مواضيع

(الرحمة) و (العنف) وجهان لحقيقة واحدة

ونحن لا نتوقف عند كلمة (العنف)، ولا نشكّ أنَّ الإسلام، يتبنّى (العنف) إلى جانب (الرّحمة) في منهاجه التشريعي التكاملي، ولا نشكّ أن (الرحمة) و(العنف) هما وجها هذا الدين، ومن دون هذا وذاك لا يمكن أن نفهم هذا الدين.

تفسير العنف

    ولكن نتساءل لماذا العنف؟ وما هو العنف؟ إن العقليّة الغربية تفسّر (العنف) باستخدام القوّة للتوسّع العسكري والاستبداد السياسي والديني.

    وللقرآن تفسير آخر للعنف، لا علاقة له بالتفسير الأوّل إطلاقاً. إن القرآن يذكر للقتال أربعة أهداف هي:

    أوّلاً وثانياً: تقرير أُلوهيّة الله ودينه على وجه الأرض، وإزالة الفتنة من حياة الناس، يقول تعالى: <وَقٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لاٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّٰهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاٰ عُدْوٰانَ إِلاّٰ عَلَى الظّٰالِمِينَ>[1].

    وهذه الآية تقرّر هاتَيْن الحقيقتَيْن بوضوح ما بعده وضوح: تقرير أُلوهيّة الله، وتحكيم شريعة الله على وجه الأرض <وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّٰهِ>، وهذا هو أحد الهدفين، وللوصول إلى هذه الغاية لابدَّ من إزالة عوامل الفتنة التي تعيق حركة الدعوة إلى هذه الغاية <حَتّٰى لاٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ>، ولا تزول الفتنة مادام أئمّة الظلم يحكمون الناس ويحتلّون مواقع القوّة في المجتمع. 

    ثالثاً: تحرير المستضعفين والمعذَّبين في الأرض، والدفاع عنهم، وإزالة الظلم عنهم، يقول تعالى: <وَمٰا لَكُمْ لاٰ تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَالنِّسٰاءِ وَالْوِلْدٰانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظّٰالِمِ أَهْلُهٰا وَاجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً>[2].

    رابعاً: الدفاع عن قواعد التوحيد والعبودية، ولولا القتال لهُدّمت هذه القواعد، ولم يُعبَد الله على وجه الأرض: <الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّٰ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّٰهُ وَلَوْ لاٰ دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوٰامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوٰاتٌ وَمَسٰاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّٰهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ>[3].

    إذًا؛ (العنف) بغاياته؛ فإن كانت غاية العنف هي التوسّع العسكري والتعسّف وإذلال الناس وتطويعهم وسلب كرامتهم وإرادتهم، فهو أمر سيّئ ومرفوض. وإن كانت غاية العنف إقامة الحقّ والعدل، وتحرير الإنسان، وإقامة دين الله في حياة الإنسان، والدفاع عن القيم وعن المستضعفين، فهو الوجه الآخر للرّحمة، ولن تكتمل الرّحمة إلاّ به.

    من طيّات الرّد وإبدائكم هذه الملاحظات القيّمة، نجد وكأنَّ الجهاد حتّى لو كان في شكل مسلّح وعبر وسائل حربيّة، لا يمثل عائقاً ومانعاً أمام مبدأ الحرّية في اتخاذ المعتقد واختيار التفكير. غير أن بعض المحاولات الفكرية ترمي إلى الإيحاء بأنَّ بعض القضايا الشرعية والمعتقدات الدينيّة مثل الجهاد والحدود يكوّن عنصراً سافراً في الإكراه والإرغام لإخضاع غير المسلمين للشريعة الإسلامية، الأمر الذي لا يتجاوز تمنّياً وأملاً لن يتحقّق؛ لأنِّ العقيدة والشريعة لا يكونان إلاّ عبر القناعة والإيمان، والسيوف غير قادرة على صنعهما. هل تعزو هذا الموقف إلى نمط اجتهادي حديث أم ترغب في أن تصحّح الانطباع الراهن عن مقولة الجهاد والحدود الموحية لدى بعض المفكرين وعامّة الناس عن النوايا التوسّعية عبر السيف والسلاح في الإسلام؟


    • [1] البقرة: 193.
    • [2] النساء: 75.
    • [3] الحج: 40.

    مقالات ذات صلة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى