الجهاد والعنف
والآن أعود إلى سؤالكم الأول: هل يمثّل الجهاد في القرآن الكريم وجه العنف الذي يتحقق عبر المناهج العسكرية والكفاح المسلح أم لا؟
أقول: فماذا يمكن أن يكون معنى الجهاد، إذا كان لا يعني القوّة والعنف؟!
لقد وردت كلمة (الجهاد) ومشتقّاتها في القرآن (33) مرّة، ووردت كلمة (القتال) ومشتقّاتها (31) مرة. وواضح أنّهما وجهان لحقيقة واحدة.
ومهما يكن تفسيرنا للجهاد؛ من (الجُهد) بمعنى الوُسع والطاقة، أو من (الجَهد) بمعنى الشدّة والتعب، فإنَّ النتيجة واحدة لا تختلف؛ لأن (الجهاد)سواء كان بمعنى بذل الوسع في إقامة كلمة التوحيد على وجه الأرض وإزالة الشرك والظلم، أو بمعنى تحمّل الشدّة والمشقّة في إعلاء كلمة الله وإزالة الشرك والظلم عن وجه الأرض، فإنَّ تقرير أُلوهيّة الله وحده وإزالة أنواع الشرك والظلم من وجه الأرض لا يمكن أن يتمّ من غير (القتال).
وقد ورد الأمر بالقتال كراراً وبصيغ مختلفة في القرآن، يقول تعالى: <كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتٰالُ وَهُوَ كُرْهٌ>[1].
والكتابة: هي الفريضة؛ نحو قوله تعالى: <كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ>[2].
ويقول تعالى: <إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ>[3].
ويقول تعالى: <فَلْيُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ>[4].
وهو يحرّض على القتال: <وَقٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَكُمْ>[5].
وآيات القرآن في هذا المعنى عديدة، بصيغ التحريض، والفرض، والإذن، والتحبيب وغيره. وهو الوجه الآخر للجهاد، الذي لا يمكن فصله عنه. والمعنى الواضح لهذه الكلمة هو القتل والعنف والغزو المسلّح وما شئت من أمثال هذه الكلمات والمفاهيم.