الجهاد بين الرحمة والعنف
رغم أنّ تاريخ الفكر الإنساني، وبالذات تلك الحقبة المتزامنة مع الفكر الإسلامي، شهد كماً كبيراً من الإشكاليات والقضايا حول محور جدليّة العنف والتسامح وما ينجم عن إحلال التوازن أو الإخلال به بينهما، غير أنّ العالم اليوم، وإثر الأحداث الناجمة عن عدّة تفجيرات ضخمة في الولايات المتّحدة الأمريكية، قد أقبل على عهد جديد، ولعب الوضع الجديد دوراً كبيراً في إرساء قواعد حديثة في العلاقات الدوليّة من جهة، والمحاولة غير الصائبة في إيجاد مناخ فكري يجد الإنسان المعاصر فيه ما يوحي أو يصرّح بأنَّ الفكر الإسلامي وعقيدته يحتضن كثيراً من مواقع العنف ومقوّمات التهديد ضدّ الآخر غير المسلم. ومن بين العناصر التي تحوّلت لدى الإعلام الغربي والأمريكي بالخصوص إلى أسباب تفجير العنف والإرهاب بيد التيارات والأحزاب الإسلامية ضدّ الولايات المتحدة أو الغرب عموماً، هو الجهاد الإسلامي، حيث إنّه يشكّل العنصر الأكبر في تحريض الأمّة لتنطلق نحو إزالة الآخر المعارض حسب ما هم يحاولون تكريسه في عقليّة الرأي العام العالمي اليوم.
امتداداً للحركة الفكرية الفقهية الإسلامية الهادفة إلى استنباط الحكم الشرعي من مصادره، ومحاولة منّا لأجل تحييد العقيدة الإسلامية وتبرئتها من الاعتماد الأساسي على العنف والإرهاب رغم الحفاظ على كلّ عناصر القوّة وإمكانيات الدفاع عن الذات الإسلامية مقابل التحدّيات والتهديدات، رغبنا لهذا الحوار أن يكون منطلقاً لدراسة هذه المقولات على ضوء أصول الشريعة الإسلامية.
بصفتكم خبيراً سامياً واختصاصياً في مجال الفقه والشريعة وخاصة بالنظر إلى تصدّيكم لتقديم دراسات عالية حول فكرة الجهاد وفروعه الفقهيّة، يُسعدنا أن نستضيفكم في مكتب المجلّة أوّلاً، ومن ثمَّ نطرح سؤالاً أوّليا وجوهرياً في هذا المضمار، هو: بمنأى عن بعض مصاديق الجهاد في الصدر الأول من الإسلام، هل يمثّل الجهاد في القرآن الكريم ذلك الوجه العنيف، ويتحقّق عبر المناهج العسكرية والكفاح أو الغزو المسلّح؟ وبالأحرى نريد أن نكون على علم بدقائق المدلول القرآني للفظة الجهاد ومصطلحه المؤسَّس عبر الوحي[1].
شكراً لكم على إتاحة هذه الفرصة لي، لأتحدّث إلى قُرّاء مجلة (الحياة الطيبة) عن الجهاد.
[1] هذه الحوارية أجرتها مجلة (الحياة الطيبة) مع سماحة الشيخ الآصفي (رحمه الله)، وقد نُشرت في العدد العاشر – السنة الثالثة – صيف 2002 تحت عنوان (الجهاد المشروع وضوابطه الأخلاقية والقانونية). وقد قمنا بإعادة نشر هذه الحوارية هنا كحلقة في سلسلة المقاومة في فكر الشيخ الآصفي (رحمه الله)، بعد تدقيقها وتصحيحها وتخريج المصادر فيها وحذف المكرر منها. وهنا نُلفت إلى أن بحث الجهاد الذي يطرحه الشيخ هنا هو الجهاد بالمعنى الأعم، ويجيب فيه على إشكالية العنف والإرهاب في الجهاد، وقد راجت هذه الإشكالية بشكل واسع جدا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا؛ حيث اتّخذت أمريكا وبتبعها الدول الأوروبية هذه الحادثة مبررا لاتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب وشنّ حملات عسكرية وإعلامية على بعض الدول وحركات المقاومة الإسلامية، وبالتالي هذا البحث يشمل المقاومة الإسلامية أيضا كونها تدخل في الجهاد بالمعنى الأعم، وكونها متهمة بالإرهاب من قبل هذه الدول نفسها، لذلك وجدنا من المناسب أن نطرح هذه الحوارية في هذه السلسلة، لعلها تجيب عن إشكالية أن المقاومة تشكيل إرهابي. (من المحقق)
