مواضيع

أسس تقسيم الجغرافيا السياسية للعالم فقهيا

الأساس الأول: الأساس السياسي

فعلى الأساس الأول؛ كل منطقة تخضع لسيادة الإسلام سياسيّاً وإداريّا، وتجري فيها الأحكام والحدود الشرعية، وتجري فيها الشعائر الإسلامية، هي (دار الإسلام).

و(دار الحرب) أو (دار الكفر)؛ وهي بخلاف ذلك، فكل منطقة تخضع لسيادة الكفر، ويحكمها الكفر، فهي (دار الكفر) أو (دار الحرب)، وإن كانت من قبلُ داراً للإسلام، وذلك مثل فلسطين.

ودار (العهد)؛ وهي التي تخضع لسيادة الكفر، إلاّ أنَّ المسلمين يحترمون هذه السيادة؛ نظراً للعهود والاتفاقيّات المبرمة بين المسلمين والأنظمة الحاكمة على هذه المناطق.

والفرق بين (دار العهد) و(دار الكفر)، أنَّ سيادة دار العهد سيادة محترمة، بخلاف سيادة دار الكفر، فإنها سيادة غير محترمة.

وهذا هو الأساس الأوّل للتقسيم الثلاثي للعالم، وهو الأساس السياسي.

يقول الشيخ محمد عبده في تعريف (دار الإسلام)، كما ورد في تفسير (المنار): (كل ما دخل من البلاد في محيط سلطان الإسلام، ونفذت فيها أحكامه وأقيمت، قد صار من دار الإسلام، ووجب على المسلمين عند الاعتداء عليه أن يدافعوا عنه وجوباً عينيّاً، وكانوا كلّهم آثمين بتركه. وإن استيلاء الأجانب عليه لا يرفع عنهم وجوب القتال لاسترداده وإن طال الزمان.

فعلى هذا الرأي؛ يجب على مسلمي الأرض إزالة سلطان جميع الدول المستعمرة لشيء من الممالك الإسلامية، وإرجاع حكم الإسلام إليها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وعجزهم الآن عن ذلك لا يسقط عنهم وجوب توطين أنفسهم عليه، وإعداد ما يمكن من النظام والعدّة له، وانتظار الفرص للوثوب والعمل.

وهذا الرأي يوافق القاعدة التي وضعها أحد وزراء الإنجليز للتنازع بين المسلمين والنصارى في الغلب والسلطان.؛ وهي: “ما أخذ الصليب من الهلال لا يجوز أن يرجع إلى الهلال، وما أخذ الهلال من الصليب يجب أن يعود إلى الصليب”. وعلى هذا الرأي يجري اليهود الذين يطالبون بإعادة مُلك إسرائيل إلى بلاد فلسطين؛ بل هم لا يكتفون بإعادة المُلك (بضم الملك)، بل يطلبون جَعل المِلك (بالكسر) وسيلة لهم، فهم يحاولون سلب رقبة الأرض من أهلها العرب بمساعدة الإنجليز)[1].

الأساس الثاني: الأساس الدَّعَوي

والأساس الثاني لتقسيم العالم في الفقه؛ هو الأساس الدَّعَوي، وعلى هذا الأساس كل بلد امتدّت إليها الدّعوة، وأصبح الناس فيها بحجم كبير، ولو لم يكن بحجم الأكثريّة، يمارسون فيها شعائر دينهم، فهي (دار الإسلام)، بشرط ألاّ تكون الدعوة مستهلكة؛ كإنكلترا أو فرنسا أو أمريكا أو كندا، فإنَّ الدّعوة قد امتدّت إلى هذه البلاد من دون شكّ، ولكن الدّعوة غير بارزة في هذه الأقطار، أو مستهلكة بين سائر الدعوات والاتجاهات ذات السيادة أو غير ذات السيادة في هذه البلاد.

وأما البلاد التي لم تمتد إليها الدّعوة، أو لا يكون لامتداد الدّعوة إليها بروز ووضوح، فهي من (دار الكفر). 

و(دار العهد)؛ هي البلاد التي لم تمتد إليها الدّعوة، ولكنّها قد دخلت معنا في عهود واتّفاقيّات متبادلة في حرمة السيادة من الطرفين وفي التفاهم والتعاون.


  • [1] محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ج10، ص316.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى