مواضيع

المفردات الاقتصادية في المشروع الإسلامي

العامل الاقتصادي من مكونات القوة في العالم

لا يمكن تجريد القوة من الاقتصاد. فلكي نواجه التحديات المعاصرة الكبرى لابد أن نكتسب القوّة التي تمكننا من الدخول في هذه المواجهة، والتغلب عليها… والعامل الاقتصادي من مكوّنات القوة، فإن الحياة المعاصرة، شبكة مترابطة، يدخل فيها الاقتصاد في السياسة، والسياسة في الاقتصاد، وكلاهما في تكوين القوة العسكرية…

وما لم نحقّق نحن، في العالم الإسلامي، حالة الاكتفاء الذاتي في حياتنا الاقتصادية، لن نستطيع أن نقيم علاقات سياسية متكافئة مع العالم عموماً، ومع دول الاستكبار العالمي خصوصاً، ونبقى في حالة التبعية السياسية النابعة من التبعية الاقتصادية.

وإذا كان موقعنا السياسي في معادلات القوة على وجه الأرض هو التبعية السياسية للدول الصناعية الكبرى ودول الاستكبار العالمي، فلن نقوى أبداً على مواجهة التحدّيات، وسوف ننحدر من موقع التحدّي إلى التطبيع، كما حصل ذلك في موقع أكثر الأنظمة العربية تجاه المشروع الصهيوني في فلسطين.

وليس معنى ذلك أن العامل الاقتصادي هو الأصل والأساس كما تذهب إلى ذلك الماركسية، فنحن نختلف عن الماركسية في فهم سنن الله تعالى في التاريخ والمجتمع وتفسيرها، ونعتقد أن للعمل الثقافي الدور الأول والقاعدي في بناء المجتمع… ولكن يبقى للعامل الاقتصادي الدور المؤثر في البنية الاجتماعية والقوة السياسية لكل المجتمع.

ومن دون تحقيق الاكتفاء الذاتي لن نخرج عن دائرة التبعية السياسية… وهذه حقائق لا يمكن التشكيك فيها.

وليس معنى الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد أن نخرج عن المنظومة الاقتصادية العالمية، والقائمة على الأخذ والعطاء، والتصدير والاستيراد، والعلاقات الاقتصادية المتبادلة، وندخل في دائرة اقتصادية مقفلة. فهذا ما لا يمكن، ولا يكون في عالم العلاقات الاقتصادية المنفتحة والمتشابكة اليوم.

ولكن معنى الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد أن نخرج عن دائرة العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة في الاستيراد والتصدير، والأخذ والعطاء، إلى دائرة العلاقات الاقتصادية المتكافئة في الاستيراد والتصدير، والأخذ والعطاء.

وليس على أسواقنا وتجارتنا ومصادرنا الطبيعية بعد ذلك من بأس أن تفتح، مع بلاد العالم جميعاً، علاقات اقتصادية متكافئة.

ولا نستطيع أن نحقق حالة الاكتفاء الذاتي في أوضاعنا الاقتصادية من دون أن نكتسب الكفاءات العلمية.

فإن الصناعات الخفيفة والثقيلة والزراعة والتجارة مجموعة اختصاصات علمية، ومن دون أن نكتسب هذه الاختصاصات لا نستطيع أن نُنشِّط حركة التصنيع والزراعة والتجارة في بلادنا.

هذه نقاط يتبع بعضها بعضاً، ولا يمكن التفكيك بينهما… القوة لا تتحقق من دون العامل الاقتصادي، ولا يمكن تنشيط وتفعيل العامل الاقتصادي من دون أن نحقق الاكتفاء الذاتي في أوضاعنا الاقتصادية. وبغير ذلك لا نستطيع أن نقيم مع العالم من حولنا علاقات اقتصادية متكافئة.

ولا يتيسر لنا تحقيق ذلك من دون كسب الكفاءات العلمية التي تحرك العجلة الاقتصادية في الصناعة والزراعة والتجارة.

ونحن في الوقت الذي نصر ونؤكد على خطورة استيراد الثقافة، نؤكد على ضرورة كسب التخصّصات العلمية التي يتقدمنا فيها الغربيون، ونقول إننا من دون هذه الكفاءات لا نستطيع أن نحقق تطوراً كبيراً في حياتنا الاقتصادية… والعلم سلاح، ولابد أن نتسلّح نحن بهذا السلاح من أي مصدر ممكن ومعقول.

تدوين المشروع الإسلامي

وبعد؛ هذه طائفة من مفردات المشروع الإسلامي لمواجهة التحديات الكبرى المعاصرة، فإن التحديات الثلاثة الكبرى التي نواجهها وغيرها من التحديات ليست أعمالاً فردية، وإنما هي أجزاء من مشروع سياسي واسع وكبير لإحباط النهضة الإسلامية المعاصرة.

ولمواجهة هذا المشروع السياسي، الثقافي، الاقتصادي، لابد من مشروع إسلامي مكافئ لهذا المشروع.

وقد استعرضنا نحن في هذا المقال طائفة من مفردات المشروع الإسلامي… وأما المشروع نفسه فيحتاج إلى وقفة أطول، ودراسة موسّعة من قبل مجموعة من أصحاب الاختصاصات المختلفة من المعنيين بالشؤون الإسلامية المعاصرة.

العلاقة بين الشرق والغرب

وفي نهاية هذا المقال لابد من أشير مرة أخرى إلى أننا في معترك حضاري وسياسي وثقافي واقتصادي و…

ونواجه في وسط هذا المعترك أشرس أنواع المواجهة والمقارعة… وإِن خصومنا في هذا الصراع السياسي والثقافي تَخَلَّوا حتى عن الذوق السياسي والثقافي الذي يعم الناس جميعاً، ولم يعد بإمكانهم أن يخفوا كراهيتهم للإسلام؛ رغم حاجتهم الشديدة إلى المسلمين في كل شؤونهم الاقتصادية…

فلا تكاد فرنسا، بحجمها الحضاري والسياسي الكبير في الغرب، تطيق فتيات مسلمات مراهقات معدودات يدخلن المدارس الفرنسية بحجابهن الإسلامي، وتضيق ذرعاً بهنّ، ويقرر البرلمان الفرنسي منع الحجاب الإسلامي في المدارس والدوائر الحكومية.

والمعروف عن فرنسا أنها حاملة لواء الحرية في العالم !!!.

إن المسألة بيننا وبين الأنظمة الغربية أعمق من ذلك… ولا نزال نذكر إنذار الرئيس الأمريكي للغربيين عشية 11 سبتمبر بعودة الحروب الصليبية بين الغرب والشرق من جديد.

إنَّ من الخطأ أن نساير الرئاسة الأمريكية في هذا الإعلان والإنذار العالمي، ونقف موقف العداء من الغربيين… فإنَّ بيننا وبين الغرب علاقات نحرص على المحافظة عليها، وتطويرها، وتنميتها، وتلطيفها، رغم كل مظاهر العداء التي نواجهها نحن من قبل الغربيين.

ولكن من الخطأ أيضاً أن نجهل نحن حقيقة الدور الاستكباري للغربيين، وبشكل خاص أمريكا تجاه العالم الإسلامي، ونَمُرُّ على الدعم الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً لإسرائيل من دون أن نتساءل عن أسباب ذلك، ومن دون أن نرتاب في حقيقة هذا الدعم.

ومن الخطأ أن نتعامل مع الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل وسكوتها عن قدرتها النووية؛ بل إسنادها لها، والموقف المتشدد الأمريكي من التطور التقني النووي في العالم الإسلامي، كما نشاهد نظير ذلك في الموقف الأمريكي المتأزم من إيران… من الخطأ أن نتعامل مع هذه المفارقات الكبيرة في الموقف الأمريكي منا ومن أعدائنا بسذاجة وسطحية.

من الخطأ أن نقف موقف العداء السافر من الغرب، كما يفعل قادة الغرب في أمريكا، وفرنسا، وإنجلترا وغيرها تجاه العالم الإسلامي.

ولكن من الخطأ أيضاً أن نمرّ بهذه المفارقات في السلوك السياسي للأنظمة الغربية عموماً ولأمريكا خصوصاً تجاه العالم الإسلامي بسذاجة ومن دون توقف.

إن المسلم يتغافل، ولكن لا يغفل.

والتغافل في العلاقات السياسية فضيلة وقيمة، ولكن الغفلة والسذاجة ضدّ القيمة.

إننا لا نستطيع أن نواجه المشروع الاستكباري الغربي الأمريكي لإحباط النهضة الإسلامية المعاصرة، من دون وجود مشروع إسلامي مكافئ ومقابل له، وتحقيق هذا المشروع يتطلب تضافر الجهود والعقول والقلوب والأيدي.

وإذا تضافرت العقول والقلوب والأيدي في العالم الإسلامي لتحقيق هذا المشروع، فلابد أن تكون يد الله تعالى معنا؛ لأن يد الله – عزوجل – على الجماعة الإسلامية، ومعها دائماً.

وإذا كانت يد الله تعالى معنا وعلينا، فلا يتخطانا النصر، مهما بالغ أعداؤنا في إحباط أعمالنا ومشاريعنا إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى