الخروج على الحاكم الظالم

بيان مفاهيم بعض الاصطلاحات
وردت في السؤال عدّة مصطلحات تختلف مداليلها وأحكامها: (الخروج على الحاكم الظالم)، (البغي)، (الحرابة؛ أي: المحاربة)، (الجهاد)، و(الضوابط الشرعية المسوّغة للخروج على الحاكم الظالم). ولابدّ أوّلاً من التفكيك بين هذه المصطلحات، ثم الحديث بعد ذلك عن الضوابط الشرعية المسوّغة للخروج على الحاكم الظالم. وفيما يلي تفصيل هذه النقاط:
1ـ إذا كان النظام الحاكم نظاماً كافراً عدوانيّاً غاصباً مثل النظام الصهيوني الغاصب والمعتدي على أرض إسلامية، فالحكم الشرعي هو الجهاد، وهو من الجهاد الدفاعي الذي يُعدّ من أفضل أنواع الجهاد، وقد أذن الله تعالى لنا بذلك، يقول تعالى: <أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ 39 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّٰ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّٰهُ>[1].
وأمرنا الله تعالى بهذا القتال دفاعاً عن حقوق المسلمين وأراضيهم، يقول تعالى: <وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاٰ تُقٰاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ حَتّٰى يُقٰاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قٰاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذٰلِكَ جَزٰاءُ الْكٰافِرِينَ>[2]. وهذه الآيات الكريمة تتطابق إلى حدّ كبير مع الحالة القائمة في فلسطين اليوم بين المسلمين واليهود المسلطين على فلسطين.
2ـ وإذا كان النظام نظاماً صالحاً شرعيّاً، فإنَّ الخروج والتمرّد المسلّح على هذا النظام من (البغي) الذي أمرنا الله تعالى بإصلاحه فإذا رفضت الفئة الباغية الصلاح والرجوع إلى الطاعة، فالقتال حتّى تفيء إلى أمر الله[3].
3ـ وإذا كان النظام نظاماً صالحاً شرعياً وخرجت مجموعة مسلحة، أو فرد مسلح للإخلال بالأمن الاقتصادي والاجتماعي، فقد أمرنا الله تعالى بملاحقتهم وتقتيلهم (ويقتّلوا)[4]، وهذه هي حالة (المحاربة) أو (الحراب)، كما ورد في السؤال.
4ـ وإذا كان الحاكم طاغية يحكم بلداً من بلاد المسلمين، ويسعى في الظلم والإفساد وانتهاك حدود الله وحرماته وحقوق الناس في الأرض؛ مثل يزيد بن معاوية والحجّاج بن يوسف ومَن أمّره واستعمله على المسلمين، ومثل (صدّام) ومَن يشبهه من الحكام المعاصرين الذين يحكمون المسلمين بالظلم والعدوان، وهم كثيرون، فهذا الحاكم هو (الطاغوت) الذي أمرنا الله أن نكفر به ونرفضه وألا نركن إليه، ويجب مكافحة هؤلاء، وهو (جهاد الطاغوت)، وجهاد الطاغوت من أفضل أنواع الجهاد.
هذه هي النقاط الأربع الواردة في السؤال، وبين (البغي) و(المحاربة: الحراب) فرق واضح.
فإذا خرجت فئة مسلّحة من المسلمين على الإمام العادل وتمرّدت عليه، وسعت إلى الانشقاق على السلطة المركزية الشرعية أو إسقاط السلطة المركزية كانت هذه الحركة (بغياً)، ووجب على المسلمين أن يدعوهم إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون من الطاعة، وإن لم يدخلوا فيما دخل فيه عامة المسلمين أمرنا الله تعالى بقتالهم حتّى تفيء إلى أمر الله، يقول تعالى: <وَإِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ>[5]. وهذه الآية المباركة التاسعة من سورة الحجرات هي الأساس في التعامل مع الفئات الباغية.
وتعريف (البغي): حركة سياسية جماعية مسلّحة ومنظمة متمرّدة على النظام الشرعي المركزي بهدف الانشقاق أو إسقاط السلطة الشرعيّة المركزية.
أما (المحاربة)، فهي حركة مسلّحة فردية أو جماعية للإخلال بالأمن الاقتصادي الاجتماعي أو الديني، بقطع الطرق أو نهب الأموال أو الاعتداء على الأعراض أو الاختطاف المسلّح أو غير ذلك من أنواع الإخلال بالأمن عن طريق الإرهاب بالسلاح ولا شأن للمحاربة بالسلطة السياسية؛ لا انشقاقاً ولا إسقاطاً، وإنّما شأنهم الإخلال بأمن المجتمع فقط.
والأصل في الحكم الشرعي في جهاد المحاربين وقتالهم هو قوله تعالى: <إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ 33 إِلاَّ الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا>[6].
وبين (جهاد الكافر) الوارد في النقطة الأولى، و(جهاد الباغي) الوارد في النقطة الثانية، و(جهاد الطاغية) الوارد في النقطة الرابعة، فرق، وقد وضحنا الفرق عند توضيح النقاط، ونزيدكم توضيحاً بالأمثلة.
المقصود بـ (جهاد الكافر)؛ هو العدوّ الكافر الذي يمارس سلطاناً عدوانيّاً على أرض المسلمين؛ مثل (إسرائيل) ـ كما ذكرنا ـ وهذا هو الجهاد الدفاعي للكافر، ولا يختلف في وجوبه وفرضه فقيه من فقهاء المسلمين من كلّ المذاهب.
والمقصود بـ (الباغي) أو (الفئة الباغية)؛ الفئة المتمرّدة والمنشقة على الحاكم الشرعي؛ مثل معاوية بن أبي سفيان، الذي تمرّد على الإمام أمير المؤمنين (ع)، فهذا هو الباغي. ولا يختلف فقهاء المسلمين في وصف معاوية بالبغي، لولا التحفظات السياسية لدى بعضهم، وهي تحفظات غير فقهية.
والمقصود بـ (الطاغوت)؛ هو الحاكم المتسلط على أمور المسلمين، والذي يمارس الظلم والإفساد وانتهاك الحدود والحريات في بلاد المسلمين، من داخل هذه الأمة؛ مثل يزيد بن معاوية الذي كان يمارس أنواع الظلم والإفساد وانتهاك الحدود والحريات في هذه الأمة، وبين معاوية ويزيد فرق، فإنَّ معاوية باغٍ تمرّد على أمير المؤمنين (ع) وعلى الحسن (ع)، وينطبق عليه قوله تعالى: <فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ>[7]. وأمّا يزيد بن معاوية فقد ورث السلطان والإفساد والظلم من أبيه، وطغى في البلاد على أحكام الله وحدوده وعلى حقوق المسلمين، فهو من الطاغوت الذي أمرنا الله تعالى برفضه والكفر به <يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاٰلاً بَعِيداً>[8].
ولا يختلف المفسّرون في تفسير الطاغوت عن المعنى الإجمالي الذي ذكرته هنا، ولا يختلف المؤرخون وأصحاب السير المنصفون من أي اتجاه في تطبيق هذا العنوان على يزيد بن معاوية، ومن أبرز مصاديق الطاغوت في عصرنا (صدام) حاكم العراق وأمثاله ونظراؤه، وهم كثيرون كما قلنا.
- [1] الحج: 39 – 40.
- [2] البقرة: 191.
- [3] بموجب قوله تعالى: <وَإِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ>. (الحجرات: 9) (من المحقق)
- [4] بموجب قوله تعالى: <إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ>. (المائدة: 33). (من المحقق)
- [5] الحجرات: 9.
- [6] المائدة: 33 – 34.
- [7] الحجرات: 9.
- [8] النساء: 60.