مواضع الإكراه في الدين

والدليل على ما أقول هو وجوب جهاد الكفّار والمشركين في الجملة، وباتفاق فقهاء المسلمين، من عامة المذاهب.
يقول صاحب الجواهر في موسوعته الفقهية القيّمة: (وكيف كان؛ فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه في الجملة؛ بل هو كالضروري، خصوصاً بعد الأمر به في الكتاب العزيز، في آيات كثيرة، كقوله تعالى: <يَا أيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ>… وقوله تعالى: <حَرِّضِّ المُؤمِنِينَ عَلَى القِتَالِ> إلى غير ذلك)[1].
ولا معنى لوجوب جهاد الكفّار مع الحكم بنفي الإكراه في الدين، ولم يرِد استثناء لهذا الحكم التشريعي الثابت في كتاب الله إلاّ بخصوص أهل الكتاب الذين يدخلون في ذمّة الإسلام ويقبلون الجزيّة، وهو دليل آخر على ما قلنا.
يقول تعالى: <قٰاتِلُوا الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَلاٰ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاٰ يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَلاٰ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صٰاغِرُونَ>[2].
وقد صحَّ عن رسول الله (ص): (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ)[3]، هذا أوّلاً.
- [1] محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج21، ص8.
- [2] التوبة: 29.
- [3] سنن البيهقي، كتاب السير، باب من لا تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان، ج9، ص307، ح18623. ومثله دعائم الإسلام مع اختلاف في اللفظ: فَإِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَ رَبَّهُمْ فَيُحَاسِبُهُم. (نعمان بن محمد التميمي، دعائم الإسلام، ج2، ص402). (من المحقق)