب إلى الله هداه الله ومن لم ينب ولم يعد إلى الله أضلّه الله .. والذين أنابوا إلى الله وذكروا الله ولم يعرضوا عن الله ولم يغفلوا عنه تطمئن قلوبهم وتهبهم الطمأنينة في القلوب.
وهذه الطمأنينة التي يهبها الله تعالى للقلوب هي حالة السكينة والاستقرار النفسي، وهي حالة يتلقاها الإنسان إذا استقر ذكر الله في قلبه .. عند ذلك يطمئن إلى الله تعالى، لأنه يعلم أن كل شيء في هذا الكون في قبضة سلطان الله تعالى، ولا يخرج عن سلطانه شيء، وكل سبب آخر في الكون، كما يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ج 11 ص 392 غالب على شيء ومغلوب لشيء، إلاّ الله تعالى فهو الغالب القاهر فوق كل شيء، يقهر كل شيء، ولا يقهره شيء، ويغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، فيطمئن إليه تعالى نفس الإنسان، ويزول عنه القلق والخوف، ويتوكل على الله، ويرضى بقضائه، ويفوض أمره كله إليه تعالى ويزول عنه القلق وتستقر الطمأنينة في نفسه.
يقول تعالى: <هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ>[121]. وهذه السكينة طمأنينة القلوب. وقد جاء في زيارة أمين الله، وهي من المتون الإسلامية الغنية بمعارف التوحيد: (اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسماءك..) إلى آخر الزيارة.
ونقرأ في سورة الأنفال: <إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ>[122].
ولعل أحداً يسأل ان الوجل والخوف حالة مغايرة لحالة الطمأنينة وسكينة النفس والقرآن يصف كلا منهما من نتائج استقرار الذكر في قلب الإنسان.
يقول صاحب مجمع البيان في الإجابة على هذا السؤال:
وقد وصف الله المؤمن هنا بانه يطمئن قلبه إلى ذكر الله، ووصفه في موضع آخر بأنه إذا ذكر الله وجل قلبه، لأن المراد بالأول أنه يذكر ثوابه وإنعامه وآلاءه التي لا تحصى وأياديه التي لا تجازى فيسكن إليه، وبالثاني أنه يذكر عقابه وانتقامه فيخافه ويوجل قلبه .. وهذا حث للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد الله به من النعيم والثواب والطمأنينة إليه، فإن وعده سبحانه وتعالى صادق، ولا شيء تطمئن النفس إليه أبلغ من الوعد الصادق[123].
وإذا رزق الله عبده الطمأنينة في قلبه استقر قلبه وسكن إلى مشيئة الله.
يقول تعالى: <مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 22 لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ>[124].
فلو عرف الإنسان ان كل ما يقع في هذا الكون من خير وسوء يقع بإذن الله، فلا يحزنه لما أصابه من سوء، لأنه يعلم ان ذلك جرى بإذن الله وعلمه، وهو أرحم الراحمين، لا يريد به شراً.
فلا يسوؤه ذلك، ولا يحزنه، إذا علم ان الله رحمن رحيم، رؤوف شفيق بعباده وإذا أصابه خير من عمل الله، فلا يتباهى ولا يصيبه الخيلاء والفرح ولا يغتر به، لأنه يعلم أن لا شأن له بذلك، وإنما هو من عند الله، <اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ>[125].
- تساقط حجب الشك عن القلوب:
في مناجاة المطيعين عن الإمام زين العابدين (ع): واكشف عن قلوبنا أغشية المرية والحجاب.
والمرية هي الجدل، والحجاب قد يكون حجاب الشك والارتياب، وقد يكون حجاب الذنوب والمعاصي، وكل منهما حجاب.
وورد أيضاً فيما روي عن الإمام علي بن الحسين (ع) من المناجاة في مناجاة العارفين: قد كشف الغطاء عن أبصارهم، وانجلت ظلمة الريب عن عقائدهم ضمائرهم، وانتفت مخالجة الشك عن قلوبهم وسرائرهم.
وإذا تساقطت حجب الشك عن القلوب وقبلت القلوب على عبادة الله وذكره وطاعته، ولم يشغلها عن ذكر الله وعبادته شيء .. وهذه هي خاصية اليقين في القلوب.
عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت الإمام الصادق (ع) يقول: إن رسول الله (ص) صلى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفراً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه.
فقال له رسول الله (ص): كيف أصبحت يا فلان؟ (في رواية أخرى أنه حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري)
قال: أصبحت يا رسول الله موقناً. فعجب رسول الله (ص) من قوله، وقال: إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟
فقال: ان يقيني يا رسول الله، هو الذي أحزنني وأسهر ليالي، وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها ..
فقال رسول الله (ص): هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان. ثم قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله أن اُرزق الشهادة معك، فدعا رسول الله (ص)، فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي (ص) فاستشهد بعد تسعة نفر، وكان هو العاشر[126].
- قلوبهم حزينة
من خصائص المتقين غلبة الحزن على قلوبهم، وقد وصفهم أمير المؤمنين (ع) في الخطبة المعروفة بصفات المتقين برواية الشريف الرضي في نهج البلاغة:
قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة .. أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم[127].
وإنما يحزنون لما يرون أنهم قد صرفوا أعمارهم في غير ذكر الله وطاعته، فيغلبهم الحزن والأسى. ترى على وجوههم البشر وهم يختزنون الحزن في قلوبهم. كما روي عن أمير المؤمنين (ع): المؤمن بُشره في وجهه، وحزنه في قلبه.
ويتحول هذا الحزن في قلوبهم إلى نور وبصر. في وصية الإمام الباقر (ع) إلى جابر الجعفي رحمه الله: تخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض، واطلب راحة البدن بإجمام القلب، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات، واستجلب نور القلب بدوام الحزن، وتحرز من إبليس بالخوف الصادق.
وهي ست نقاط تستحق ان نتوقف عند كل واحدة منها طويلاً، لولا أننا قد أسهبنا في هذا التعليق.
مَالي كُلّما قُلتُ قَد صَلُحت سَريرتي([128])، وَقَرُب مِنْ مَجالس التّوابين مَجلسي عَرضت لي بَليّة أزالتْ قَدمي وَحالت بَيني وَبين خِدمتك؟
عرض لي عارض من الابتلاء دفعني عن مواقف طاعتك ومنعني عن ذكرك، وأزال قدمي عن مواقع ذكرك وشكرك ودعائك واستغفارك، وحال بيني وبين ذكرك وخدمتك.
والشواغل التي تحجب الإنسان عن الله، وتحول بينه وبين ذكر الله وطاعته وعبادته والإقبال عليه وخدمته كثيرة، ولكن أعظمها وأهمها الدنيا:
- [1] بحار الأنوار: ج78، ص353
- [2] نهج البلاغة: الحكمة: 312
- [3] أعلام الدين: ص304، ميزان الحكمة: ج8، ص3452
- [4] المطففين: 14-15
- [5] المطففين: 15
- [6] تحف العقول: 397
- [7] كنز العمال: 10288، ميزان الحكمة: ج8، ص3458
- [8] علل الشرائع: ج1، ص81
- [9] غرر الحكم للآمدي: 6020
- [10] أصول الكافي: ج3، ص300
- [11] أصول الكافي: ج3، ص368
- [12] مناجاة التائبين المروي عن الإمام السجاد (ع)
- [13] غافر: 35
- [14] كنز العمال: 10213
- [15] الجاثية: 23
- [16] بحار الأنوار: ج45، ص:8
- [17] عدة الداعي: 141
- [18] غرر الحكم: 5696، في القاموس المحيط للفيروز آبادي، الغلول: الخيانة
- [19] نهج البلاغة: الخطبة 109
- [20] غرر الحكم: 6017
- [21] غرر الحكم: 8584
- [22] غافر: 35
- [23] يونس: 74
- [24] الأعراف: 110
- [25] الروم: 59
- [26] الحج: 46
- [27] أصول الكافي: ج2، ص300
- [28] أعلام الدين: ص 340
- [29] نهج البلاغة: الخطبة 151
- [30] الترغيب والترهيب، ج3، ص231
- [31] مستدرك الوسائل، ج12، ص93
- [32] بحار الأنوار: ج72، ص54
- [33] كنز العمال: 21133
- [34] الخصال للصدوق: 228
- [35] معاني الأخبار: 335
- [36] أمالي الطوسي، ج83، ص122
- [37] أمالي الطوسي، ج3، ص1
- [38] الخصال للصدوق: 126
- [39] أصول الكافي: 2، باب القسوة، ح1
- [40] مستدرك الوسائل: ج2، ص106
- [41] نهج البلاغة: الخطبة 198
- [42] تحف العقول: 393
- [43] نهج البلاغة: الكتاب 31
- [44] تحف العقول: 285
- [45] نهج البلاغة: الخطبة 222
- [46] غرر الحكم للآمدي: 3083
- [47] الدرة الباهرة: 22
- [48] أعلام الدين: 297
- [49] بحار الانوار، ج75، ص 115
- [50] أصول الكافي: ج1، ص41
- [51] نهج البلاغة: الكتاب 31
- [52] مناجاة التائبين
- [53] عدة الداعي: 249
- [54] كنز العمال: 42130
- [55] تنبيه الخواطر: ج2، ص122
- [56] نهج البلاغة: الخطبة 179
- [57] نهج البلاغة، الكتاب 31
- [58] غرر الحكم: 7635
- [59] غرر الحكم: 6313
- [60] غرر الحكم: 6313
- [61] تحف العقول: 393
- [62] نهج البلاغة: الكتاب 31
- [63] كنز العمال: 42130
- [64] الخصال للصدوق: ص 616
- [65] بحار الأنوار، ج 6، ص 133
- [66] نهج البلاغة: الخطبة 188
- [67] أعلام الدين: 365
- [68] مكارم الأخلاق، ج2، ص96
- [69] غرر الحكم للآمدي: 2016
- [70] عدة الداعي: 161
- [71] مشكاة الأنوار: 167
- [72] غرر الحكم: 68
- [73] نهج البلاغة: الكتاب 31
- [74] نهج البلاغة: الحكمة 373
- [75] نهج البلاغة: الحكمة 103
- [76] نهج البلاغة: الخطبة 209
- [77] مفاتیح الجنان: ص220
- [78] الطلاق: 3
- [79] معاني الأخبار: 261
- [80] غرر الحكم: 4895
- [81] بحار الأنوار، ج71، ص 156
- [82] أصول الكافي، ج 2، ص 57
- [83] سنن الترمذي: 2517
- [84] غرر الحكم: 3082
- [85] الدرة الباهرة: ص11
- [86] أمالي الصدوق: 301
- [87] غرر الحكم للآمدي: 4561
- [88] الأنعام: 125
- [89] مجمع البيان: ج 4، ص561
- [90] مكارم الأخلاق: ج 2، ص 340
- [91] بحار الأنوار: ج 87، ص 8
- [92] كنز العمال: 1225
- [93] بحار الأنوار: ج 70، ص 59
- [94] نهج البلاغة: الحكمة 147
- [95] غرر الحكم: 11005
- [96] الأنعام: 162
- [97] الكافي، ج2، ص16
- [98] بحار الانوار: ج67، ص25
- [99] دعاء أبي حمزة الثمالي
- [100] اصول الكافي: ج 2، ص 16
- [101] بحار الأنوار: ج 70، ص 25
- [102] الدعاء عند أهل البيت (ع)، للمؤلف ص 255 – 256
- [103] نور الثقلين: ج 4، ص 58
- [104] المصدر السابق
- [105] بحار الأنوار: ج 70، ص 59
- [106] الخصال: 240
- [107] الأنعام: 75
- [108] الترغيب والترهيب: ج 3، ص 497
- [109] نهج البلاغة: الخطبة 187
- [110] المحاسن للبرقي، ج 1، ص 318
- [111] بحار الانوار: ج 94، ص 128
- [112] المناجاة الشعبانية
- [113] المحاسن للبرقي: ج 1، ص 457
- [114] الأنعام: 125
- [115] مناجاة المحبين للإمام زين العابدين (ع)
- [116] مفاتيح الجنان: مناجاة العارفين
- [117] التوبة: 38
- [118] الدعاء عند أهل البيت (ع)، للمؤلف ص 253 – 254
- [119] الرعد: 28
- [120] الرعد: 27-28
- [121] الفتح: 4
- [122] الأنفال: 2
- [123] مجمع البيان: ج 6، ص 39
- [124] الحديد: 22-23
- [125] لقمان: 18
- [126] الكافي: كتاب الإيمان والكفر، باب حقيقة الإيمان
- [127] نهج البلاغة: الخطبة 193، في صفات المتقين
- [128] السريرة: النية. وطيب السريرة طيب القلب. وصلحت سريرتي أي صلحت نيتي وقلبي.