رؤية أهل البيت (عليهم السلام) إلى الفتوحات العسكرية صدر الإسلام

ورغم أن الفتوحات العسكرية بعد عصر رسول الله (ص) كانت أحداثاً ضخمة وكبيرة في تاريخ هذا الدين، رغم ذلك لا نجد إشارة إلى رفض هذه الفتوحات والتشكيك في مشروعيتها في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام). وواضح لمن مارس أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن انعدام النصوص الرافضة مع أهميّة الفتوحات العسكرية يومئذٍ بمعنى إقرارها وشرعيتها.
كما أنَّ عمومات وإطلاقات نصوص الجهاد في القرآن تدل على هذه الحقيقة.
ولسنا نحب أن ندخل هنا بحثاً فقهيّاً عن مشروعية الجهاد الابتدائي، ولكنني أقول وأختم به هذا الشطر من الحديث: إنَّ الذي يتلقّى سيرة رسول الله (ص) والنصوص الإسلامية في الجهاد والقتال، وتاريخ الفتوحات الإسلامية، وموقف أهل البيت (عليهم السلام) من هذه الفتوحات لا يَشُكُّ في الحالة الجهادية في الإسلام، ولن يَشُكَّ أنَّ الإسلام لا يتمكن أن يفتح معاقل الكفر والظلم والاستبداد السياسي والطغيان على وجه الأرض من دون القتال والمواجهة.
والتنظيرات المعاصرة للنصوص الإسلامية في القتال والجهاد تمثّل حالة من الهزيمة النفسيّة والفكريّة تجاه العوامل السياسية والإعلاميّة الضاغطة.
ومن الخطأ أن نُخضِع تفسير النصوص الإسلامية لهذه العوامل الضاغطة، مهما كان نوعها.
ومن هذه العوامل، الموجة الإعلاميّة الواسعة ضدّ العنف، بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، والتي قادتها أمريكا وأوروبا في العالم، ووقع بعض المفكّرين والمنظّرين في تيار هذه الموجة الإعلاميّة العالميّة بعلم أو من دون علم.
ونحن نؤمن أن العنف ظلماً مرفوض، وأن العنف لمواجهة الظلم صحيح، وأن العنف لإزالة العنف حقّ، وأن العنف لإزالة الباطل صحيح. وعمليات المقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة الإسلامية في فلسطين من العنف المشروع الذي يحبّه الله ورسوله والمؤمنون[1].
في قراءة لي شخصيّاً لبعض مذكّرات الشهيد مطهري، رأيت تأكيداً صارماً منه في الجزء2، ص322، لأرجحية وأقدمية مبدأ (الصلح والسلام) في القرآن الكريم، مستشهداً بآيات قرآنية مثل: <يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً>[2]، و<وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ>[3]. وما إلى ذلك. أحبّ أن أتقدّم بالسؤال هنا عمّا إذا كان هذا السِّلم مرغوباً فيه ومنصوصاً عليه إسلامياً في العلاقات الإسلامية، أم هو يمثّل المقصد الأساسي لتكون العلاقات الإنسانية مبنيّة عليه دون فارق بين طبيعة الانتماءات المذهبية والأيديولوجية للأطراف؟
- [1] يقال هنا إن العنف الذي تستخدمه المقاومة ضد الاحتلال وضد الظلم هو من الجهاد الدفاعي وليس من الجهاد الابتدائي، وهو أمر مشروع وواجب ومحل اتفاق، وهو خارج عن محل البحث؛ لأن محل البحث في الجهاد الابتدائي، ومحاولة طمس الجهاد الابتدائي وتوجيه العنف الذي حصل في زمن الحضور من جهة المسلمين بأنه من الجهاد الدفاعي، وليس من الجهاد الابتدائي؛ طبقا لمورد سؤال المُحاوِر أعلاه. وحتى لا يُتوهم أن الشيخ (رحمه الله) يجيز الجهاد الابتدائي في زمن الغيبة، لابد من توضيح ان الجهاد على قسمين: جهاد ابتدائي للدعوة إلى الإسلام والله ورسوله (ص)، وجهاد دفاعي لمواجهة أي تعدّ على بيضة الإسلام والأمة الإسلامية، وأوضح مصداق له هو الاحتلال المباشر لأرض المسلمين. أما الجهاد من النوع الأول فهو مختص بزمن حضور المعصوم، فهو الذي يقرر هذا النوع من الجهاد. وأما الجهاد من النوع الثاني فهو مشروع وواجب حتى في زمن الغيبة ولا يحتاج إلى إذن المعصوم ولا إلى إذن نائبه بأي وسيلة يتحقق بها دفع العدوان، وكلٌّ بحسبه، وهو الذي يُطلق عليه اليوم (مقاومة)، كما تبين لنا في بعض حلقات هذه السلسلة سابقا. وعندما يتم الحديث عن العنف الناجم عن الجهاد، فإنه يشمل كلا النوعين من الجهاد، والشيخ عندما يبرر هذا العنف ويستدل على شرعيته فهو يشمل كلا النوعين معا لا فرق. لكن في مورد السؤال الذي طرحه المُحاوِر على الشيخ (رحمه الله) فإنه يتعلق بالجهاد الابتدائي كما هو واضح، وكما وضحناه في بداية التعليق، وبالتالي يختص بهذا النوع من الجهاد ومحاولة إثباته وإن كان في بعضه يشمل حتى الجهاد الدفاعي، ولكنه لا يريد هنا أن يقول بمشروعية الجهاد الابتدائي في زمن الغيبة؛ لأنه ممنوع باتفاق العلماء، وإنما يريد أن يثبّت هذه الفكرة وهي أن الجهاد الابتدائي كان موجودا في زمن المعصوم، وأن ذلك لا يضرّ بالإسلام وإنسانيته فانتبه. وعليه؛ يكون المصداق الذي ذكره الشيخ (رحمه الله) عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية في نهاية البحث غير دقيق؛ لأنه من الجهاد الدفاعي، وهو يدخل في سياق الرد العام حول شرعية هذا النوع من العنف. (من المحقق)
- [2] البقرة: 208.
- [3] الأنفال: 61.