الأصل القرآني في شرعية العهد

ثمَّ إن الأصل في شرعيّة العهد في القرآن: الآيات الأولى من سورة (براءة).
قال تعالى: <بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ…>[1]، فالجزء الأول من سورة (براءة)، يقسّم الكفّار إلى قسمين:
القسم الأول: الكفّار الذين لم ندخل معهم في عهد.
القسم الثاني: الكفّار الذين دخلنا معهم في عهد. وهذا القسم أيضاً ينقسم إلى قسمين:
الأول: مَن نقضوا عهدهم وخالفوا وظاهروا بتشكيل أحلاف ضدّ الإسلام.
الثاني: مَن استقام على عهده.
وعليه سيكون مجموع الأقسام ثلاثة:
الكفّار الذين لم ندخل معهم في عهد.
الكفّار الذين دخلنا معهم في عهد ونقضوا.
الكفّار الذين دخلنا معهم في عهد واستقاموا على عهدهم.
والكفار من القسم الأوّل، حكمهم أنّ الله بريء منهم، وكذلك رسوله، حسب نصّ القرآن.
والقسم الثاني: حكمهم أيضاً أنَّ الله بريء منهم كذلك، ويأمرنا بقتالهم؛ لقوله تعالى: <أَ لاٰ تُقٰاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمٰانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرٰاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ>[2]، وقوله تعالى: <وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمٰانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاٰ أَيْمٰانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ>[3].
وقوله تعالى: <وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ> في الآية الأولى ظاهر في أنّهم هم الناقضون، وأنَّ المؤمنين يدافعون عن أنفسهم، وأنَّ القتال مع هؤلاء المشركين ليس ابتدائيّاً.
وأمّا قوله تعالى: <فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ>، فكأنَّ قتال هؤلاء لأنّهم أئمّة كفر، إلاّ أنَّ العهد كان مانعاً، فلمّا نقضوا العهد ارتفع المانع.