مواضيع

كلمات الفقهاء في العقود والاتفاقيّات الدوليّة

قال الشيخ في المبسوط: (الهُدْنة والمعاهدة واحدة، وهو وضع القتال وترك الحرب إلى مدّة من غير عوض. وذلك جائز، لقوله تعالى: <وإن جَنَحُوا لِلْسَّلمِ فاجْنَحْ لَهَا وتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ>، ولأنَّ النبي (ص) صالح قريشاً عام الحديبيّة على ترك القتال عشر سنين…

وليس يخلو الإمام من أن يكون مستظهراً أو غير مستظهر، فإن كان مستظهراً، وكان في الهُدْنة مصلحة للمسلمين، ونظر لهم بأن يرجو منهم الدخول في الإسلام أو بذل الجزية، فعل ذلك. وإن لم يكن فيه نظر للمسلمين بل كانت المصلحة في تركه؛ بأن يكون العدوّ قليلاً ضعيفاً، وإذا ترك قتالهم اشتدّت شوكتهم وقرّوا، فلا تجوز الهُدْنة؛ لأن فيها ضرراً على المسلمين.

فإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز، فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنصّ القرآن العزيز، وهو قوله تعالى: <فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ>، ولا يجوز إلى سنة وزيادة عليها…

فأمّا إذا لم يكن الإمام مستظهراً على المشركين؛ بل كانوا مستظهرين عليه، لقوّتهم وضعف المسلمين، أو كان العدوّ بالبعد منهم وفي قصدهم التزام مؤن كثيرة، فيجوز أن يهادنهم إلى عشر سنين؛ لأنَّ النّبي’ هادن قريشاً عام الحديبيّة إلى عشر سنين، ثمَّ نقضوها من قبل نفوسهم)[1].

وفي التذكرة: (ويشترط في صحّة عقد الذمّة أمور أربعة:

الأول: أن يتولاّه الإمام أو مَن يأذن له؛ لأنّه من الأمور العظام…

الثاني: أن يكون للمسلمين إليه حاجة ومصلحة، إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام قوّتهم، وإمّا لرجاء إسلام المشركين، وإمّا لبذل الجزية منهم والتزام أحكام الإسلام. ولو لم تكن هناك مصلحة للمسلمين، بأن يكون في المسلمين قوّة وفي المشركين ضعف ويخشى قوّتهم واجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال، لم تجز له مهادنتهم…

الثالث: أن يخلو العقد من شرط فاسد ـ وهو حقّ كل عقد ـ، فإن عقدها الإمام على شرط فاسد؛ مثل أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنَّ أو ردّ السلاح المأخوذ منهم أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك، فهذه الشروط كلّها فاسدة يفسد بها عقد الهُدْنة.

الرابع: المدّة، ويجب ذكر المدّة التي يهادنهم عليها)[2].

وفي المغني لابن قدّامة الحنبلي: (وَمَعْنَى الْهُدْنَةِ، أَنْ يَعْقِدَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ عَقْدًا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً، بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ. وَتُسَمَّى مُهَادَنَةً وَمُوَادَعَةً وَمُعَاهَدَةً. وَذَلِكَ جَائِزٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: <بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ>. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: <وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا>.

وَرَوَى مَرْوَانُ، وَمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَالَحَ، سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو بِالْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ»، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، فَيُهَادِنُهُمْ حَتَّى يَقْوَى الْمُسْلِمُونَ)[3].


  • [1] محمد بن حسن الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، ج2، ص50 – 51.
  • [2] العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج9، ص352 – 354.
  • [3] ابن قدامة المقدسي، المغني، فصل معنى الهدنة من كتاب الجهاد، ج9، ص296 – 297.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى